الجهاد المالي
ويُعدّ الجهاد المالي من الميادين الأخرى للجهاد, حيث اعتبر القرآن المجيد أنّ الجهاد على قسمين: جهاد بالمال وجهاد بالروح، وبالإضافة إلى أنّه أوصى بالجهاد مطلقاً – وهو ما يشمل هذين القسمين معاً – نجدهُ قد ذكر كلاًّ من هذين القسمين في إحدى عشرة آية. وكمثال، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[1].
وفي عشر من الآيات التي ورد فيها ذكر الجهاد بالمال جنباً إلى جنب مع الجهاد بالنفس، يُلاحظ تقدّم الحديث عن الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. ومن الممكن أن تكون حكمة هذا التقديم هي الآتي:
أولاً: أنّ الجهاد بالمال يُمثّل في الغالب مقدّمة للوصول إلى الجهاد بالنفس، حيث لا بدّ للمجاهدين من صرف مقدار من أموالهم في تهيئة عدّة الجهاد وعتاده، وذلك قبل التوجّه إلى الجبهة ومواجهة العدو.
ثانياً: أنّ أكثر المسلمين إن لم نقل جميعهم يحوزون شروط الجهاد بالمال، في حين أنّ الجهاد بالنفس هو نصيب أفرادٍ محدّدين يمتلكون شروط المشاركة فيه. فمع أنّ القاعدين عن الخروج إلى الحرب بسبب الكهولة أو المرض… بالإضافة إلى النساء هم معذورون عن المشاركة في الجهاد بالنفس، إلاّ أنّه يجب عليهم بقدر الاستطاعة أن يشاركوا في الجهاد بالمال. وعليه، فدائرة الجهاد بالمال أوسع من دائرة الجهاد بالنفس وأكثر شمولاً لأفراد المسلمين.
وفقط في مورد واحد ذُكِرَ الجهاد بالنفس قبل الجهاد بالمال، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[2]، والسبب في ذلك أنّ الله تعالى قد أشار فيها إلى نفسه باعتباره مشتري أرواح المؤمنين وأموالهم، ومن الطبيعي حينئذٍ أنّه ينبغي أن يختار تقديم البضاعة الأَنْفَس.
الجهاد بالمال في الروايات:
وكذلك، جاء ذكرُ الجهاد بالمال والجهاد بالروح معاً في الروايات. ونذكر على سبيل المثال منها، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الله عزّ وجلّ ليُدخل في السهم الواحد الثلاثةَ الجنّةَ: عامل الخشبة والمقوي به والرامي به في سبيل الله”[3].
وفي بعض الروايات، اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم المجاهدين بأموالهم كمن يُجاهدون بأرواحهم، حيث ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “من جهّز غازياً بسِلْكٍ أو إبرة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر”[4].
ولقد كان المؤمنون في صدر الإسلام يُقدِمون على الجهاد بالمال بالرغم من صعوبته، حيث كان كلُّ شخص يُنفق في سبيل الله بما يتناسب مع وضعه المالي، ولو مقدار شقّ تمرة[5]. وفي بعض الأحيان، كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يطلب من الأشخاص الذين كانوا يفتقدون جرأة الخروج إلى القتال، أن يؤدّوا تكليفهم بالجهاد المالي، مع أنّ للجهاد المسلّح منزلة خاصة في نفسه، حيث ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “من جَبُنَ من الجهاد فليجهّز بالمال رجلاً يجاهد في سبيل الله، والمجاهدُ في سبيل الله إن جُهِّز بمال غَيره، فله فضل الجهاد، ولِمن جهّزه فضل النفقة في سبيل الله، وكلاهما فضلٌ، والجود بالنفس أفضلُ في سبيل الله من الجود بالمال”[6].
ومن الواضح كما أورد الفقهاء في كتاب الجهاد أنّ المقاتلين في جيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا مكلّفين بتأمين جيادهم وأسلحتهم من أموالهم.
هدفنا من الجهاد المالي
مع أنّ المصداق البارز للجهاد بالمال هو الإنفاق والصرف في الجبهات العسكرية، إلاّ أنّه بالالتفات إلى أبعاد الجهاد، يُعلمُ بأنّ الجهاد المالي لا ينحصر في المجالات العسكرية، بل ينبغي عدم الامتناع عن بذل المال في سائر المجالات، ويجب – مع رعاية الإمكانات والظروف الموجودة والاحتياجات اللازمة – الإنفاق في كلٍّ منها، وإفشال أهداف العدو.
ولكن يبقى أنّه كما يستلزم الدفاع والجهاد في سبيل الله صرف أموال كثيرة لأجل هذا الغرض، كذلك الأمر بالنسبة لامتلاك الجهوزية الدفاعية وتهيئة أسباب الردّ على الحملات المفاجئة للعدو.
وعلى الرغم من أنّ سدّ هذه الحاجة وتأمين الميزانية اللازمة هو من ضمن مسؤوليات الحكومة الإسلامية، إلاّ أنّه يجب أيضاً على الشعب أن ينفق بقدر استطاعته من أجل تأمين مصاريف الحرب والدفاع.
ولكي يشجّع الله تعالى الناس على الإنفاق في هذا الطريق، بشّرهم بأنّ كلّ ما ينفقونه من أجل تأمين الجهوزية الحربية، سوف يُرَدّ إليهم. حيث يقول تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾[7].
فهذا الوعد الإلهي يبعث الأمل في نفوس المؤمنين، ويدفعهم إلى الإنفاق في سبيل الجهاد بطمأنينة, لأنّ هذه المعاملة هي مع الله، وأنّ الله سوف يُثيبهم على ما فعلوا في هذه الحياة أو في الحياة الآخرة.
المفاهيم الرئيسة
1- للجهاد ميادينه، ومن ميادينه المشاركة في القتال المسلّح. وهناك ميادين أخرى، منها:الميدان الثقافي، والميدان السياسي، والميدان الإقتصادي، والميدان المالي.
2- الجهاد الثقافي: تُعدّ مواجهة الغزو الثقافي الغربي للإسلام والمسلمين من المصاديق البارزة لجهاد أعداء دين الله، وذلك أنّهم يسعون بكلّ وسيلة ممكنة وعن طريق خداع الشباب إلى جرّهم نحو الفساد وإهمال القيم الدينية والإنسانية.
3- الجهاد السياسي والاقتصادي: من خلال سدّ منافذ تسلّط العدو وسيطرته على المجتمع الإسلامي في المجالين السياسي والاقتصادي، والحؤول دون أن يمتلك زمام المبادرة للإضرار بالمجتمع الإسلامي، وبالتالي أن يستعمره ويستغلّه.
4- الجهاد المالي: باعتبار أنّ إعداد القوّة العسكرية والجهوزية التامّة تحتاج إلى دعم مالي كبير، إضافة إلى دعم الميادين السياسية والثقافية والعلمية والتربوية باعتبارها من الميادين التي يمكن أن ينفذ العدو من خلالها للإضرار بالمجتمع الإسلامي والتسلّط عليه.
[1] سورة التوبة، الآية 20.
[2] سورة التوبة، الآية 111.
[3] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط3، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367هـ.ش، ج5، باب فضل ارتباط الخيل، ح13، ص50.
[4] مستدرك الوسائل، ج11، ص24.
[5] يُراجع، مجمع البيان، للشيخ الطبرسي، ج5، ص54.
[6] مستدرك الوسائل، ج11، ص24.
[7] سورة الأنفال، الآية60.