هكذا استثمر لحظات عمرك
العمر أيّها العزيز! ساعاتٌ معدودات مقسّمةٌ على الأيام، واليوم ليلٌ ونهار، ليلٌ تنامه ونهارٌ تقضي فتراته في أشغال وأعمال شتى، وساعات الاغتنام والاكتساب للآخرة قليلةٌ جدّاً ولهذا ينبغي وكما قيل أن يكون لك في كلّ شيءٍ نيّة تتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ، في نومك وعملك وعبادتك وساعات أكلك وسهرك وسمرك واستراحتك، بل في كُلِّ شؤونك وحالاتك، وعليك أن تستفيد من الفراغ تثقيلاً لميزانك، بالعمل والمواظبة والمراقبة تعود عليك العوائد وتستفيد لنفسك الفوائد، وإلّا حقّ عليك أن تكون ملوماً ومغبوناً، فإتلاف العمر والإصرار على تضييعه وتفويته خسارةٌ لا تعوّض وسفهٌ بنظر العقلاء، أعاذنا الله وإيّاك من السفه والخسران.
والوقت يا أخي! كالسيف إن لم تقطعه ـ بالاستفادة منه ـ قطعك بالمضي والتجاوز عنك، فاغتنم وقتك بالعمل، واختر لنفسك أفضل الأعمال وأنفعها.
اجعل وقتاً للطاعة والعبادة والذكر والمناجاة, فإنَّهُ من أقبل على الله عزّ وجلّ أقبل الله عليه، واعمل لدنياك بما فيه صلاحك ونجاحك ومرضاة ربّك، من درسٍ وتحصيلٍ وبناءٍ لحياةٍ شخصيّة وتأسيسٍ لعائلةٍ وتربيةٍ للأبناء بما يعود بالفائدة
عليك وعلى محيطك العائلي ومجتمعك الأوسع.
لا تجعل للفراغ وضياع الوقت والعمر سبيلاً إليك, فإنَّ في ذلك بغضاً من الربّ وشدّةً في الحساب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الله يبغض الصحيح الفارغ، لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة” ، وقال: “أشدّ الناس حساباً يوم القيامة المكفي الفارغ” ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ، وعن سيّد
الساجدين عليه السلام في دعائه: “وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْرٍ، وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَةٍ. فَإِنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغْلٍ فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلَامَةٍ لَا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ، وَلَا تَلْحَقُنَا فِيهِ سَأْمَةٌ، حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنَّا كُتَّابُ السَّيِّئَاتِ بِصَحِيفَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ ذِكْرِ سَيِّئَاتِنَا، وَيَتَوَلَّى كُتَّابُ الْحَسَنَاتِ عَنَّا مَسْرُورِينَ بِمَا كَتَبُوا مِنْ حَسَنَاتِنَا” .
واعلم أنَّ الندم على ما فات لا يرجعه ولا يعوّض الخسارة، ومقولة: لو أنَّ الزمان يعود لفعلت كذا، وليت الشباب يعود يوماً لأجتهد في تحصيل الطاعة والثواب ليومٍ لا ينفع مالٌ ولا بنون لا إمكانيّة لترجمته وحصوله، ومن هذا المنطلق الأجدر بنا أن نعمل اليوم وأن نسعى لأن يكون يومنا أحسن حالاً من أمسنا، وأن يكون غدنا أحسن من يومنا، وأن نقيّم أحوالنا ونحاسب أنفسنا، وأن لا نركن إليها ونغفل عنها طرفة عين أبداً، فإنَّ أنفسنا شيطانٌ باطنيٌّ وهو أعدى أعدائنا، وإبليس الرجيم من خلفها ظهير، يساندها ويسوّل لها.