ثلاثة أيام كانت كفيلة بتقديم الضمانات للوفد الوطني اليمني من قبل الأمم المتحددة، بغية العودة عن قراره بمقاطعة مفاوضات الكويت، ليشد الرحال نحو مسقط ومن ثمّ الكويت، ويعقد أمس الجمعة أولى الجلسات مع وفد الرياض، وفد الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، تحت إشراف المبعوث الأممي إلى اليمن “إسماعيل ولد الشيخ أحمد”.
الضمانات الأممية عبر وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الأحمد الصباح وغيره، كانت سبباً رئيسياً في الحضور إلى المفاوضات من قبل وفد أنصار الله وحلفائه، بغية ألاّ تتكرّر سيناريوهات مفاوضات جنيف وبييل في سويسرا حيث إنعقدت هذه المحادثات على وقع إستمرار طيران العدوان السعودي في إستهداف المدنيين. لذلك، حاول الوفد اليمني من خلال هذه الخطوة الضغط على الأمم المتحدة لمنع السعودية من خرق الهدنة التي يبدو أنها لم تبدأ بعد، بإعتبار أن الرياض لازالت تقصف المحافظات اليمنية مخلّفةً المزيد من الشهداء والجرحى كان آخرهم 4 مدنيين بينهم طفل في مديرية الزاهر في محافظة البيضاء، ما يعد خرقاً واضحاً لوقف إطلاق النار، وذريعة كافية لترك المفاوضات. ولد الشيخ أوضح اليوم هذه الحقيقة من خلال إعترافه بأن وقف إطلاق النار احترم بنسبة -70 80% في عموم اليمن، فأين الـ30 % الباقية؟
نتائج الخطوة اليمنية في تأخير المفاوضات لعدّة أيام، ألقت بظلالها على المشهد العام سواءً قبل بدء المفاوضات أو بعدها، فقد نجح الوفد الوطني اليمني في كسر الحرب الإعلامية التي شنّها إعلام الرياض قبيل إنطلاق المفاوضات حيث روّجت وسائل الإعلام السعودية لأكاذيب تتعلق بإستماتة أنصار الله للذهاب إلى طاولة المفاوضات بسبب فشله الميداني، فضلاً عن إنتزاع الحق بنسف المفاوضات في حال إستمرت الطائرات السعودية بخرق الهدنة في اليمن.
بعيداً عن جدول الأعمال الذي كان حجر عثرة أمام المفاوضات اليمنية، إثر سعى المبعوث الأممي، الذي نال نصيباً من اللوم والإنتقاد من قبل الوفد الوطني اليمني بسبب تهربه من تنفيذ بند وقف إطلاق النار وتبني أكاذيب الطرف الآخر ومزاعمه، لفرض جدول أعمال المفاوضات، خلافاً لما اتفق عليه مع صنعاء، تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: رغم أن مستقبل اليمن السياسي سيرسم على طاولة الكويت، إلا أن “خارطة الطريق” لا يمكن رسمها بعيداً عن المشهد الميداني الذي رسّخ كياناً مستقلاً للشعب اليمني. إن الإنتصارات الميدانية التي جاءت نتيجة للمقاومة الشعبية تحتّم على الرياض نسيان الحقبة السابقة في التعاطي مع بلد كانت تعتبره بمثابة حديقة خلفيّة، وما الصعوبات الحالية إلا مخاض ولادة اليمن الحر والمستقل و ما المفاوضات إلا انعكاساً لقوة الميدان والخريطة العسكرية والسياسية على الأرض.
ثانياً: رغم كثرة النقاط الخلافية على قائمة جدول الأعمال بدءاً من الرئيس وليس إنتهاءً بالسلاح، إلا أنه من أبرز النقاط التي قد تنسف المفاوضات تحميل السعودية مسؤولية العدوان على اليمن. إن أي إشارة لذلك تفتح باب المسائلة المادية والمعنوية على الطرف السعودي الذي سيضطر لدفع الخسائر التي كبّدها للشعب اليمني، وبالتالي تكرار تجربة صدّام حسين مع الكويت على طاولة كويتية. السعودية ستحاول الإلتفاف على أي بند يتضمن إشارة للتعويضات عبر إغراق وفدها “اليمني” المفاوض بالبترودولار، خشية الإنزلاق في مستنقع إقتصادي يجني منه الشعب اليمني أكثر من 100 مليار دولار.
ثالثاً: لن تنجح البروبغندا الإعلامية السعودية في طمس إخفاقات أكثر من سنة وشهرين للتحالف، وحجبها عن طاولة المفاوضات، كذلك لن تنجح هذه المرّة في الإستفادة من الهدنة لتحسين شروطها الميدانية، سواءً بسبب لجنة التواصل والتنسيق العسكرية اليمنية، وخبراء الأمم المتحدة العسكريين الذين يسعون لإطلاع الوفود على أعمالها وما توصلت إليه، والصعوبات التي تواجهها، بما يعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، أو وبسبب طلب “وفد صنعاء” من الجيش و”اللجان الشعبية” البقاء على جاهزية وإبقاء اليد على الزناد عند أي خرق من الطرف المقابل لوقف إطلاق النار.
رابعاً: لا شك في أن المفاوضات ستسلك مساراً شديد التعقيد، حيث من المتوقّع، وفق مصادر مطّلعة على ما يجري في قصر بيان الأميري بالكويت، أن تستهلك المزيد من الوقت، على شالكة مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي أفضی بعد مسار طويل لإتفاق السلم والشراكة بين جميع مكونات المجتمع اليمني. من المتوقّع، أن يعلو صوت السياسية على صوت الميدان رغم ترافقه بين الفينة والآخرى مع أصوات الغارات السعودية في إطار سياسة إثبات النفس، لتعود أصوات المفاوضات لتعلو فوق أصوات الجميع وتمتد لفترة طويلة تترافق مع إجراءات تلميعية لصورة السعودية الدموية في اليمن، بغية التغطية على الفشل العسكري والخروج من “عنق الزجاجة” بما يحفظ ماء وجه دُعاة الحزم.
أثبت العقل اليمني فطنته السياسية، كما الميدانية، من خلال الذهاب إلى مفاوضات الكويت لرسم مسقبل اليمن، على العكس مما أرادته الرياض في عملية “عاصفة الحزم” عبر إقصاءه من المشهد السياسي. الوفد الوطني اليمني يسعى لوقف العداون، وكذلك السعودية تبحث عن مخرج للنزول عن مئذنة اليمن، فهل يجد كل طرف في مفاوضات الكويت ضالّته؟