هو الشيخ عبد الحسين الأميني ابن أحمد، المعروف بـ “صاحب الغدير”. ولد سنة 1320هـ في تبريز، وبدأ دراسته فيها ثم انتقل إلى النجف الأشرف حيث حضر على أكابر علمائها. له من المؤلفات: كتاب (الغدير) الذي يحوي عدداً من المجلّدات وقد جمع فيه كل ما يتعلق بيوم غدير خم، من حديثٍ وشعرٍ. وله, أيضاً، كتاب شهداء الفضيلة ترجم فيه لمن استشهدوا من علماء الشيعة.
*شغف المطالعة
اتجه الشيخ إلى التأليف بهمة قعساء تزيل الجبال الراسيات. ولم يكن يومذاك في النجف الأشرف مكتبات عامة سوى مكتبة كانت في حسينية الشوشترية وأخرى هي مكتبة كاشف الغطاء رحمه الله، وفي كل منهما عدة آلاف من الكتب من مخطوط ومطبوع. فكان يتردد إليهما ويستنزف أوقات دوام المكتبة في مطالعة الكتب والانتفاع منها. ولكنّ دوام المكتبة المحدود بضع ساعات لم يفِ بهمّته وشغفه بالمطالعة، فعزم رحمه الله على قراءة كتب مكتبة الحسينية كلها واتفق مع أمينها على أن يسمح له بالبقاء فيها بعد انتهاء دوام العمل، ويغلق عليه الباب. وبهذه الطريقة أتى على قراءة الكتب كلّها.
وقد كان الأميني رحمه الله يراجع، أيضاً، المكتبات الخاصة في بيوت العلماء، في النجف الأشرف. وبمثل هذه المثابرة والعمل الدؤوب، وإجهاد النفس في تمضية ما يقارب 18 ساعة في اليوم بين قراءة وكتابة وطوال سنين عدة، وانقطاع أيضاً عن المجتمع، وانصراف إلى العمل على التأليف والكتابة، أمكن الشيخ الأميني أن ينتج كتابه الموسوعة الشهيرة “الغدير”.
*موسوعة الغدير
هي موسوعة ضخمة غنيّة بالعلم، مليئة بالحجج والوثائق، منقطعة النظير. والكتاب آية من آيات هذا القرن. ومثل هذا المجهود العظيم لا يقوم به فرد، إنما هو عمل لجان في سنين كثيرة، كما نبّه على ذلك جمع ممن قرأوا الكتاب وأدهشهم العمل، فمنهم من قال: “وقد يفتقر مثل هذا التأليف الحافل المتنوع إلى لجنة تجمع رجالاً من أساتذة العلوم الدينية، ولو لم يكن مؤلفه العلامة الأميني بين ظهرانينا، ولم نرَ أنه بمفرده قام بهذا العبء الفادح لكان مجالاً لحسبان أنّ الكتاب هو أثرٌ لجمعيّة ما، قد تصدّى كلّ من رجالها لناحية من نواحيه”.
وقال السيد شرف الدين رحمه الله في تقريظ له نشر في بداية الجزء السابع: “موسوعتك الغدير في ميزان النّقد، وحكم الأدب، عمل ضخم دون ريب، فهي موسوعة لو اصطَلَحَ على إبداعها عدة من العلماء وتوافروا على إتقانها بمثل هذه الإجادة لكان عملهم مجتمعين فيها كبيراً حقاً..، وأما الجوانب الفنية فقد نسجتها نسج صناع، وهيأت لقلمك القوي فيها عناصر التجويد والإبداع، في مادة الكتاب وصورته، وفي أدواتهما المتوفرة، على سعة باع وكثرة اطلاع، وسلامة ذوق وقوة محاكمة”.
وقال بولس سلامة في كتاب له إلى المؤلف نشر في بداية الجزء السابع أيضاً: “وقد اطلعت على هذا السفر النفيس فحسبت أن لآلىء البحار قد اجتمعت في غديركم هذا! أجل يا صاحب الفضيلة إن هذا العمل العظيم الذي تقومون به منفردين لَعِبءٌ تنوء به الجماعة من العلماء، فكيف استطعتم النهوض به وحدكم؟! لا ريب أن تلك الروح القدسية، روح الإمام العظيم عليه وعلى أحفاده الأطهار أشرف السلام هي التي ذلّلت المصاعب”.
*مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام
هذا وقد رحل الأميني رحمه الله، في سبيل كتابه هذا، باحثاً عما لم يطبع من التراث من مصادر قديمة ومهمة. رحل بنفسه إلى الهند وسوريا وتركيا وسجل الشيء الكثير في مجلدين ضخمين سمّاهما “ثمرات الأسفار”.
ومن مآثره الخالدة، المكتبة العامة التي أسسها في النجف الأشرف باسم: “مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة” واقتنى لها عشرات الآلاف من نوادر المطبوعات ونفائس المخطوطات، ولم تزل عامِرة بعين الله سبحانه، وقاها الله الشّرور والآفات.
توفي رحمه الله في طهران يوم الجمعة 28 ربيع الثاني سنة 1390هـ، وحُمل إلى النجف الأشرف، ودُفن في مقبرة خاصة جنب مكتبته العامة، رحمه الله رحمة واسعة وحشره مع مواليه عليهم السلام
*”اصبِر على حاجتك”!!
يروي العلامة الأميني رحمه الله قصّة جرت أحداثها إبَّان كتابة مؤَلَّفه الغدير يقول: كنت في إحدى ليالي الجُمَع زائراً حَرم أمير المؤمنين عليه السلام مشغولاً بالزيارة والدعاء، طالباً من الله سبحانه وتعالى وبشفاعة أمير المؤمنين عليه السلام أن يهيّئ لي كتاب “درر السمطين” النادر في حينه قبل أن يُطبع لإكمال بحث مهم من فصول الغدير. وبينا كنت مشغولاً بالدعاء إذ حضر قروي لزيارة الإمام عليه السلام طالباً من حضرته أن يقضي حاجته ويشافي بقرته، وبعد أسبوع جاء القروي نفسه لزيارة الإمام عليه السلام ليشكره على استجابة طلبه وقضاء حاجته.
ومن حُسن الصدف أني كنت حاضراً بالحرم الشريف أُجدد العهد وأقوم بواجب أداء الزيارة، ولما سمعت كلام القروي هزّتني الحادثة، لأن الإمام عليه السلام قضى حاجة القروي ولم يقضِ حاجتي وطلبي. أَخَذَتْ مني هذه الحادثة مأخذها وانفعلت، فقلت مخاطباً الإمام: استجبت طلب القروي وقضيت حاجته! وأنا منذ مدة أتوسل إلى الله بحقك أن أحصل على الكتاب المفقود ولم أحصل عليه، وهل أن الكتاب أريده لنفسي أو لكتابك الغدير؟ بَكيت وجَرت دموعي، ثم خرجت من الحرم وأنا في حالة نفسية سيّئة تلك الليلة، وما أكلت شيئاً من شدة تأثّري وأويت إلى فراشي أرقاً، فرأيت كما يرى النائم أنّي تشرّفت بخدمة أمير المؤمنين عليه السلام، قائلاً لي: “القروي ضعيف الإيمان وما يصبر عن حاجته”.
نهضت من نومي وأنا فرح مستبشر. وفي الصباح وأنا على مائدة الافطار إذ طرق الباب جار لنا وكان يعمل بنّاء، فلما دخل سلّم وقال: شيخنا إني اشتريت داراً جديدة أوسع من هذه، ونقلت معظم فرشي فوجدت هذا الكتاب القديم وكان عندنا في زاوية الغرفة، قالت لي زوجتي: هذا الكتاب ما ينفعك ولا تقرأه، قدّمه هدية إلى جارنا الشيخ الأميني لعله يستفيد منه. قال الأميني: أخذت الكتاب ونفضت ما عليه من غبار، وإذا به نفس الكتاب الخطي الذي كنت أبحث عنه من مدة غير قصيرة. عند ذلك سجدت لله شكراً على هذه النعمة.