اشارت صحيفة «الأخبار» اللبنانية إلى أن كثيرًا من المصريين رأوا في اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية التي تم التوقيع عليها يوم امس ، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز خلال زيارة الاخير الى القاهرة ، بأنها «صكّ» تنازل عن الجزر الخاضعة للسيادة المصرية منذ عقود ، علماً بأن هذه الجزر (صنافير و تيران) تخضع لمصر منذ الخمسينيات وتمثل نقطة عبور وسيطرة استراتيجية .
و نقلت «الأخبار» عن مصادر مصریة وأخری سعودیة أن الاتفاقیة، التی تتصف بنودها بالغموض ولم تعلن تفاصیلها حتی الآن ، تتضمن تقسیم استکشافات الغاز والبترول فی البحر الأحمر، باستثناء المنطقة القریبة من حلایب وشلاتین، وذلک لتجنب إثارة أی اعتراضات سودانیة، فی ظل التأکید الرئاسی السودانی أن حلایب مدینة تابعة تحت ولایة السودان .
وأکدت الصحیفة أن لا معلومات نهائیة عن تفاصیل الاتفاق الذی جری التوصل إلیه بسریة فی خلال اجتماعات «مجلس التنسیق المصری ــ السعودی»، المنعقد علی مدار ستة أشهر ضمن تحرکات السعودیة للاستثمار ودعم الاقتصاد المصری بعد «توجیهات ملکیة بتخصیص 30 ملیار ریـال سعودی لمصر»، ما بین معونات اقتصادیة ومشاریع یجری تنفیذها، وبذلک یصل إجمالی ما قدمته الریاض منذ «30 یونیو» 2013 حتی الآن إلی نحو 14 ملیار دولار .
و رأت الصحیفة اللبنانیة أن هذه الاتفاقیة جاءت نتاج زیارات رئیس «هیئة المساحة السعودیة»، آخرها کان الشهر الماضی، واتُّفق فی خلالها علی تفاصیل الاتفاقیة التی وقعها إسماعیل، ولکنها لا تزال بانتظار موافقة البرلمان علیها وفقاً للدستور قبل أن یصدر رئیس الجمهوریة قراراً باعتبارها ساریة، وذلک وسط تأکیدات من مصادر مصریة ، تحدثت إلی «الأخبار»، تفید بأن الاتفاقیة «تشمل جزیرتی تیران و صنافیر الخاضعتین للسیادة المصریة منذ الخمسینیات» .
والزیارات التی لم تکشف تفاصیلها هی التی اتُّفق فی خلالها علی جمیع البنود ونصوص الاتفاقیة وسط توافق مصری ــ سعودی علی أن تُدرَج ضمن الاتفاقات الاستثماریة التی وقعت أیضاً، لتکون اتفاقیة الجزر الوحیدة التی لا یوجد نص مباشر علی أی أموال أو مخصصات للجانب المصری من نظیره السعودی بشأنها.
وتوضح «الأخبار» أنه فی المنطقة البحریة التی شملتها الاتفاقیة، کانت تیران وصنافیر تخضعان للسیادة المصریة بموجب اتفاقیة بین حکومتی البلدین جراء تنازع استمر مدة قصیرة قبل أن تنتهی إلی أن تکون إدارتها مصریة خالصة، کما أدرجت ضمن اتفاقیة «کامب دیفید» للتسویة بین مصر و«إسرائیل»، بعد انسحاب قوات الأخیرة من سیناء علی خلفیة هزیمتها فی حرب 1973.
والجزر المدرجة ضمن المنطقة «ج» من الأماکن الطبیعیة الأکثر إقبالاً للسیاح فی جنوب سیناء، حیث تُنظَّم رحلات بحریة بانتظام لها وتشهد حالة رواج کبیرة فی خلال ذروة الموسم السیاحی فی شرم الشیخ، لکن الأهمیة الاستراتیجیة لهذه الجزر تکمن فی أنها مدخل ومخرج لخلیج العقبة، ویمکن فی حال إغلاقها تعطیل الملاحة البحریة فی میناء «إیلات» ــ أم الرشراش «الإسرائیلی».
و بحسب الصحیفة یبدو أن الاتفاق سیقر فی أروقة البرلمان الموالی للحکومة ، برغم الانتقادات التی تواجه نظام السیسی منذ بدایة تسریب المعلومات عن الاتفاقیة . حتی إن رئیس مجلس إدارة «مؤسسة الأهرام» الحکومیة، أحمد النجار ، قال فی تصریح مقتضب یوم أمس، إن «هذه الجزر مصریة خالصة ودفع أبناء الجیش ثمنها من أرواحهم فی الحرب»، وذلک وسط مطالبات بإعلان تفاصیل الاتفاق للرأی العام، خاصة مع تمسک رئیس الحکومة بالحفاظ علی سریة الاتفاقیة حتی إرسالها إلی البرلمان .
و برغم ذلک ، تقول الصحیفة : لا یتوقع إمرار الاتفاقیة التی تطالب السعودیة بتوقیعها منذ 11 عاماً فی مجلس النواب بسهولة، ولکن الخطاب المرتقب لسلمان داخل البرلمان صباح غد الأحد، فی سابقة هی الأولی لملوک آل سعود، قد تغیر مجری الاعتراض. ومجلس النواب یؤید قرارات السیسی عادة، ولکن هذا لن یمنع أن تشهد أروقته انتقادات ومناقشات لاتفاقیة ترسیم الحدود، خاصة أنه برزت بعض مطالبات نیابیة من المعارضة لمناقشة مستفیضة حول الاتفاقیة التی یرون أنها أخطر اتفاقیة سیقرها السیسی منذ وصوله إلی السلطة. ویجب فی حال إقرارها من الرئیس بعد إجازة البرلمان نشرها فی الجریدة الرسمیة .
وترى الصحیفة أن الصمت الرسمی المصری علی ما تنشره وسائل الإعلام السعودیة حول الجزیرتین یؤکد أنهما فی طریقهما للخضوع للسیادة السعودیة، خاصة أن مثل هذه المعلومات التی تعتبر من معلومات الأمن القومی المصری یصدر من الفور بیانات بتکذیب ما هو غیر صحیح منها ببیانات رسمیة وتصریحات من المسؤولین المعنیین، وهو ما لم یحدث حتی الآن .
وکانت المطالبات السعودیة بضم الجزر قد انطلقت عام 2005 فی خلال حکم الرئیس الأسبق حسنی مبارک، لکن اللقاءات بین الجانبین استمرت لسنوات دون الوصول إلی نتیجة، ثم تجددت فی 2011 قبل أن تصل إلی محطتها النهائیة فی خلال الأسابیع الماضیة. وقالت مصادر مصریة لـ«الأخبار» إن هناک «مراجعات قانونیة علی أعلی مستوی تمت للاتفاقیة قبل توقیعها رسمیاً أمس».
و فی الیوم الثانی من زیارته لمصر و التی یرافقه فیها ولی ولی عهده محمد بن سلمان، أعلن ملک آل سعود ، الاتفاق علی تشیید جسر یربط بین البلدین، فی إطار سلسلة اتفاقیات إنمائیة واستثماریة للنظام السعودی فی مصر.
و اختتمت مراسم توقیع هذه الاتفاقیات بتقلید الرئیس السیسی، لسلمان بن عبد العزیز «قلادة النیل» ، التی تعتبر أرفع الأوسمة المصریة ، وذلک توثیقاً لعری الصداقة وتوکیداً لروابط الوداد ، بحسب ما أعلنت الرئاسة المصریة.
و یعتقد المراقبون والمتابعون لزیارة سلمان بن عبد العزیز للقاهرة أن الدعم المالی الذی تقدمه سلطات آل سعود لحلیفتها مصر، لن یشمل منحاً بعد الآن، بل سیأخذ بشکل متزاید صورة القروض التی توفر للنظام السعودی إیرادات تساعده علی مواجهة تدنی أسعار النفط .
ووقع الجانبان السعودی والمصری أمس عدة اتفاقیات شملت مشروع تشیید تجمعات سکنیة ضمن برنامج تنمیة شبه جزیرة سیناء، وآخر للتنمیة الزراعیة فی سیناء وأیضاً علی إنشاء جامعة باسم سلمان بن عبد العزیز فی مدینة الطور جنوب سیناء .
وذکرت تقاریر صحفیة أن نظام آل سعود سیمول مشروعات بقیمة 1.5 ملیار دولار فی سیناء، ما یُعدّ استثماراً نادراً حالیاً فی شبه الجزیرة التی یتعرض شمالها لهجمات دامیة ینفذها الفرع المصری لتنظیم «داعش».
کما اتفق البلدان علی إنشاء محطة کهرباء غرب القاهرة بقیمة 100 ملیون دولار وتطویر مستشفی «القصر العینی» بقیمة 120 ملیون دولار، وعلی ترسیم الحدود البحریة بینهما من دون إعلان مزید من التفاصیل حولها .