لم يضع رئيس جماعة علماء العراق الشيخ خالد الملا، بالأمس في صلاة الجمعة الموحدة، يده على جرح العراقيين فحسب، بل على كل جرح كل عربي ومسلم بات يعيش اليوم بين مطرقة الإرهاب وسندان التكفير.
في جامع الخضيري في الكرادة ببغداد، كان كلام الشيخ الملا “فصل الخطاب” حيث اتهم، في صلاة الجمعة التي جاءت تأكيداً على وحدة العراقيين في مواجهة الارهاب، تنظيم داعش وحزب البعث المنحل بقتل الشعب العراقي داعياً المرجعيات الكبرى الإسلامية والمسيحية إلى إنشاء غرفة عمليات ضد التطرف.
أصاب الشيخ كبد الحقيقة في دعوته لإنشاء غرفة عمليات ضد التطرف، حيث لا تقل أهمية عن غرفة العمليات الميدانية، بإعتبار أن الزخم الديني المتطرف الذي يعيشه بعض الحاقدين والمضلّلين، على حدّ سواء، يعد السبب في تفجير أنفسهم بالمدنيين من النساء والأطفال.
إن طفرة التفجيرات التي وصلت إلى ذروتها في الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك تفرض على علماء الأمة، السنة والشيعة على حدّ سواء، مراجعة شاملة للوضع التكفيري خاصّة أن هناك حديث عن وجود 7000 انتحاري. البعض وجد في هذا الرقم مبالغة من قبل التنظيم الإرهابي لامتصاص الضربات التي يتلقّاها في سوريا والعراق، إلا أن هذا لا يعني أبداً عدم إنخفاض قيمة الإرهابيين في سوق النخاسة التكفيري بسبب كثرتهم، الأمر الذي دفع ببعض المتابعين لتدشين هاشتاق “فجّر نفسك ولو بنفسك” تعليقاً على تفجير 4 إنتحاريين أنفسهم في لبنان دون وقوع إصابات.
رغم أن إعادة الهيكلة الأمنية في العراق سبيلاً لوضع حد أمام الجماعات الإرهابية، داعش والبعث، إلا أن تكرار هذه الحوادث في سوريا والعراق ولبنان والسعودية وبنغلادش تميط اللثام عن مستوى التحديات التي تعترض أمن وسلامة الشعوب الإسلامية، الأمر الذي يؤكد ضرورإنتقال دعوى الشيخ الملا من القول إلى العلن، وملاقاته في منتصف الطريق من قبل العلماء الذي دعاهم، والذين لم يدعيهم.
إن دعوة الشيخ الملا تعيد إلى الأذهان المؤتمر الدولي الذي عقد في مدينة قم المقدسة في 28 ینایر / کانون الثاني الماضي، بإشراف المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، تحت عنوان “خطر التيارات التكفيرية في عالم اليوم، ومسؤولية علماء العالم الاسلامي”، وكثير من الدعوات المماثلة التي صدرت عن شخصيّات سبّاقة في مواجهة الإرهاب كالمرجع العراقي سماحة السيد علي السيستاني، وقائد الثورة في إيران سماحة السيد علي الخامنئي، والأمين العام لحزب الله اللبناني سماحة السيد حسن نصر الله، إضافة إلى قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
المرحلة المقبلة تتطلب مؤازرةً من الجميع، بدءاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مروراً بالعراق ولبنان وسوريا، وصولاً إلى الأزهر الذي لم يستنكر “تفحم أكثر من ثلاثمائة مواطن عراقي في الكرادة بينما استنكر تفجير المدينة المنورة”، وفق ما أوضح الشيخ الملا.
إن عدم إستنكار الأزهر الشريف لحادثة الكرادة، وإخلاء الساحة الإعلامية أمام مشايخ الفتنة في مقدّمتهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي شرعن العمليات الإنتحارية، يعد عاملاً إضافياً لإستهداف المسجد النبوي في المدينة المنورّة، ومقام السيد محمد ابن الامام علي الهادي (ع) في قضاء بلد في محافظة صلاح الدين، ومقدّسات دينية أخرى في مختلف الأقطار الإسلامية.
بات الجميع يدرك اليوم، بعد عامين على ظهور تنظيم داعش الإرهابي، أن المعركة لا تمت بصلة إلى الدين والطائفية، فضحايا المسلمين أكثر من المسيحيين والإيزيديين، وشهداء السنّة أكثر من الشيعة، وبالتالي لا بد من العمل كجبهة واحدة تنزل أشدّ العقوبات بكل من يدعم داعش، سينيّاً كان أم شيعياً، لأن هذه الجماعات لم تلتزم باي قانون و اطار اخلاقي وانساني ولا ترحم الصغير والكبير.
إن التكاتف الديني، إضافةً إلى التكاتف الميداني، وإعتبار المواجهة الإعلامية والدينية جزءاً لا يقل أهمية عن المواجهة الميدانية، يرسم مشهداً إقليمياً مشابها لما حصل في الفلوجة عندما وقفت القوات المشتركة من الجيش والحشد والعشائر، وبالتالي لسنا بحاجة إلى أي مؤازرة أمريكية أو أممية، بل نستطيع أن ننقل للعالم الصورة الحقيقة للإسلام، فالتكفيريين قد وجهوا ضربة كبيرة لسمعة الاسلام والمسلمين خلال السنوات الأخيرة.
تتلخص دعوة الشيخ خالد الملا الملحّة في تشكيل غرفة عمليات بغداد جديدة، ومركز تنسيق معلومات بين العلماء، يضم كل من ايران والعراق وسوريا وحزب الله ومصر والسعودية، لأن نيران التكفير ستأكل اصحابها ان لم يتحركوا لإطفائها قبل فوات الاوان. إنها دعوة الشيخ الملا تهدف لتوحّد علماء المسلمين وتجفيف منابع التكفير واجتثاث فكره، أو بعبارة أخرى تشكيل “حشد شعبي” جديد بطابع علمائي.