الرئيسية / كلامكم نور / دراسات في نهج البلاغة

دراسات في نهج البلاغة

: غفران الذنوب

إنّ للعبادة وذكر الله أثراً في تربية الوجدان الدينيّ للإنسان، فتكثر فيه الرغبة إلى الخيرات والعمل الصالح، وتقلُّ فيه الرغبة إلى الشرّ والفساد والذنوب. بينما نرى أنّ للذنوب أثراً مظلماً على القلب، تقلّ فيه معها رغبة المذنب إلى الخيرات والأعمال الصالحات، وتكثر فيه الرغبة إلى الذنوب. فتكون وظيفة العبادة إزالة الظلمات والكدورات الناتجة عن الذنوب وتبديلها إلى الخير والبرّ والعمل الصالح، لذلك قال سبحانه عن الصلاة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾24.

وعن هذا الأثر العظيم للعبادات فإنّ الإمام عليه السلام وفي خطبة له في الصلاة

________________________________________
21- م. ن، الخطبة 222.
22- نهج البلاغة، الرسالة 69.
23- م. ن، الحكمة 312.
24- سورة العنكبوت، الآية: 45.

وأداء الأمانة، يقول بعد تأكيده الشديد على الصلاة: “وإنّها لتحتُّ الذنوب، وتُطلِقُها إِطلاقَ الرِّبَقِ. وشبَّهها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحِمَّة25 تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرّات، فما عسى أن يبقى عليه من الدَّرَن؟!..”26.

رابعاً: التحلّي بالأخلاق الفاضلة

إنّ للعبادة انعكاساً هامّاً على سلوكيّات الإنسان حيث تكون باعثاً ومحرِّكاً للإنسان نحو التسامي والتحلِّي بالأخلاق الفاضلة. وما لم يكن هذا الأثر موجوداً لدى العابد فإنّ عبادته تكون خالية من مضمونها الّذي أراده الله تعالى.

فالعبادة تدفع بالإنسان نحو العدل والإحسان واحترام الآخرين، وتردعه عن الغيبة والظلم والتكبّر وقطع الرحم.. يقول عليه السلام:

“وعن ذلك ما حَرَس الله عبادَهُ المؤمنين بالصلاة والزكوات، ومُجاهدة الصِّيام في الأيّام المفروضات، تسكيناً لأطرافِهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للِخُيلاء عنهم. ولما في ذلك من تعفير عِتَاقِ الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائِم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولُحُوق البطون بالمُتُون من الصيام تَذلُّلاً..”27.

أقسام العبادة ومراتبها

في نظر الإمام عليّ عليه السلام أنّ لكلّ عبادة روحاً ومضموناً وكذلك صورة ظاهريّة. وهذا ما يجعل لها أقساماً ومراتب. فالعبادة هي علاقة العبد بربِّه. والناس لا يستوون في فهم هذه العلاقة، فمنهم من يأتي بها بروحها ومضمونها،
________________________________________
25- النبعة الحارة، أو الحمئة.
26- نهج البلاغة، الخطبة 197.
27- م. ن، الخطبة 190.

ومنهم من يكتفي بظاهرها وصورتها. لذلك قسَّم الإمام عليّ عليه السلام الناس من حيث عبادتهم إلى ثلاثة أنواع:

1 – الّذين يعتبرون العبادة سلعة يطلبون العِوَض والثمن والربح، وهذه عبادة التجّار.

2 – الّذين يقومون بالعبادة منفّذين لأوامر الله، خوفاً ممّا يترتّب على مخالفتها من جزاء وعقاب، وهذه عبادة العبيد.

3 – الّذين يعبدون الله لمعرفتهم إيّاه وتقديرهم لعظمته، وأنّه أهل للعبادة، سواءأثاب أم لا، وعاقب على تركها أم لا، وهذه عبادة الأحرار. وهي درجة العارف بالله، الّذي يتّخذ العبادة معراجاً إلى ذات الله. وفي هذه الدرجة تكون العبادة تربية روحيّة ورياضة للقوى الإنسانيّة، وحالة إشراقيّة لانتصار الروح على البدن، وتعالياً عن المادّة، وصعوداً إلى مشارق أنوار الوجود. وفي بيانه لمراتب العبادة يقول الإمام عليّ عليه السلام:

“إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار. وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد. وإنّ قوماً عبدوا الله شُكراً فتلك عبادة الأحرار”28.

وفي نصٍٍّ آخر بنفس المضمون يقول عليه السلام: “إلهي ما عبدتُك خوفاً من نارك ولا طَمَعاً في جنّتك، ولكنْ وجدتك أهلاً للعبادة فعبَدتُك”29.

كانت هذه إطلالة موجزة على عالم العبادة في نهج البلاغة، وما هي إلّا غيض من فيض أمام ما قدّمه أمير المؤمنين عليه السلام عن هذا العالم الكبير في نهجه العظيم.

________________________________________
28- نهج البلاغة، الحكمة 237.
29- بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 41، ص 14.

خلاصة الدرس

ـ هدف خلق الإنسان العبادة الّتي تعني الطاعة للخالق؛ لا الرسوم والطقوس الظاهريّة فحسب.

ـ العبادة ـ في نهج البلاغة ـ أشمل من العبادة المعهودة, فالتفكُّر ولين الكلام وإفشاء السلام وما شابه كلّه يدخل تحت مفهوم العبادة.

ـ من آثار العبادة:

1 ـ نور القلب وصفاءه.
2 ـ الأنس بالله والّلذة في الحياة.
3 ـ غفران الذنوب.
4 ـ التحلّي بالأخلاق الفاضلة.

ـ أقسام العبادة ومراتبها ثلاثة:

1 ـ عبادة التجار 2 ـ عبادة العبيد 3 ـ عبادة الأحرار.

أســــــئـلـــة

1 – تحدّث بالتفصيل عن آثار العبادة في نهج البلاغة.

2 – ما هو هدف الوجود البشريّ على هذه الأرض؟

3 – بيّن أقسام العبادة ومراتبها.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...