وقبل الشروع فيها لابد من التنبيه على تقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، في تقسيم أنواع علوم القرآن، فإنه أملى ستين نوعا من أنواع علوم القرآن، وذكر لكل نوع مثالا يخصه، وذلك في كتاب نرويه عنه من عدة طرق، موجود بأيدينا إلى اليوم، وهو الأصل لكل من كتب في أنواع علوم القرآن.
وأول مصحف جمع فيه القرآن على ترتيب النزول بعد موت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هو مصحف أمير المؤمنين علي عليه السلام، والروايات في ذلك من طريق أهل البيت متواترة، ومن طرق أهل السنة مستفيضة، أشرنا إلى بعضها في الأصل وباحثنا فيه ابن حجر العسقلاني.
الصحيفة الأولى
في أول من صنف في علم تفسير القرآن
أول من صنف في ذلك سعيد بن جبير التابعي رضي اللّه عنه كان أعلم التابعين بالتفسير، كما حكاه السيوطي في الاتقان، عن قتادة وذكره ابن النديم في الفهرست، عند ذكره للكتب المصنفة في التفسير، ولم ينقل تفسيراً لأحد قبله وكانت شهادته سنة أربع وتسعين من الهجرة وكان ابن جبير من خلص الشيعة نص على ذلك علماؤنا في كتب الرجال كالعلامة جمال الدين
[ 26 ]
ابن المطهر في الخلاصة وأبي عمرو الشكي في كتابه في الرجال وروى روايات عن الأئمة في مدحه وتشيعه واستقامته، قال وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر – يعني التشيع – قتله سنة 94 (ثم اعلم) أن جماعة من التابعين من الشيعة صنفوا في تفسير القرآن بعد سعيد بن جبير.
منهم السدي الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي أبو محمد القرشي، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة.
قال السيوطي في «الإتقان» أمثل التفاسير تفسير إسماعيل السدي، روى عنه الأئمة مثل الثوري، وشعبة.
قلت: وقد ذكره وذكر تفسيره النجاشي، والشيخ أبو جعفر الطوسي في فهرست أسماء مصنفي الشيعة، وقد نص على تشيعه ابن قتيبة في كتاب «المعارف» والعسقلاني في «التقريب وتهذيب التهذيب» وكان من أصحاب علي بن الحسين، والباقر، والصادق عليهم السلام.
ومنهم محمد بن السائب بن بشر الكلبي صاحب التفسير المشهور، وذكره أبن النديم عند تسمية الكتب المصنفة في تفسير القرآن، وقال ابن عدي في «الكامل»: للكلبي أحاديث صالحة، وخاصة عن أبي صالح، وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع، وقال السمعاني محمد بن السائب صاحب «التفسير»: كان من أهل الكوفة: قائلا بالرجعة، وابنه هشام ذو نسب عال، وفي التشيع غال، قلت: كان من الشيعة المخصوصين بالامام زين العابدين وابنه الباقر، وكانت وفاته سنة ست وأربعين بعد المائة من الهجرة المباركة.
ومنهم جابر بن يزيد الجعفي الإمام في التفسير، أخذه عن الإمام الباقر،
[ 27 ]
وكان من المنقطعين إليه، وصنف تفسير القرآن وغيره، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة بعد الهجرة، وهو غير تفسير الإمام الباقر، الذي ذكره ابن النديم عند تسمية الكتب المصنفة في التفسير.
قال: كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين، رواه عنه أبو الجارود زياد ابن المنذر رئيس الجارودية الزيدية، انتهى.
قلت: وقد رواه عن أبي الجارود أيام استقامته قبل تزيده، جماعة من ثقاة الشيعة، كأبي بصير يحيى بن القاسم الأسدي وغيره.