الوقت – جوهر الاحتجاجات البحرينية هو المواجهة بين الحرية والديكتاتورية ام مواجهة طائفية؟ فطبيعة وهوية الاحتجاجات في البحرين سؤال يلقي بثقله منذ بدء الاحتجاجات في العام 2011 الى يومنا هذا؟ بل هو السؤال نفسه الذي يمكن طرحه حول اي حركة احتجاجية شهدتها او تشهدها المنطقة، هذا السؤال يزداد اهمية مع تصريحات الادانة التي يطلقها الغرب سواء الجانب الاعلامي او المسؤولين السياسيين فيه بعد كل اعتداء تقوم به سلطات آل خليفة بحق الشعب البحريني.
في هذا السياق ايضاً تجدر الإشارة الى ان الجانب الغربي ومنذ بدء التحركات الشعبية البحرينية الى وقت ليس ببعيد كان يتعمد اهمال هذه التحركات وعدم تسليط الضوء عليها، سواء اعلامياً او في منتدياتها الحقوقية والسياسية، فما الذي استجد مؤخراً حتى دفع اعلامه وسياسييه باطلاق تصريحات الإدانة المتكررة بعد كل اعتداء على الشعب البحريني؟ وكيف يمكن قراءة ذلك؟
بعض من ادبيات الاعلام الغربي
في نظرة مختصرة ومستجدة لأدبيات الاعلام الغربي حول التحركات الشعبية البحرينية وانتهاكات آل خليفة، يمكن ملاحظة ان الطابع الذي يغلب عليها يمكن فهمه انه مسعى لإضفاء طابع الطائفية والمذهبية عليها، فعلى سبيل المثال، عبرت وزارة الخارجية الامريكية في بيان أصدرته مؤخراً عقب اسقاط سلطات آل خليفة الجنسية عن آية الله عيسى قاسم بالقول: “نشعر بالقلق جراء قرار حكومة البحرين بسحب الجنسية من رجل الدين الشيعي البارز الشيخ عيسى قاسم”.
وهكذا كان توجه منظمة هيومن رايتس ووتش، حيث اعتبرت، “إن قرار حكومة البحرين بسحب الجنسية عن رجل الدين الشيعي البارز اية الله الشيخ عيسى قاسم يأخذ البلاد لأيام سوداء حالكة منذ حملة العام 2011.” اما المنظمة الحقوقية الامريكية التي اتخذت مقراً لها في البحرين، فقد اعتبرت “ان النظام البحريني بسلبه جنسية آية الله قاسم الشيعي، يعتدي على شيعة البحرين”. هذا ومؤسسات اسلامية في استراليا اصدرت بيانا مشتركاً عبرت فيه عن ان تصعيد النظام البحريني بوجه شيعة البحرين يعتبر بمثابة اعلان الحرب عليهم. ولائحة الادانات الغربية التي تحمل توجها لقولبة التحركات الشعبية البحرينية بالطائفية تطول.
هوية وطبيعة الاحتجاجات في البحرين، واسئلة برسم الاجابة
هل يعقل ان يكون المطالبة ببرلمان يشرع هو مطلب طائفي؟ وهل التحرك السلمي للمطالبة بحكومة منتخبة هو مطلب طائفي؟ وهل يمكن ان توضع المطالبة بالتوزيع العادل للثروة الوطنية وعدم اكتنازها بيد العائلة الحاكمة على انه مطلب طائفي؟ وهل التحرك الشعبي للمطالبة بمنع الغرب وعلى رأسه امريكا وبريطانيا من اتخاذ البحرين قاعدة عسكرية له هو مطلب طائفي؟ وإذا افترضنا ان التحركات الشعبية البحرينية وكل هذه المسيرات التي تنظم وتملئ الشوارع هي طائفية، وقالبها مذهبي، فلماذا لم يحدث على مدى السنوات الخمس الماضية اي مسيرة احتجاجية مقابلة؟ فكل ما نراه في وسائل الاعلام، سواء المدافعة عن مطالب الشعب البحريني او المغرضة، هي مشاهد القمع والقتل والإعتداء التي تقوم بها قوات خارجية سعودية وأردنية وغيرها بحق الشعب البحريني، فهل هذه المشاهد تحكي عن صراع طائفي؟ ام تحرك شعبي جاد لإحداث تغيير في منطق وعقلية العائلة الحاكمة الديكتاتورية ومن يقف ورائها من الغرب والأنظمة المشابهة.
وإذا كان يحلو للبعض الإصرار على ان التحركات الشعبية البحرينية هي صراع طائفي مذهبي بين السنة والشيعة، وفي الوقت الذي يحكم البحرين عائلة صغيرة لا يتجاوز عدد افرادها المئة، فهل يعقل ان نعتبر ان السنة في البحرين يؤيدون منطق الحكم العائلي الديكتاتوري؟ بالطبع لا، فلا سنة البحرين ولا غيرها من الدول تقبل هذا المنطق، وابرز دليل عليه الثورات التي اندلعت في بلدان عربية سكانها من الطائفة السنية بالكامل، او اغلبها الساحق سنة، وهذه الثورات جاءت لتسقط الأنظمة الديكتاتورية فيها والعميلة للغرب.
الغرب واعلامه، والتحول في الموقف من اهمال الثورة الى الباسها لباس الطائفية، نقاط تسجل
اولاً: بالدرجة الاولى يمكن ارجاع سياسة امريكا والغرب واعلامهم بخصوص البحرين الى سياستهم القائمة على الالتفاف على ثورات الشعوب العربية، بدءا من تونس الى مصر فليبيا وغيرها من الدول الى البحرين، ولإجهاض هذه الثورات والقضاء عليها عمدت الى اتباع الأسلوب الذي يتناسب وطبيعة كل دولة، فمن اسلوب تصوير مشهد الثورة والاحتجاج الشعبي على انه صراع سني شيعي، الى استبدال النظام القائم بنفسه ولكن بأوجه ورجالات اخرى كما في مصر، الى استخدام ورقة الجماعات التكفيرية كما حدث في الكثير من بلدان العالم الاسلامي كليبيا مثلاً. وعليه فإن التعاطي الغربي مع احتجاجات الشعب البحريني بوجه عائلة آل خليفة المتحكمة جاء وفق نفس السياسة المتبعة اتجاه ثورات شعوب العالم الاسلامي والعربي.
ثانياً: الغرب عمد الى اهمال الحديث عن ثورة واحتجاجات الشعب البحريني في اعلامه وتصريحاته بهدف القضاء عليها، لكن صمود الشعب البحريني واستمرار مطالبه، دفعت بالغرب الى تغيير سياسته ليستخدم دعاية الطائفية كوسيلة بديلة.
ثالثاً: من الطبيعي جداً ان يلجأ الغرب الى التعاطي مع ثورة الشعب البحريني كما تعاطى، فالغرب وبالخصوص امريكا وبريطانيا استخدموا البحرين كما الكويت والامارات والسعودية كقواعد عسكرية لهم، وما كانت لهذه القواعد ان تنشأ لولا تآمر هذه الأنظمة العائلية الدكتاتورية الحاكمة في هذه البلدان، ولأن حركة الشعوب بطبيعتها تتنافى وتطلعات الاستعمار وعملائه، جاءت السياسة الغربية على شكلها الحالي في التعاطي مع هذه الاحتجاجات.