الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن الكريم والصراع على الإسلام

القرآن الكريم والصراع على الإسلام

تتمة – نظرة القرآن الكريم للأديان الأخرى – الشيخ مصطفى ملص

الإسلام دين الله

وفي الوقت الذي ناقش فيه القرآن الكريم معتقدات الأديان ذات الأصل التوحيدي ومعتقدات أخرى كالدهريين والملحدين والمشركين والوثنيين، ورد عليها، فقد اعتبر أن كل دين سوى الإسلام باطل:”إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ. ..” آل عمران/19.

واعتبر أن كل من يتخذ ديناً له غير الإسلام فهو من الخاسرين.قال تعالى: “أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا
وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” آل عمران/83-85.

ولكن القرآن الكريم أقر حق الناس في اختيار الدين الذي يريدونه، وهو حق الإيمان أو الكفر، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

وحدد مهمة الرسل ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنها مهمة البلاغ والتذكير: “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ” الغاشية/21-26.

كما أن مهمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفصل بين الإيمان والكفر، كما جاء في سورة الكافرين:

“بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”

وبهذا يزول الالتباس بين ما كان أهل مكة دينا لهم على ملة إبراهيم، وبين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

الإسلام وأهل الكتاب

اعتنى القرآن الكريم بمخاطبة أهل الكتاب ودعاهم إلى الالتحاق به باعتباره استمراراً وتتويجاً لدعوات الأنبياء والرسل الذين آمن أهل الكتاب بهم، وذكر لهم التحريف الذي طرأ على
كتبهم ومعتقداتهم، مثل تأليه النصارى للمسيح عيسى بن مريم وأمه، ومثل تحريف اليهود الكتاب وذلك على يد أحبارهم، ودعاهم إلى مناقشة ذلك بالحجة والبرهان انطلاقاً من الأسس التوحيدية، قال تعالى: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” أل عمران/64.

وهذا الخطاب يشمل بدعوته اليهود والنصارى، وهي دعوى لتصحيح المعتقد والالتقاء على عبادة الإله الواحد، وترك القول بألوهية سواه أو ببنوة أحدٍله كالمسيح والعزير أو بوجود زوجة أو صاحبة له.

ولما كان القرآن الكريم بحسب النص يتوقع أن لا يجد منهم القبول، وأنهم سيتولون، طلب منهم أن يشهدوا، وفي طلب هذه الشهادة دليل على أن الإسلام ليس في مراده استئصالهم والقضاء عليهم لمخالفتهم له.

بل نجد أن القرآن الكريم في مناقشته قضية ألوهية المسيح قد أراد بعد أن عرض الحجة أن يكل النصارى إلى إيمانهم بالله، ودعاهم إلى المباهلة، وهي التوجه إلى الله بالدعاء المشترك لإنزال العقوبة بالكاذبين ولكنهم رفضوا حتى الدخول في ذلك لخوفهم من أن يكونوا كاذبين في دعواهم، قال تعالى: “إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ” آل عمران/59-61.

فلما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك ورفضوا، تركهم وشأنهم، إن القرآن الكريم الذي جاءت آياته لترسخ عقيدة التوحيد ولتبطل العقائد الباطلة، إنما واجه تلك العقائد بالحجة والبرهان، ولكنه رفض بالمطلق أن يقضي على العقائد والأديان الباطلة بالقضاء على أتباعها جسدياً، إن القرآن الكريم أراد القضاء على الشرك والكفر، وليس القضاء على الكافرين والمشركين.

ولعل كثيراً من الالتباس يحصل عند بعض المسلمين في المواجهات التي جرت بين المسلمين وبين اليهود أو النصارى أو المجوس أو غيرهم، ويعتقدون أن هذه المواجهات كانت بسبب اختلاف الدين، وهذا اعتقاد خاطيء.

إن أول المواجهات قد جرت مع المشركين واليهود، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دخل في حلف مع اليهود في المدينة وجوارها، ولكن اليهود انقلبوا على هذا الحلف وخانوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتآمروا عليه وعلى المسلمين مع أعدائهم، فكان من الطبيعي وبمنطق الصراع العسكري أن يحاسبوا وأن يدفعوا ثمن خيانتهم.

وكذلك فإن المواجهات مع النصارى وغيرهم لم تكن بسبب العقيدة الدينية وإنما لأسباب أخرى سياسية وعسكرية، بل ربما كانت في جانب النصارى تستند إلى أسباب دينية، أما من ناحية المسلمين فكانت دفاعاً عن النفس وعن حق المسلمين في تبليغ دعوتهم إلى العالم.

لهذا ينبغي علينا عدم الخلط بين المسائل الإيمانية وبين المسائل
الأخرى، وإذا استقرءنا الآيات القرآنية نجد أن كل الآيات التي تدعو إلى الشدة والعنف واستخدام القوة إنما تكون في مجال المواجهة العسكرية القتالية وليس في مجال الصراع الفكري أو الاعتقادي أو الإيماني.

وعلى العكس من ذلك في ميدان التعايش والتعامل الاجتماعي دعوة إلى إقامة أفضل وأحسن العلاقات.

وتوضح ذلك الآية الكريمة التي تقول: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” الممتحنة/8-9.

فدعوة القرآن الكريم هي المعاملة بالبر والقسط مع الذين لا تصدر عنهم أفعالٌ عدوانية ضد المسلمين، وفي مقابل ذلك إخراجهم من ديارهم أو مناصرة ودعم من يخرجهم.
ولعل الدعوة القرآنية إلى المسلمين توضح مدى توجه القرآن الكريم إلى إقامة علاقات الحوار بالحسنى، قال تعالى: “ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” النحل/125.

كما حثّ القرآن الكريم المسلم على الإحسان لمن يحاوره، وفي الآية الكريمة: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورً” النساء/36.

فهذه دعوة للإحسان في معاملة مطلق جارٍ دون تمييز بين جار وآخر كما يعامل الوالدان والأقربون.

إن من العبارات التي شاعت عند الحديث عن معاملة المسلمين لغيرهم عبارة التسامح، ويقولون إن الإسلام يتسامح مع مخالفيه، بحيث أنه يقبل بوجودهم ولا يحاربهم لمخالفتهم له، وأنا أتساءل أليس معنى التسامح هو أن تتنازل عن بعض حقك لآخر منّةً منك وتفضلاً؟ إذا كان هذا المعنى صحيحاً فإن استخدام عبارة التسامح ليس في محله، فبحسب التوجه القرآني فإن للآخرين الحق في الوجود، ولغير المسلم في المجتمع المسلم حقوق حفظها له القرآن الكريم بما دعا إليه من أخلاق، فعندما نقبل غير المسلم فيما بيننا فذلك ليس تفضلاً منّا، ولا يعنينا كيف تتعاطى الأديان الأخرى مع المسلمين.

نعم هناك روح عدائية ظاهرة في المجتمعات غير الإسلامية ضد المسلمين وقضاياهم، وسبب هذه الروح العدائية والعامل على تزكيتها إنما هو الحقد والعصبية لدى بعض الجماعات السياسية والدينية، أو المصالح السياسية والاقتصادية، ولكن الرد على موجة العداء التي تجتاح العالم الغربي ومن يدور في فلكه اليوم هو سلوك السبل التي تخفف من هذا العداء وتحاصره وليس السبل التي تؤججه، وينبغي أن نفهم أن هذه ليست دعوة للإستسلام وعدم المواجهة، وإنما هي دعوة لوعي هذه الأزمة، ووضع الخطط التي تجعلنا نخرج منها رابحين.

إن بعض الشخصيات تروج لصدام الحضارات، وهذه دعوة للحرب، وما يجري من حروب فوق أرضنا يمكن وصفه بسهولة في إطار صدام الحضارات بالمعنى المطروح، إن الحضارة التي لا تتصف بالمرونة والتقبل لا تستحق هذه التسمية، فالحضارات لا تتصادم ولا تتصارع، وإنما الحضارات تتناغم وتتآلف، أما المصالح فهي التي تتصادم عندما تنعدم الأخلاقية فيها، لذلك علينا أن نعي أن الصراع مع الغرب إنما هو مع المصالح الطاغوتية، أي مصالح القوى التي تريد السيطرة على العالم، فهذه هي التي تدبر المكائد وترسم الحروب وتجني ثمارها، أما الشعوب فلها شأن آخر، وعلينا أن نجعل شأنها مختلفاً عن شأن القوى الظالمة.

إن علينا أن لا نثير حساسيات الآخرين ببعض الطروحات والعبارات التي لا تهدف إلا إلى (فّشّْ الخُلُق) ولا طائل آخر من تحتها، هل لنا أن نتساءل ما الذي استفاده الشعب الأفغاني من حركة خرقاء كتدمير تماثيل بوذا؟

إن أتباع بوذا اليوم يحق لهم أن يعتقدوا بأن سبب سقوط نظام طالبان هو تدميره للتماثيل، إنها زادتهم تعلقاً بأصنامهم، وهؤلاء أي أتباع البوذية يبلغ تعدادهم أكثر من مليار نسمة في العالم، إنها حركة نتجت عن عدم الوعي، ونحن اليوم في تعاملنا مع غير المسلمين بأمس الحاجة إلى الوعي وأول الوعي هو الوعي بكتاب الله عز وجل.

شاهد أيضاً

اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...