أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة إلى الآثار المترتّبة على التقوى في النشأة الاخرى. ولما كان منهج هذه الدراسة قائماً على الاختصار، نحاول الوقوف على فهرست لعناوين الابحاث التي أشار إليها القرآن في هذا المجال:
قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْق عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر)( [316]).
قال الرازي «قوله (فِي مَقْعَدِ صِدْق) يدلّ على لبث لا يدلّ عليه المجلس، وذلك لانّ «قعد وجلس» ليسا على ما يظنّ أنّهما بمعنى واحد لا فرق بينهما، بل بينهما فرق، ولكن لا يظهر إلاّ للبارع، والفرق هو أنّ القعود جلوس فيه مكث حقيقة واقتضاءً»( [317]).
وقال الطباطبائي : «المراد بالصدق، صدق المتّقين في إيمانهم وعملهم، أضيف إليه المقعد لملابسة ما، ويمكن أن يراد به كون مقامهم وما لهم فيه صدقاً لا يشوبه كذب، فلهم حضور لا غيبة معه، وقرب لا بُعد معه، ونعمة لا نقمة معها، وسرور لا غمّ معه، وبقاء لا فناء معه»( [318]).
وأمّا قوله: (عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر)، المليك صيغة مبالغة للمُلك، والمقتدر القادر العظيم القدرة وهو الله سبحانه. وإنّما قال (عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر) «لانّ القربة من الملوك لذيذة; كلّما كان الملِك أشدّ اقتداراً كان المتقرّب منه أشد التذاذاً، وفيه إشارة إلى مخالفة معنى القرب منه من معنى القرب من الملوك، فإنّ الملوك يقرّبون من يكون ممّن يحبّونه وممّن يرهبونه، مخافة أن يعصوا عليه وينحازوا إلى عدوّه فيغلبونه، والله تعالى مُقْتَدِر لا يقرّب أحداً إلاّ بفضله»( [319]) فلا يصل إلى هذا المقام إلاّ من أحبّه الله وارتضاه علماً وعملاً.
وفي «مصباح الشريعة»: قال الصادق (عليه السلام) بعد أن ذكر التقوى: «وفيه جماع كلّ عبادة صالحة، وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى، وبه عاش من عاش بالحياة الطيّبة والانس الدائم، قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْق عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر)»( [320]).
وفي «تأويل الآيات الظاهرة»: «أنّ جابر بن عبدالله قال: كنّا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المسجد، فذكر بعض أصحابه الجنّة، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : إنّ أوّل أهل الجنّة دخولاً إليها علي بن أبي طالب، فقال أبو دجانة الانصاري: يا رسول الله أخبرتنا أنّ الجنّه محرّمة على الانبياء حتى تدخلها، وعلى الامم حتى تدخلها أمّتك؟
فقال (صلّى الله عليه وآله) : بلى يا أبا دجانة، أما علمت أنّ لله لواءً من نور وعموداً من نور، خلقهما الله قبل أن يخلق السموات والارض بألفي عام، مكتوب على ذلك اللواء، لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، خير البرية آل محمّد، صاحب اللواء علي وهو إمام القوم.
فقال علي (عليه السلام) : الحمد لله الذي هدانا بك يا رسول الله وشرّفنا.
فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : أبشر يا علي ما من عبد ينتحل مودّتك إلاّ بعثه الله معنا يوم القيامة.
وجاء في رواية أخرى: يا علي أما علمت أنّه من أحبّنا وانتحل مودّتنا أسكنه الله معنا؟ وتلا هذه الآية: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَهَر* فِي مَقْعَدِ صِدْق عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر)( [321]).
شاهد أيضاً
اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم
11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...