وافق مجلس الوزراء السعودي خلال جلسته، أمس الاثنين، على خطة “رؤية السعودية 2030” المقدّمة من قبل ولي ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” والتي تتضمّن خارطة لأهداف السعودیة في التنمية والاقتصاد لـ 15 سنة مقبلة.
الأمير الشاب فصّل رؤية 2030 في الحوار الذي اجرته معه قناة “العربية”، وهو الأول من نوعه للأمير بن سلمان، والذي تضمّن رؤيته المسقبلية للبلاد في قضايا إستراتيجية سواءً لناحية تحرير الاقتصاد من الاعتماد على النفط بحلول العام 2020، وإنشاء صندوق سيادي بقيمة 2 ترليون دولار، أو بيع “أقل” من 5 بالمئة من اسهم شركة “ارامكو” النفطية الأكبر في العالم عبر طرحها للاكتتاب العام، وإنشاء مصانع عسكرية محليّة، أو لناحية رفع عدد المعتمرين والحجّاج من 8 مليون معتمر حاليا، إلى 15 مليون في العام 2020 و 30 مليوناً بحلول العام 2030، وفتح باب السياحة امام جميع دول العالم ” بما يتوافق مع قيمنا ومعتقداتنا”، وفق الأمير بن سلمان.
نجح بن سلمان من خلال العناوين البرّاقة التي طرحها في الرؤية الأکثر جرأة وشمولاً في تاريخ السعودیة بكسب تأييد واسع في الشارع السعودي، لاسيّما من خلال تطرّقه للفساد والبطالة والإسكان، وبالتالي وضع يده على جرح المجتمع السعودي عبر صراحة وشفافية حول الكثير من التفاصيل، فيما يخص وزارة الدفاع وميزانيتها الضخمة، والمياه ورفع تسعيرتها وغيرها.
ولكن، رغم أن رؤية بن سلمان مشجّعة على شاشة العربية، كحاله في مقابلته الأولى، إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه قدرة الرياض على تطبيقها عملياً، فهل ستكون الرؤية الإقتصادية مشابهة للرؤية العسكرية؟ بن سلمان حاول إظهار نصف الكوب الممتلئ متجاهلاً النصف الفارغ سواءً فيما يتعلّق بالقضاء، وفساد أبناء العائلة الحاكمة، ومتجاهلاً أيضاً أي ردّة فعل من الجناح الوهابي خاصّة أن رؤيته وجد فيها البعض تعدّ للخطوط الحمراء الوهابية، وتجاوباً مع الطلب الأمريكي الذي يدعو لرفع قبضة الفكر الديني الوهابي عن المنظومة التعليمية والمناهج التربوية التي وعد بتطويرها بن سلمان، وكذلك دور المرأة السعودية التي تعدّ ” عنصراً مهماً من عناصر قوتنا.. سنستمر في تنمية مواهبها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام بتنمية مجتمعنا واقتصادنا”.
تطرّق سلمان لجراح الخارج فيما يخص المناهج التعليمية ودور المرأة، وجد فيه البعض خطوة عملية على طريق إثبات حسن نواياه تجاه الغرب، رغم عدم دراسته في الخارج، خاصّة أن التقارير الأمريكية تتحدّث عنه بلغة “العربي البدوي ذو الحذاء المفتوح”، بخلاف ولي العهد الامير محمد بن نايف المدعوم أمريكياً، فهل سترفعه هذه الخطوات درجةً في سلّم العرش؟
ما يؤكد هذه الرؤية تهافت الداخل والخارج على المباركة للحاكم الفعلي في السعودية برؤيته الجديدة بدءاً من الوزراء مروراً بالأمراء وصولاً إلى الملوك العرب، سواءً الملك “عبدالله الثاني” الذي قال في تغريده على توتير: “وجدت في مقابلة الأمير “محمد بن سلمان” رؤية مستنيرة وشجاعة سيكون لها أكبر الأثر في تطوير وتنمية السعودية الشقيقة”، أو ملك المغرب الذي إتصل بالأمير سلمان لتهنئته بموافقة مجلس الوزراء على “رؤية المملكة العربية السعودية 2030″، فهل الملوك تهنّئ الملك الجديد؟ وهذا إن دلّ على شئ فإنما يدل على غياب أو تغييب الأمير “محمد بن نايف” عن الخارطة، حيث بانت ملامح التعب عليه في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، والصورة التذكارية التي جمعته مع الملك وخلفه الامير بن سلمان المتبسّم.
الأمير بن سلمان رفع السقف عالياً في خطّته الإقتصادية، سواءً في الإكتتاب العام لشركة أرامكو الذي يتضمّن أكثر من 2 تريليون دولار أميركي، بإعتبار أن “طرح واحد في المئة فقط من أرامكو سيكون أكبر اكتتاب في تاريخ الكرة الأرضية”، وفق بن سلمان، أو الصندوق السيادي الذي سيسيطر على ما نسبتة عشرة في المئة من القدرة الاستثمارية في الكرة الارضية، ما يعيد إلى الأذهان الأهداف التي طرحها في عاصفة الحزم، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها بعد أكثر من سنة وشهرين الحرب في اليمن، أو حتى في مؤتمره الصحفي الشهير حول التحالف الإسلامي العسكري الذي إدعى أنه يضم 34 دولة إسلامية، إلا أنه إتضح لاحقاً أن العديد من الدول لا علم لها بتحالف بن سلمان العسكري، أو علمت به من خلال الشاشات الإعلامية، وفي مقدّمتها الدول الإسلامية الكبرى كباكستان المندهشة وأندونيسيا المعترضة، في حين إكتفى البعض الأخر بالإنسحاب عسكريا ملتزمين بترديد شعارات شفهية حول “ضرورة مناهضة الأرهاب”، كما حصل مع تركيا وماليزيا، فهل ستتكرّر تجربة “عاصفة الحزم” و “التحالف الإسلامي العسكري” مع رؤية “2030”؟ هل “روح الشباب” التي يتمتّع بها بن سلمان تقف خلف هذه الخطوة التي وجد فيها البعض قليلاً من الواقعية وكثيراً من الخيال؟
رغم الشفافية التي أظهرها بن سلمان في ملف غلاء المياه وغيرها، إلا أن الأرقام التي نقلها تكشف في ظاهرها طموحات شبابية لا تستند إلى واقع إقتصادي، وتطرح الكثير من التساؤلات حول إعلان بن سلمان، قبل أيام، أن السعودیة كانت مقبلة على الإفلاس في العام 2017، فهل حاول بن سلمان رفع مستوى التحديات لإثبات نظريته الإقتصادية، ام أن الأرقام التي صرّح بها للإعلامي “تركي الدخيل” كانت غير واقعية، أو مبالغ بها على الأقل؟ لماذا لم يتطرّق ولي ولي العهد ( وربّما ولي العهد قريبا) وتآكل الإحتياط النقدي وسياسة التقشّف، مكتفياً بنصف الكوب الممتلئ كـ”أرامكو” التي تساءل البعض من خبراء الإقتصاد في الداخل السعودي عن جدوى خصخصتها، ماذا لو تكرّرت الازمة الإقتصادية التي حصلت بين العامين 2007 و2009؟
تبقى هذه الرؤية حالياً، حبراً على ورق، ريثما يذوب ثلج التضخيم الإعلامي من قبل الشركة السعودية للابحاث والتسويق التي تضم “قناة العربية” ويملك الامير “بن سلمان” معظم اسهمها، ويظهر مرج والواقعية الإقتصادية التي وجد العديد من الخبراء الأمير “محمد بن سلمان”، رغم ثقته، بعيداً عنها. الرؤية بحاجة إلى تقييم أكبر من خبراء الإقتصاد السعودي والعربي والعالمي، فهل سيثبت بن سلمان نفسه إقتصادياً بعدما فشل عسكريا؟ هل تطيح الرؤية الإقتصادية بالأمير بن نايف، كما أطاحت الرؤية العسكرية (عاصفة الحزم) بسلفه مقرن؟ أسئلة ترتسم خطوط إجاباتها العريضة في المستقبل القريب.