تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة
18 يونيو,2018
القرآن الكريم
829 زيارة
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة المائدة
55
ولما ذكر سبحانه أنه لا يجوز أن يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء بيّن ولي المؤمنين وإنّ اللازم أن يتّخذوا الله ورسوله ومن نصبه وليّاً، وقد أجمع المفسّرون بأنّ هذه الآية نزلت في علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد يُقال أنّ الأئمة الأحد عشر (عليهم السلام) ليسوا بمشمولين للآية، والآية حاصرة حيث قالت (إنما) والجواب من وجهين : الأول : إنّ الآية حصرت الأمر في وقت النزول وكانت ولايتهم (عليهم السلام) بعد ذلك، والثاني : وهو الأصح أنّ ولاية الأئمة من ولاية علي (عليه السلام) كما لو قال : والي بلدكم فلان، فإنّ من عيّنه الوالي للأمور كان إمتداداً لولاية فلان ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ )) إنّ له الولاية المطلقة والسلطنة الكاملة من جميع الجهات عليكم ((وَرَسُولُهُ )) محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) المتّصفون بكونهم ((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ))، أي الصدقة ((وَهُمْ رَاكِعُونَ)) وقد روت العامة والخاصة أنّ هذه الآية نزلت في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لما تصدّق بخاتمه وهو في الركوع، وفي بعض الأخبار أنه كان تصدّق قبل ذلك أيضاً في صلاة أخرى بحملة قيمتها ألف دينار أرسلها النجاشي إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأهداها إلى علي (عليه السلام) .
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة المائدة
56
ثم ذكر سبحانه أنّ في تولّي هؤلاء النجاح والغلبة فمن ظنّ أنّ في تولّي غيرهم النجاح فقد إشتبه ودلّ التاريخ أنه كلما إلتزم المسلمون بهؤلاء نجحوا وتقدّموا وكلما تولّوا غيرهم خسروا وتأخّروا ((وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ ))، أي يتّخذه سبحانه وليّاً يأتمر بأوامره وينتهي عن زواجره ((وَرَسُولَهُ)) يقتدي به في أعماله وأقواله ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) علي والأئمة (عليهم السلام) -حسب النزول- أو كل مؤمن حسب العموم في مقابل إتخاذ الكفار أولياء ((فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ )) جنده وجماعته ((هُمُ الْغَالِبُونَ)) على من سواهم من الأحزاب والجنود، وفي قطع قوله (فإنّ حزب الله) عن الجملة السابقة، إذ لم يقل فإنهم الغالبون، إفادة أنّ المتولّي يُعد من حزب الله وجماعته، فليس الأمر من ناحية العبد فقط، بل من ناحية الله أيضاً .
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة المائدة
57
قد نُهي المسلمون عن إتخاذ اليهود والنصارى أولياء، ثم الآن يأتي السياق لينهي عن إتخاذ أي كافر أو كتابي -ولو لم يكن يهودياً أو نصرانياً- وليّاً، وقد ورد في سبب النزول أنّ زيد بن التابوت وسويد بن الحرث قد أظهر الإسلام ثم كان رجال من المسلمين يوادّونها فنزلت هذه الآية، ولو كان الأمر كذلك، فالمراد بمن ذُكر في الآية أعم من المنافق ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ))، أي مسخرة وملعبة، وذلك بأن أظهروا الإسلام باللسان وأبطنوا الكفر بالجنان، أو المراد جعله سخرية ولعب يستهزؤون به ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي أنزل عليهم الكتاب ((مِن قَبْلِكُمْ )) وهم أهل الأديان السابقة على الإسلام ((وَ)) من ((الْكُفَّارَ )) المراد بهم الأعم من المنافقين -كما سبق- ولا يخفى أنّ الكفار أعم من أهل الكتاب لكن إذا ذُكروا في كلام كان المراد بالكفار غيرهم ((أَوْلِيَاء )) تقولونهم كاتخاذ المؤمنين لله ورسوله أولياء ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) فلا تخالفوه ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) به وبما أمر به .
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة المائدة
58
((وَإِذَا نَادَيْتُمْ )) أيها المؤمنون ((إِلَى الصَّلاَةِ ))، أي دعوتم إليها ((اتَّخَذُوهَا ))، أي إتّخذوا الصلاة ((هُزُوًا وَلَعِبًا )) مهزلة وملعبة فيتضاحكون ويتغامزون منها -كما هي عادة منافقي اليوم أيضاً- ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ))، أي ذلك الإستهزاء بالصلاة بسبب أنّ الكفار ((قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ)) منافع الصلاة وأنها موجبة للنجاة من النار .
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة المائدة
59
وجاء قوم من اليهود يسألون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمن يؤمن به من الرسل فقال : “أؤمن بالله وما أُنزل إلى غبراهيم وإسماعيل وإسحاق -إلى أن ذَكَرَ- عيسى (عليه السلام)” فلما سمعوا ذلم منه جحدوا نبوّته وقالوا : ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم، فنزلت ((قُلْ )) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأهل الكتاب ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا ))، أي تسخطون علينا ((إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ )) إيماناً لا يشوبه كفر – كإيمانكم- ((وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا )) يعني القرآن الحكيم ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ )) على جميع الأنبياء ((وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ)) فإنّ فسقكم، أي خروجكم عن دين الله هو الذي سبّب النقمة علينا، وهذا كقولهم : هل تنقم منّي إلا أنّي عفيف وأنك فاجر، أو إلا أني كريم وأنت بخيل، فهو من باب الإزدواج يُحسن في الكلام لتعميم المقابلة فهو عطف على قوله (أن آمنّا) .
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة المائدة
60
((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء المستهزئين ((هَلْ أُنَبِّئُكُم ))، أي أُخبركم ((بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ ))، أي إن كان إيماننا شراً عندكم فأنا أخبركم بشَرٍّ من ذلك ((مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ ))، أي جزاءاً من عنده سبحانه، وسمّي (مثوبة) إستهزاءاً منهم، وإنما سمّي ما عند المؤمنين شراً -وإن لم يكن ما للمؤمنين إلا الخير- للمقابلة في الكلام ((مَن لَّعَنَهُ اللّهُ ))، أي طرده عن رحمته، فلعنة الله لكم من شر إيماننا نحن ((وَغَضِبَ عَلَيْهِ )) بسبب عصيانه وتمرده عن الحق ((وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ)) جمع قرد، كما قال سبحانه (قُلنا لهم كونوا قِرَدةً خاسئين) ((وَالْخَنَازِيرَ )) بأن مسخهم على صور هذين الحيوانين النجسين ((وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )) عطف على قوله (لعنة الله) والطاغوت هو العِجل الذي عبدوه ((أُوْلَئِكَ )) اليهود الذين هذه صفاتهم ((شَرٌّ مَّكَاناً ))، أي إنّ مكانهم في سَقَر الذي هو شرٌّ من مكان المؤمنين الذين نقموا منهم، وقد ذكرنا أنّ من قبيل هذا الكلام من باب المشاكلة اللفظية، وإلا فليس في مكان المؤمنين شراً ((وَأَضَلُّ ))، أي أكثر ضلالاً ((عَن سَوَاء السَّبِيلِ))، أي وسط الطريق .
2018-06-18