يعتبر تنظيم “شرق تركستان الإسلامي” أحد أهم الحركات المسلحة في الصين، والتي تسعى إلى تحويل منطقة “شين جيانغ” إلى إمارة إسلامية، ويبدو أن دعوات الانفصال لدى سكان تلك المنطقة والتي يغلب عليهم الأصل “الإويغوري” تعود إلى القدم حيث كانت تلك المنطقة، قبل إعلان تأسيس جمهورية الصين الشعبية، إقليمًا مستقلًا، إلا أنه بعد الإعلان عن تأسيس الدولة الجديدة عام 1949 عاد الإقليم إلى حضن الدولة.
النشأة والتأسيس
“شرق تركستان الاسلامي” منظمة مسلحة أويغورية انفصالية، تدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في تركستان الشرقية، شمال غرب الصين، والأيغورية هي لغة قارلوقية، من اللغات الترکية، التي يستعملها شعب الأيغور في الصين، وهي لغة رسمية في “أويغورستان” (شين جيانغ). وأويغورستان، هي قومية “هوي” المسلمة، تعيش في منطقة “نينغشيا”، تتمتع بالحكم الذاتي، وتستهدف الحركة منذ إعلانها تأسيسها الحصول على استقلال إقليم شين جيانغ، الذي يقع في أقصى شمال غرب البلاد، وعاصمتها مدينة أورومتشي.
وعلى الرغم من انه لم يتم العثور على أي تقارير توثق النشأة الأولى للحركة، فضلاً عن مدى نشاطها، لكن يمكن رصد البدايات الأولى للتنظيم، في أوائل القرن العشرين وحتى أواخر العقد الرابع منه. ففي تشرين الثاني نوفمبر 1933، أسس مولاي الأكبر شابيتى جمهورية تركستان الشرقية الاسلامية، في مدينة كاشغار، إلا انها سرعان ما انهارت بعد ثلاثة أشهر من تأسيسها بفضل معارضة أبناء جميع القوميات الصينية في سينكيان.
وفي عام 1944، انفجرت “ثورات المناطق الثلاث” التي استهدفت حكم الكومينتانغ، (ثورات ييلى وتانشنغ وآلتاي في منطقة سينكيان)، والتي كانت رافدا من روافد “الثورة الديمقراطية” للشعب الصيني، غير أن الانفصالي علي خان سيطر على المناطق الثلاث، وأسس جمهورية تركستان الشرقية، في مدينة يينينغ، وعين نفسه “رئيسا للجمهورية”. لكن في حزيران/ يونيو 1946 ثم تجريده من منصبه على يد قادة المناطق الثلاث أمثال أحمدي جانغ، وآباسوف، فحولوا جمهورية تركستان الشرقية إلى مجلس لنواب منطقة ييلي الخاصة، وفي أعقاب ذلك، هربت بعض العناصر الانفصالية خارج البلاد، وبدأت في تسعينات القرن الماضي شن هجمات داخل الإقليم.
المؤتمر الوطني الأول لنواب تركستان في أسطنبول
في كانون الاول/ ديسمبر 1992، قام انفصاليو “تركستان الشرقية”، بدعم مالي من تركيا، بعقد “المؤتمر الوطني لنواب تركستان الشرقية”، في مدينة اسطنبول التركية، حضره رموز تمثل اكثر من ثلاثين منظمة انفصالية تعمل في كل من دول آسيا الوسطى والولايات المتحدة واستراليا وباكستان وألمانيا وتركيا وسويسرا، وانبثق عن المؤتمر تأسيس “اللجنة الوطنية الدولية المشتركة لتركستان الشرقية”، وتم إقرار اسم الدولة (دولة تركستان الشرقية) وجاء العلم الوطني (على شكل هلال)، ما عزز فرص الحركة نحو الاتحاد.
وفي 1993، عقد ممثلو منظمة “تركستان الشرقية” من سبعة عشر دولة، بما فيها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وباكستان والسعودية ودول آسيا الوسطى، مرة ثانية مؤتمرا دوليا في تركيا، أعلنوا فيه عن تشكيل حكومة في المنفى، وتعيين (روزابيك) رئيسا للوزراء، وإصدار إعلان الاستقلال الذي يناشد هيئة الأمم المتحدة والمنظمة الدولية لحقوق الإنسان والمؤتمر الإسلامي ممارسة الضغوط على الحكومة الصينية، لإعلان الحكم الذاتي.
حسن محسوم المؤسس الأول للحركة
تأسست الحركة على يد حسن محسوم، وهو أحد مسلمي الويغور من منطقة كاشغر داخل إقليم شينغيانغ، ولحسن محسوم أسماء عدة منها حسن صمودي، وعبدو محمد، ويُقال له في خارج الصين، حسن زوندوروح، وهو من قومية الويغور من مواليد عام 1964 في محافظة شو له، (منطقة كاشي في إقليم شين جيانغ).
وكانت الشرطة الصينية قد ألقت القبض عليه في تشرين أول/ أكتوبر 1993، لتورطه في أعمال العنف والإرهاب، إلا أنه تمكَّن من الفرار إلى الخارج عام 1997 وأفادت تقارير أنه غادر إلى أفغانستان، حيث أقام في معسكر تدريب للمقاتلين هناك، ثم سرعان ما تحول إلى مدرب للمقاتلين. ويبدو انه من هناك بدأ عمل الحركة مع تنظيم “القاعدة”.
تم تصنيف محسوم أنه الإرهابي الأخطر الذي تبحث عنه السلطات الصينية قبل أن تقتله القوات الباكستانية عام 2003، أعقبه تولي عبد الحق قيادة الحركة، قبل أن تُعلن القوات الباكستانية قتله في 2010.
وكانت بعض الصحف الباكستانية، قالت إن عبد الحق، زعيم حركة شرق تركستان الإسلامية، قتل خلال ضربة جوية شنتها طائرة أمريكية بدون طيار في 15 شباط/ فبراير 2010 في منطقة القبائل شمال وزيرستان الباكستانية.
كما ذكرت الصحف الباكستانية أن وكالة الاستخبارات الباكستانية وبعض شهود العيان من الشخصيات في شمال وزيرستان قد أكدوا مقتله.
تصنيف الحركة منظمة إرهابية
يبدو أن سياسات منظمة “شرق تركستان الإسلامية”، قد عجلت بتصنيفها إرهابية، حيث عقدت مؤتمرا في 1997، دحضت فيه موقف آشا الداعي الى النضال السلمي، وفي كانون الاول/ ديسمبر 1999، عقد في مدينة اسطنبول التركية مؤتمرا حضره ممثلون عن أكثر من أربعين منظمة انفصالية في ثماني عشرة دولة، وأقر مبدأ “اقامة دولة بالقوة”، كما توصل المؤتمرون الى رؤية مشتركة حول “الاستيلاء” على الحكم بالقوة.
ولتحقيق هذا الغرض، قال مراقبون إن منظمة “تركستان الشرقية” الانفصالية أرسلت مجموعة كبيرة من عناصرها الى أفغانستان والشيشان ومنطقة كشمير، للتدرب على فنون العمليات الحربية ميدانياً، كما أسست أكثر من 20 قاعدة من القواعد التدريبية في آسيا الوسطى، وغرب آسيا، وأفغانستان لتأهيل الأعضاء القيادية والبارزة.
وتشير التقارير إلى أن المنظمة تضع شعار “لا يمكن تحرير تركستان الشرقية بالطرق السلمية، ولا بد من استخدام القوة لحل هذه المشكلة”، فيما تؤكد تقارير أخرى أنه في 1999 التقى بن لادن مع أيشان مخزومي الرأس المدبر لـ”الحركة الاسلامية لتركستان الشرقية”.
وفي شباط/ فبراير 2001 توصلت بعض الشخصيات رفيعة المستوى الممثلة لنظام طالبان وبن لادن مع رموز قيادية للمنظمة الانفصالية “تركستان الشرقية” في قندهار الى اتفاق يقضي بتدريب وتأهيل وإعداد العناصر النشطة، والوعد في تحمل نفقات جميع أنشطة عام 2001.
كما أوضح مراقبون أن نظام طالبان و”تنظيم القاعدة” و”حركة التحرير الاسلامية في أوزبكستان” قد زودوا المنظمات الانفصالية “لتركستان الشرقية” بكميات كبيرة من الاسلحة والذخائر وأدوات النقل والمواصلات وأجهزة الاتصال.
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ومع ارتفاع الأصوات المعادية للإرهاب، بدأت الحكومة الصينية استغلال الموقف عبر وصف الحركة بأنها مجموعة انفصالية عنيفة ومنظمة إرهابية، وعقب حادث تيانانمين، قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هو تشونينغ إن الحركة تعد “التهديد الأمني الأكثر إلحاحا في الصين، وأشارت إلى أن الحركة ومنظمات أخرى “تعاونت مع منظمات إرهابية دولية أخرى”.
اتهمت الحكومة الصينية أعضاء الحركة بعدة هجمات بسيارات مفخخة في منطقة شين جيانغ في التسعينات، فضلا عن مقتل دبلوماسي صيني في قيرغيزستان في عام 2002.
في كانون الثاني/ يناير 2002، أصدرت الحكومة الصينية تقريراً يثبت أن حسن محسوم التقى أسامة بن لادن في عام 1999، وتلقى وعودا مالية، وأن ابن لادن أرسل “عشرات الارهابيين” إلى الصين.
تم تصنيف الحركة من قبل الأمم المتحدة، سنة 2002 ضمن المنظمات الإرهابية، كما أدرجت واشنطن حركة شرق تركستان الإسلامية على قائمة التنظيمات الإرهابية في 27 آب/أغسطس 2002، عقب زيارة قام بها نائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج إلى الصين. وتُصنف الحركة على أنها منظمة إرهابية بموجب قرار تنفيذ أمريكي يحمل رقم 13224.
اللافت للنظر أن الحركة، وعلى غرار تنظيم القاعدة، قد تلقت دعمًا من الولايات المتحدة الأمريكية، خلال فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.
ومهما يكن من أمر فقد عاد التنظيم الى الواجهة من جديد بعد قيام كل من المملكة السعودية وتركيا بالاستفادة منه وجلب عناصره الى سوريا للقتال الى جانب “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة”. وكانت تقارير عدة قد ذكرت أن مئات العناصر من الحركة تم احضارهم الى سوريا بدعم وتمويل سعودي تحت اشراف المخابرات التركية.
نقلاً عن موقع العهد