كتب رئيس تحرير «الأخبار» اللبنانية ، افتتاحية صحيفته لهذا اليوم الاثنين تحت عنوان «إيران الجديدة في سوريا واليمن» ، قائلا : لإيران خصوم و حلفاء في حيرة من أمرهم هذه الايام و واضح أن هناك من بات أكثر تدقيقاً في كل ما يصدر عن طهران ، بين مصرّ علي تغييرات جوهرية في طريقها الي التحول وقائع ثابتة ، ومن يدعو الي التعامل علي أساس أن لا شيء قد حصل لكن قلة فقط ممن تربطهم علاقات تاريخية بإيران الاسلامية يدعون الي الهدوء ، وعدم الذهاب بعيداً في الاستنتاجات .
و اضاف الزميل ابراهيم الأمين الخبير بشؤون المنطقة : في منطقتنا ملفات ساخنة وأخري باردة ، لكن الابرز ، اليوم ، ما يخص سوريا واليمن ، حيث المواجهات العسكرية علي أشدها . وحيث الجميع يقف أمام الجدار بالنسبة إلي مستقبل الحل. والانخراط الايراني في حركة الاتصالات الاقليمية والدولية يبدو بالنسبة الي البعض حاملاً جديداً نوعياً ، علماً بأن الجديد الفعلي ، هو أن المحادثات الاقليمية والدولية التي كانت تجري سابقاً لم تكن تستثني إيران ، لكن الغرب ودولاً كثيرة لم تكن تتصرف براحة كما هي الحال الآن . ببساطة، يمكن مراجعة مفكرة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لرؤية حجم التواصل المباشر بينه وبين نظرائه في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ودول خليجية بشأن ملفي سوريا واليمن، وهو ما يفرض، بالشكل أقله، صورة مختلفة عن السابق .
ويؤكد الخبير الأمين : الجديد ، اليوم، هو أن الغرب بات مقتنعاً، ويصرّح، بأن لا مجال لحل سياسي في سوريا واليمن من دون إشراك إيران . و إذا كانت الرياض تمثل الصوت الاعتراضي الأبرز، فهي تدرك أن موقفها لا يعدو كونه محاولة لرفع الثمن . كذلك تعرف جيداً أن أي تفاوض فعلي حول ملفي سوريا واليمن لا يمكن بحثه بعيداً عن طهران .
ويقول الأمين : الجديد الاضافي هو رهان الغرب ودول عربية، من بينها السعودية ، علي أن إيران باتت مضطرة إلي ممارسة الضغط المباشر علي حلفائها في دمشق وصنعاء لفرض تنازلات ، وهنا، يمكن البحث عن السؤال الأهم : هل هناك تغييرات فعلية في الاستراتيجية الايرانية حيال سوريا واليمن؟ ما يحصل اليوم لا يظهر، علي الاطلاق، أي تغيير، ليس في برامج العمل اليومية، بل حتي في الخطط المقرّة للمرحلة المقبلة. بل إن إيران باتت، اليوم، أقل تدخلاً في كثير من التفاصيل ، وهو أمر لمسه الاميركيون و الاوروبيون مباشرة في مسألة اليمن ، عندما رأوا في مفاوضات مسقط أن تنظيم «أنصار الله» ليس واقعاً تحت سيطرة إيرانية تجعله رهينة ما تقرره طهران. وفي سوريا، لمس الغربيون أيضاً أن تفاعل دمشق مع المبادرة الروسية الاخيرة لا يعطي الانطباع بأن سوريا غير قادرة علي التحرك من دون إذن طهران .
و يضيف إبراهيم الأمين : في سوريا، تتقدم طهران بمبادرات تقوم علي أساس أن النظام الموجود هو حجر الزاوية في أي عملية سياسية، وأن أي تغييرات علي صعيد بنية المؤسسات الحاكمة لن تقوم وفق آليات تجعل سوريا في مكان آخر، لا سياسياً ولا علي مستوي وحدتها كدولة . حتي البند الذي تضمّنته المبادرة الايرانية، المتعلق بمنح أقليات إثنية أو قومية أو حتي طائفية خصوصية ما، لا يخرج فعلياً عن سياق المحادثات التفصيلية الجارية منذ 3 سنوات مع الدول المعنية. وهو يخص، عملياً، التعامل بذهنية مختلفة مع الاكراد، علماً بأن أي خطة تقرّ ستواجه عقبات هائلة خلال التنفيذ. أما الامر الآخر، فيتعلق بالشراكة داخل الحكم، وهو ما يحاكي احتجاجات قوي وقيادات إسلامية تتهم حزب البعث، ومن خلفه طبقة من العلويين، بالتحكم في مفاصل الحكم في سوريا، وتطالب بكسر هذه القواعد .
ويشدد الأمين قائلا : صحيح، وصحيح جداً، أنه يجب عدم الذهاب نحو دستور يقود سوريا الي واقع مقسم وفق اعتبارات مقيتة. ولنا في لبنان درس ماثل، يليه درس العراق المنكوب. لكن أولوية وقف الحرب لم تعد تحتمل الوقوف عند شعارات أو أهداف أصابتها الحرب بجروح عميقة .
ويؤكد الامين : في اليمن، لم تكن إيران أصلاً خلف كل حركة الاحتجاج المتعاظمة لأنصار الله ومن معها من قوي سياسية .. لكنها لم تقف في مواجهة انتفاضة تسعي الي استقلال حقيقي لليمن. وهي لن تقف مكتوفة الايدي أمام حرب مدمرة تشن ضد الشعب اليمني. مع ذلك، فإن كل الاتصالات التي أجرتها إيران حول اليمن، كانت تركز علي سبل العودة الي الحوار. وهي عندما تقبل ذلك، تعرف أن الامور لا تبقي علي الصورة التي قامت يوم توسع الحوثيون والجيش صوب كل اليمن. وبالتالي، فإن ممارسة إيران لدور أكبر، في سياق إقناع حلفائها اليمنيين بالذهاب سريعاً نحو تسوية، لا تجعلها في موقع من يمارس الضغط لتقديم تنازلات جوهرية، بل من يسعي الي وقف العدوان والحرب، وهو أولوية تسبق أي أولويات أخري .
ويتابع الأمين : تدرك إيران، كما كل العالم، أن لا عودة الي الوراء في ما خصّ واقع اليمن، وأن أقصي ما يمكن للسعودية ومن معها أن تحصّله الآن هو شراكة تمنع عنها السيطرة الأبدية علي اليمن، عدا عن كون إيران لا تبكي حزناً علي التورط السعودي في اليمن وغيره .
واختتم رئيس تحرير «الأخبار» افتتاحية صحيفته قائلاً : الحقيقة ، أن في «إيران الجديدة» ما يجب متابعته .. لكن الأهم أن يلتفت حلفاء إيران ، كما خصومها، الي موقعها الجديد في المنطقة والعالم . ومن يحسن القراءة، سيحصد الأفضل! .