بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد و آل محمد مسجد جمكران روضة وارفةُ على مسافة 5 كلم الى الجنوب الشرقي من مدينة قم المقدسة ، و على يمين الطريق بينها و بين مدينة كاشان ، و بالقرب منه جبلُ معروف فيه مقام للعبد الصالح الخضر ، و قد بُني هذا المسجد بأمر خاصّ من الأمام المهدي المنتظر في تفصيل يأتي ذكره ، و قد أمر الامام الناس بعدم التواني عن زيارة هذا الموضوع الشريف ، و في تعزيزه و توقيره و الرغبة إليه .أول من تعرض لذكر قصّة بناء مسجد جمكران هو شيخ الطّائفة أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه المشهور بالشيخ الصدوق (ت :381 هجرية ) في كتابه ” مؤنس الحزين في معرفة الحقّ و اليقين ” .
و بما أن المسجد تأسس في زمن الشيخ الصدوق و لكونه رحمه الله ساكنا حينذاك في مدينة قم ، فإنّه ينقل جميع التفاصيل بلا واسطة عن الشيخ حسن بن مثلة الجمكراني ، و السيد أبي الحسن الرضا و عن شهود العيان الأخرين .
كما ان الشيخ حسن بن محمد القمي ، و هو من معاصري الشيخ الصدوق ، قد أورد هذه الواقعة نقلا عن ( مؤنس الحزين ) الّذي اندثر و فُقد في فترة لاحقة ، شأنه شأن عشرات المؤلّفات القيّمة التي فُقدت لشيخنا الصدوق رضوان الله تعالى عليه .في سنة 865 هجريّة نقل حسنُ بن علي بن عبد الملك القمي كتاب ( تاريخ قم ) من العربية الى الفارسية ، كما نصّ على ذلك الطهراني في الذريعة ( ج3 ، ص: 276 ) ، و قد روى العلامة المجلسي (ت:1110 هـ ) في الجزء السابع و الخمسين من البحار الاخبار المتعلقة بمدينة قم عن هذه الترجمة الفارسيّة لـ ( تاريخ قم ) ، و هو يقول في الفصل الثاني من الجزء الاول من البحار ” و ( تاريخ بلدة قم ) كتابٌ معتبر ، و لكن لم يتيسّر لنا أصلُ الكتاب ، و إنّما وصل إلينا ترجمتُه “.لكن السيد أمير محمد شرف المتوفى سنة 1145 – تلميذ العلامة المجلسي و صاحب كتاب ( فضائل السادات ) – شاهد المتن العربي لكتاب ( تاريخ قم ) و نقل عنه ، كما في (جنّة المأوى ) للمحدّث النوري ، و ممن شاهد المتن أيضا محمد علي الكرمانشاهي (ت:1216 هـ ) و هو ابن الوحيد البهبهاني ، حيث ذكر في حاشيته على كتاب نقد الرجال للتفريشي ترجمة للشيخ حسن بن مثلة ، و مختصراً لقصّة تأسيس مسجد جمكران .
إلى ذلك ، أورد المحدّث النوري (ت:1320 هـ ) قصّة تأسيس مسجد جمكران – نقلا عن الترجمة الفارسيّة لكتاب تاريخ قم – في أثاره التالية : ( مستدرك الوسائل ، النجم الثاقب ، كلمة طيبة ، و جنّة المأوى ) .
كذلك وردت قصّة تأسيس المسجد في ( إلزام الناصب ) للشيخ علي اليزدي الحائري (ت:1333 هـ ) ، و في أنوار المُشعشعين للشيخ محمد علي الكجوري القمي (ت:1335 هـ ) .
يا عِزّةَ الإسلامَ نصرُ الله يا أنتَ الأمل ..
يا ابنَ الحسينِ و أحمدٍ .. هيهاتَ قلتَ و لم تزل ..و أمّا قصة بناء مسجد جمكران ، فقد أوردها المحدّث النوري في ” جنة المأوى ” المطبوع ضمن البحار ، صنّفه لذكر قصص من تشرّف بلقاء الامام المهدي صلوات الله عليه في زمن الغيبة الكبرى ، قال رضوان الله عليه :” الحكاية الثامنة في تاريخ قم .. ما لفظه بالعربية .. سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الامام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال : كنتُ ليلة الثلثاء نائما في بيتي ، فلمّا مضى نصفٌ من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني ، و قالوا : قُم و أجب الامام المهدي صاحب الزمان فإنه يدعوك .قال : فقمت و تعبّأت و تهيّأت .. فلما جئت الباب ، رأيت قوماً من الاكابر ، فسلّمت عليهم ، فردّوا و رحّبوا بي و ذهبوا بي الى موضع المسجد الأن ، فلمّا أمعنت النّظر رأيت أريكة فُرشت عليها فراش حِسان ، و عليها وسائد حِسان ، و رأيت فتى في زيّ ابن ثلاثين متكئاً عليها ، و بين يديه شيخ ، و بيده كتابٌ يقرأه عليه و حوله أكثر من ستين رجلاً يُصلون في تلك البقعة ، و على بعضهم ثيابٌ بيض و على بعضهم ثيابٌ خُضر .و كان ذلك الشيخ هو الخضر ، فأجلسني ذلك الشيخ ، و دعاني الامام باسمي و قال : اذهب الى حسن بن مسلم ، و قل له : إنّك تعمر هذه الأرض منذ سنين ، و العام أيضا أنت على حالك من الزّراعة و العمارة ! و لا رخصة لك في العَود اليها ، و عليك ردُ ما انتفعت به من غلّات الارض ليُبنى فيها مسجد ، و قل لحسن بن مسلم أن هذه أرضٌ شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي و شرّفها و أنت قد أضفتها الى أرضك و قد جزاك الله بموت وَلدين لك شابّين فلم تنتبه من غفلتك ، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر .
قال الحسن بن مثلة : قلت يا سيدي ، لا بُد لي في ذلك من علامة ، فإنّ القوم لا يقبلون ما لا علامة و لا حجّة عليه ، و لا يصدّقون قولي ، قال : إنّا سنعلّم هناك ، فاذهب و بلّغ رسالتنا ، و اذهب الى السّيد أبي الحسن و قُل له يجيء و يحضُره و يطالبُه بما أخذ منافع تلك السنين ، و يُعطيه النّاس حتى يبنوا المسجد ، و يُتمّ ما نقص منه من غلّة رهق مُلكنا بناحية أردهال ( منطقة بين مدينتي قم و كاشان ) و يتمّ المسجد ، و قد وقفنا نصف رهقِ على هذا المسجد ، ليجلب غلّته كلّ عام ، و يصرف في عمارته .
قال الحسن بن مثلة : فعدتُ حتى وصلت إلى داري ، و لم أزل الليل متفكرا حتى أسفر الصبح فأدّيت الفريضة و جئتُ الى علي بن المنذر فقصصت عليه الحال ، فجاء معي حتّى بلغتُ المكان الّذي ذهبوا بي إليه البارحة ، فقال : و الله إنّ العلامة التي قال لي الامام واحدٌ منها ان هذه السلاسل و الاوتاد ههنا .
فذهبنا الى السيّد الشريف أبي الحسن الرضا ، فلمّا وصلنا الى باب داره رأينا خدّامه و غلمانه يقولون إنّ السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر ، و انت من جمكران ؟ قلت : نعم .
فدخلت عليه السّاعة و سلمت عليه و خضعت فأحسن في الجواب و أكرمني و مكّن في في مجلسه ، و سبقني قبل أن أحدثه و قال : يا حسن بن مثلة إني كنتُ نائما فرأيت شخصا يقول لي : إن رجلا من جمكران يُقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدو ، و لتصدّقنّ ما يقول ، و اعتمد على قوله فأن قوله قولنا فلا تردنّ عليه قوله ، فانتبهت من رقدتي ، و كنت انتظرك الآن .
فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً ، فأمر الخيول لتُسرج .. و جاء السيد أبي الحسن الرضا رضي الله عنه الى ذلك الموضع ، و أحضروا الحسن بن مسلم ، و استردّوا منه الغلّات و جاؤوا بغلّات رهق ، و سقفوا المسجد بالجذوع ، و ذهب السيد أبو الحسن الرضا عنه بالسّلاسل و الاوتاد فأودعها في بيته ، فكان يأتيه المرضى و الأعلّاء و يمسُّون أبدانهم بالسلاسل ، فيشفيهم الله تعالى عاجلا و يصحّون .
أعمال مسجد جمكران :أهم اعمال مسجد جمكران الخاصّة به ، هو ما رواه الحسن بن مثلة عن صاحب الامر صلوات الله عليه في الحكاية المتقدمة ، فقد ورد فيها ( اقتطعناه من موضعها للتبويب ) نقلا عن الامام :” و قُل للناس : ليرغبوا الى هذا الموضع و يعزّروه ( التعزير بمعنى التوقير ) و يُصلوا هنا أربع ركعات للتحيّة ، في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة و سورة الإخلاص سبع مرات ، و يُسبّح في الركوع و السجود سبع مرات ، و ركعتان للامام صاحب الزمّان هكذا :يقرأ الفاتحة فإذا وصل الى ” إيّاك نعبد و إيّاك نستعين ” كرره مائة مرة ، ثم يقرأها الى آخرها ، و هكذا يصنع في الركعة الثانية ، و يسبّح في الركوع و السجود سبع مرّات ، فإذا اتم الصلاة ، يُهلل و يُسبّح تسبيح فاطمة الزّهراء عليها السلام ، فإذا فرغ من التسبيح يسجد و يصلي على النبي و أله مائة مرة ، ثم قال ما هذه حكاية لفظه ” فمن صلّاها فكأنما صلّى في البيت العتيق ” .
أقوال العلماء في ابن مُثلة و في المَسجدامتدح علماء الشيعة الأجلّاء مسجد جمكران و وصفوا الشيخ الجمكراني حسن بن مثلة بأجمل الاوصاف ، و أثنوا عليه ثناءا عطرا .
* فقد وصفه الشيخ الصدوق في كتابه مؤنس الحزين بالشيخ العفيف الصالح ، و مدح مسجد جمكران و أمر الناس أن يصلوا فيه صلاة صاحب العصر عليه السلام ، ثم نقل عن الامام المنتظر عليه السلام قوله ” من صلّاها فكأنّما صلى ( صلاها ) في البيت العتيق ” .
* و يُنقل عن آية الله الشيخ مرتضى الحائري أنه ذكر في كتاب له أن مسجد جمكران من جملة الآيات الباهرة و ذلك لعدة أمور ، منها أن قصّته وقعت حال اليقظة ، و أنّها منقولة في كتاب من الكتب المعتبرة – هو كتاب تاريخ قم – عن الشيخ الصدوق رضوان الله عليه ، و أن القصة تشتمل على وقائع لا تنحصر في شخص واحد .
* و يقول آية الله السيّد محمد تقي الموسوي الأصفهاني (ت:1348 هـ ) في كتابه القيّم ” مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السلام ” : ” .. و تعظيمُ مواقفه و مشاهده ، كمسجد السهلة و المسجد الاعظم بالكوفة و السرداب المبارك بسامرّاء و مسجد جمكران و غيرها من المواضع التي رآه فيها بعض الصالحين أو ورد في الروايات وقوفه فيها كالمسجد الحرام .. “.
* و كان سماحة آية الله السيّد محمد تقي الخوانساري (ت:1372 هـ ) يتوجه الى هذا المسجد مشيا على الاقدام برفقة آية الله الشيخ محمد علي الآراكي ( ت:1415 هـ )
* و قال آية الله السيد البروجردي (ت:1380 هـ ) ” لو تمكنت لصليت الفرائض في مسجد جمكران يوميّا ” .
* و يرى آية الله السيد المرعشي النجفي أن مسجد جمكران من الأماكن التي تُعد مهبطا للبركات الالهية و انه يأتي بعد مسجد السهلة .
* و قد سُئل آية الله السيد الكلبيكاني رحمه الله عن رأيه في الروايات الواردة في شأن مسجد جمكران ، فقال: ” لا بأس بالاعتماد على هذه الروايات و الله العالم ” .
* أما الامام الخميني فكان يُولي المسجد اهتماما خاصا ، حيث شوهد أكثر من مرة يحضر لأداء الفريضة في أيام اقامته في مدينة قم بُعيد انتصار الثورة و قُبيل اقامته في طهران .
* كذلك يحظى مسجد جمكران ، بعناية خاصة من قبل ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي حفظه الله ، و الشواهد على ذلك كثيرة منها أبياتٌ بالفارسية نظمها في الامام صاحب الزمان و في مسجد جمكران .