الرئيسية / الاسلام والحياة / التقوى في القرآن الكريم – صفات المتّقين

التقوى في القرآن الكريم – صفات المتّقين

 قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالاَْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولـئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)( [515]).
 وقال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)( [516]).
 قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «قال الله جلَّ جلاله: إذا عصاني من خلقي مَنْ يعرفني، سلّطت عليه من خلقي مَنْ لايعرفني»( [517]).
 وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الصفا فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، إني رسول الله إليكم وإنّي شفيق عليكم، وإنّ لي عملي ولكلّ رجل منكم عمله، لا تقولوا: إنّ محمّداً منّا وسندخل مدخله، فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطّلب إلاّ المتّقون، ألا أفلا أعرفكم يوم القيامة، تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم، ويأتون الناس يحملون الآخرة، ألا إنّي قد أعذرت إليكم، فيما بيني وبينكم، وفيما بيني وبين الله عزّوجلّ»( [518]).
 قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إنّ أولياء الله هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها، واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها، فأماتوا منها ما خَشَوا أن يُميتهم، وتركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم، ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالاً، ودَرَكَهم لها فَوَتاً، أعداء ما سالَم الناس، وسَلْمُ ما عادى الناس. بهم عُلِمَ الكتاب وبه عُلموا، وبهم قام الكتاب وبه قاموا، لا يرون مرجواً فوق ما يرجون، ولا مخوفاً فوق ما يخافون»( [519]).
 وقال (عليه السلام): «واعلموا عباد الله أنّ المتّقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركوا أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سُكنت، وأكلوها بأفضل ما أُكلت، ثمّ انقلبوا عنها بالزاد المبْلغ، والمتجر الرابح، أصابوا لذّة زهد الدنيا في دنياهم، وتيقّنوا أنّهم جيران الله غداً في آخرتهم، لا ترد لهم وعدة، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة»( [520]).
 وقال (عليه السلام) : «كان لي فيما مضى أخٌ في الله، وكان يُعظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يُكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتاً، فإن قال بذّ القائلين، ونَقَع غليل السائلين، وكان ضعيفاً مُستضعفاً، فإن جاء الجدّ فهو ليثُ غاب وصلُّ واد، لا يُدلي بحجّة حتّى يأتي قاضياً، وكان لا يلوم أحداً على ما يجدُ العذر من مثله، حتى يسمع اعتذاره، وكان لا يشكو وجعاً إلاّ عند بُرئه، وكان يقول ما يفعل، ولا يقول ما لا يفعل، وكان إذا غُلب على الكلام لم يُغلب على السكوت، وكان على ما يسمعُ أحرص منه على أن يتكلّم، وكان إذا بدَهه أمران ينظر أيّهما أقرب إلى الهوى فيخالفه.
فعليكم بهذه الخلائق (جمع خُلق) فالزموها وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ القليل خيرٌ من ترك الكثير»( [521]).
 وقال (عليه السلام) عند تلاوته: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)( [522]): «إنّ الله جعل الذكر جِلاءً للقلوب، تسمعُ به بعد الوقْرة، وتُبصر به بعد العَشْوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برِح لله ـ عزّت آلاؤه ـ في البرهة بعد البرهة، وفي أزمات الفترات، عبادٌ ناجاهم في فكرهم، وكلّمهم في ذات عقولهم، فاستصحبوا بنور يقظة في الابصار والاسماع والافئدة، يذكّرون بأيّام الله، ويخوّفون مقامه، بمنزلة الادلّة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه، وبشّروه بالنجاة، ومن أخذ يميناً وشمالاً ذمّوا إليه الطريق، وحذّروه من الهلكة، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات، وأدلّة تلك الشبهات.
وإنّ للذكر لاهلاً أخذوه من الدنيا بَدَلاً، فلم تشغلهم تجارةٌ ولا بيعٌ عنه، يقطعون به أيّام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به، وينهْون عن المنكر ويتناهون عنه، فكأنّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنّما أطّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه، وحقّقت القيامة عليهم عِداتها، فكشفوا غطاء ذلك لاهل الدنيا، حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس، ويسمعون ما لا يسمعون.
فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة، ومجالسهم المشهودة، وقد نشروا دواوين أعمالهم، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم على كلّ صغيرة وكبيرة، أُمروا بها فقصّروا عنها، أو نُهوا عنها ففرّطوا فيها، وحمّلوا ثِقل أوزارهم ظهورهم، فضعفوا عن الاستقلال بها، نشجوا نشيجاً وتجاوبوا نحيباً، يعجّون إلى ربّهم من مقام ندم واعتراف، لرأيت أعلام هدى، ومصابيح دُجى، قد حفّت بهم الملائكة، وتنزّلت عليهم السكينة، وفُتحت لهم أبواب السماء، وأُعدّت لهم مقاعد الكرامات، في مقصد اطّلع الله عليهم فيه، فرضي سعيهم وحمد مقامهم.
رهائن فاقة إلى فضله، وأسارى ذلّة لعظمته، جَرَح طول الاسى قلوبهم، وطولُ البكاء عيونهم، لكلّ باب رغبة إلى الله منهم يُد فارعة، يسألون من لا تضيق لديه المنادح، ولا يخيب عليه الراغبون.
فحاسب نفسك لنفسك، فإن غيرها من الانفس لها حسيب غيرك»( [523]).
 وقال الامام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : «يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر، إلاّ بالتواضع والتخشّع والامانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الالسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أُمناء عشائرهم في الاشياء.
يا جابر: لا تذهبنّ بك المذاهب، حسْب الرجل أن يقول: أحبُّ علياً وأتولاّه، ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إنّي أحبُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فرسول الله خيرٌ من عليّ ثمّ لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته، ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً.
فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّوجلّ وأكرمهم عليه، أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لاحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع»( [524]).

شاهد أيضاً

اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...