عندما دخل الروس قبل 6 اشهر من الان الى سوريا وتدخلوا مباشرة في المعارك الجارية هناك كانوا يدركون بأن اول تدخل عسكري لهم في الخارج بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يمكن ان يتحول الى مستنقع بالنسبة اليهم او يحيي من جديد القوة الروسية في العالم ولذلك تعمد الروس الى اتباع العقلانية في هذا التحرك العسكري المحدود وهذا هو عدم سبب عدم تحول سوريا الى مستنقع بالنسبة اليهم.
ويمكن ان يعتقد البعض بأن قرار الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بسجب قسم من القوات الروسية المرسلة الى سوريا كان غريبا وفي غير محله لكن اذا تم قياس الاوضاع الراهنة بالاوضاع السائدة قبل 6 اشهر من الان فعندئذ يمكن القول ان روسيا قد حققت اهدافها التي تتلخص في حفظ الموقف الروسي الاستراتيجي وضمان بقاء روسيا في المجال الامني والسياسي في سوريا عبر شن حرب او وقفها او اطلاق عملية سلام.
قبل 6 اشهر من الان كانت الاوضاع الميدانية لصالح الجماعات المسلحة ولم تكن مفاوضات السلام مفيدة لسوريا أو لروسيا وحينها قرر “بوتين” الدخول الى سوريا وهذا ما غير الاوضاع وقد قال الروس ان هدفهم هو ضرب داعش لكن هدفهم الأهم كان تغيير المعادلات لصالح دمشق وهذا ما حصل لكن موسكو لاتريد ان تنهي دمشق اللعبة كلها بالادوات العسكرية وبعبارة أدق ترى روسيا في الحرب أداة وليس هدفا ولذلك اعلن “بوتين” مباشرة وفي اليوم التالي لبدء الجولة الجديدة من مفاوضات السلام، سحب قواته من سوريا.
ومن انجازات روسيا ايضا هو ابقاء الحكومة السورية كطرف في مفاوضات السلام من اجل التوصل الى اتفاق متوازن، ومن جهة اخرى يساعد خروج القوات الروسية من سوريا موسكو على لعب دور اكثر ايجابية في المفاوضات مع الجماعات المعارضة وهذا يزيد ايضا من اهمية الدور الروسي في سوريا.
وفي الحقيقة فإن الادوات التي تمتلكها روسيا في سوريا ساعدت موسكو لتتحول الى مفصل القرارات والتطورات في سوريا وهذا كان بالضبط الهدف الاستراتيجي لكرملين التي اظهرت قدراتها كلاعب دولي كبير سيترك بصماته في حسابات الدول وفي ازمات المنطقة.
ان روسيا شعرت بالخسارة في ليبيا فلذلك لم تدخل اللعبة الغربية في سوريا ورسمت لعبة لنفسها وباشرت بها، ويضاف الى ذلك ان روسيا كانت تشعر ايضا بخطر وصول الجماعات المسلحة المتطرفة الى حدودها الجنوبية فلذلك اقدمت على فعل يفيد مصالحها لكنها اختارت العمل العسكري المحدود نظرا للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها.
لقد اصبحت سوريا الان مسرحا للمتغيرات ويمكن ان يشهد هذا البلد كل يوم حدوث امر جديد ولذلك ليس مستبعدا ان تتغير السياسات الروسية في سوريا خاصة اذا علمنا ان موسكو تمتلك الان قاعدتين عسكريتين في سوريا واحدة في طرطوس وأخرى في حميميم ما يفتح الطريق امام تدخل روسي اكبر في المستقبل.
ان المسؤولين الروس يؤكدون انهم يسحبون قواتهم من سوريا في ذروة الاقتدار وبالتوافق مع الحكومة المركزية في سوريا ليؤكدوا انهم لم يهزموا وان التكهنات الامريكية بأن روسيا ستغرق في المستنقع السوري كانت مغلوطة.
وسيبقى 1500 عسكري روسي في سوريا الى جانب عدد محدود من الدبابات وصواريخ مضادة للطائرات لكنها ليست قوات هجومية وان مهمتها هي صون الانجازات الروسية في سوريا او بعبارة اخرى حفظ موطئ قدم الروس في سوريا.
ان المسؤولين الروس كانوا قد اعلنوا عند بدء تدخلهم العسكري في سوريا بأن هذا التدخل لن يستمر سوى بضعة شهور وانه ليس تدخلا طويلا ومن جهة أخرى كانت روسيا تسعى الى اثبات انها لاعب مستقل في المجتمع الدولي وقد رسمت موسكو لنفسها صورة قوية في اذهان الشعوب والساسة في المنطقة وعند منافسيها، ان موسكو التي قلبت موازين القوى في سوريا لصالح النظام السوري اثبتت ان قواتها كانت اكثر فاعلية من القوات الامريكية في مواجهة داعش ولذلك يمكن القول ان روسيا دخلت لعبة تكتيكية في سوريا في سياق اهدافها الاستراتيجية الكبرى.