الرئيسية / شخصيات أسلامية / آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)

آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)

السيرة الذاتية ..النسب والنشأة

ولد آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)، عام (1306 هـ) في اليوم الأول من شهر شوال.

ولد في أوساط عائلية علمية حيث كان والده آية الله السيد مهدي الحكيم (قدس سره)، أحد الأعلام في الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

بدأت حياة السيد الحكيم (قدس سره) باليتم، حيث فارقه والده وهو في السنتين الأوليتين من عمره، وتوفي عنه والده في بلاد الهجرة، بل في (جبل عامل) في بيروت عام (1312 هـ) وعمره آنذاك ست سنوات، وتركه مع والدته وأخيه الأكبر آية الله السيد محمود الحكيم (قدس سره) الذي كان يكبره بعشرة سنوات، لتتولى الأم والأخ الكبير تربيته ورعايته، في ظروف معاشية وعائلية صعبة؛ ولذا بدأ حياته إنساناً مجاهداً لنفسه، وفي مجتمعه، وكان عليه أن يختار نهجه، ويشق طريقه معتمداً على الله سبحانه وتعالى، وعلى النفس، والإدارة وحسن الاختيار.

ويبدو أن الأجواء الروحية والمعنوية التي خلفها والده وراءه، وكذلك أصحابه، كان لهم دور في هذه الرؤية، والتصميم، والاختيار، إذا لاحظنا بدقة طبيعة المنهج العلمي والسلوط الأخلاقي والعلاقات الاجتماعية التي كانت تحيط السيد الحكيم (قدس سره) في بداية شبابه.

فوالده أول مبادر للتفرغ للعلم في العائلة بعد فترة من الزمن؛ ولذا أصبح أولاده الثلاثة الصغار الذين تركهم من أهل العلم والمعرفة والتقوى والصلاح، وكانوا في الوقت نفسه يتميزون بالسلوك الأخلاقي الرفيع، والدرجة العالية من الطهارة والنقاء والتقوى.

الجانب العلمي والمميزات الخاصة

يعتبر الجانب العلمي في السيد الحكيم (قدس سره) من أهم الأبعاد في شخصيته، فبالإضافة إلى سيرته الذاتية التي تمثّل القاعدة والأساس للبناء الفوقي في الشخصية، تتمثل الأبعاد البارزة في شخصية السيد الحكيم (قدس سره) بالبعد العلمي، والبعد المرجعي، والبعد الجهادي السياسي، حيث أنَّ الأعمال العلمية للسيد الحكيم (قدس سره) قد أخذت حيزاً واسعاً من حياته، ووقته، وشخصيته، فقد أحصى بعض المؤلفين في شخصية السيد الحكيم (قدس سره) مؤلفاته فبلغت (24) مؤلفاً، تتناول موضوعات مختلفة من العلوم الإسلامية، الأمر الذي يدلل على هذه الحقيقة خصوصاً إذا عرفنا أنه كتب بعض مؤلفاته مرتين كما هو في شأن بعض أجزاء «المستمسك» ولكن أهم مؤلفاته المطبوعة يمكن أن نحصيها في المؤلفات التالية:

1ـ مستمسك العروة الوثقى: وهو شرح استدلالي للقسم الأول من العروة الوثقى للسيد الطباطبائي اليزدي في أربعة عشر جزءاً.

2ـ حقائق الأصول: وهو شرح استدلالي لكفاية الأصول للمحقق الخراساني في مجلدين.
3ـ نهج الفقاهة: وهو شرح استدلالي لكتاب البيع للشيخ الأنصاري في مجلد واحد.
4ـ منهاج الصالحين: وهو رسالة عملية مفصلة، تتناول الفتاوى الفقهية في مجلدين، وقد أصبح موضع اهتمام خاص من قبل المراجع الدينيين المتأخرين عن السيد الحكيم (قدس سره)، في التعليق على مسائله، وفي تكملة بحوثه، وفي الشرح الاستدلالي لهذه المسائل.
5ـ دليل الناسك: هو شرح استدلالي مختصر ومركز لرسالة الحج التي كتبها أستاذه المحقق النائيني، مجلد واحد.

والمهم في هذا البحث هو التعرف على الخصائص العلمية ـ بصورة مختصرة ـ التي كان يمتاز بها السيد الحكيم (قدس سره) ونهجه في البحث والتدريس.

يمكن أن نقول: بأن الفقه والأصول كانا محور الاهتمام العلمي للسيد الحكيم (قدس سره)، وقد أخذ من غيرهما المقدار الذي يمثل مقدمة عامة للفقه سواء في علم الحديث، أم التفسير، أم الرجال، أم اللغة والنحو والصرف، فضلاً عن غيرها من العلوم الإسلامية، وذلك بالرغم من أننا نجد في عناوين بعض مؤلفاته ما يشير إلى اختصاصها ببعض هذه العلوم، ومن هنا نجد السيد الحكيم (قدس سره) قد أولى الفقه أهمية خاصة، وبرع به، وامتاز وعرف بين العلماء والمراجع بهذا الجانب، وكان موضع إعجاب وثناء وتقدير من قبل العلماء والباحثين، وتعتبر آراؤه في الفقه موضع بحث وتداول لدى كبار المجتهدين في بحوث درس الخارج.
وفي هذا الجانب يمكن أن نلاحظ مجموعة من المميزات في فقه السيد الحكيم (قدس سره)، والتي تشكّل في مجموعها مدرسةً متكاملة، بالإضافة إلى متبنياته الأصولية والرجالية والحديثية العامة.

ويمكن تلخيص المميزات بالنقاط التالية:

الدقة والفقاهة:

الأولى: الجمع بين الدقة في الاستنباط والتزام المنهج العلمي الذي يعتمد على الضوابط والأصول المقررة من جانب، والفقاهة في فهم النص وظروفه، وما يسميه السيد الحكيم (قدس سره) بالارتكاز العرفي، والذوق العام من جانب آخر، والعمل على إيجاد الموازنة بينها، وتفسير احدها بالآخر.

الاستنباط من موقع المعايشة الاجتماعية:

الثانية: القيام بعملية الاستنباط من موقع الممارسة الفعلية والمعايشة الحقيقية للمشاكل والحوادث والوقائع، سواء في دور البناء العلمي قبل المرجعية، أم في دور المرجعية العامة.

حيث أن السيد الحكيم (قدس سره) لم يكن مرجعاً عاماً تحققت له معايشة المجتمع العامة من خلال المرجعية فحسب، بل كان يعيش علاقات اجتماعية واسعة قبل مرجعيته شخصياً، إلى جانب عمله العلمي في الدور الأول من حياته، وشاهد ظروفاً سياسيةً مختلفة، ومرّ بأدوار عديدة، واصطحب بشكل مباشر مستويات من الناس متفاوتة في وضعها الاجتماعي والثقافي ومحيطها الحياتي، من الفلاحين، والعمال، والتجار، والجنود، والطلبة، والعلماء، وأصحاب البيوتات من المدن، وأبناء العشائر والقبائل في الريف، ومن العراقيين، واللبنانيين، والإيرانيين…وقام بعدة أسفار إلى لبنان، وفي داخل العراق.

الشجاعة العلمية:

الثالثة: الجرأة والشجاعة العلمية في الوصول إلى النتائج وتبنيها.

فإن السيد الحكيم (قدس سره) وإن كان يلتزم في مبانيه الأصولية بالإجماع، وكذلك بتأثير شهرة رواية الخبر، وقبوله العام في الفتوى على العمل والأخذ به، وبالتالي فهو يعطي دوراً وأهميةً لآراء العلماء ومتبنياتهم. إلا أنه مع ذلك يملك الشجاعة والجرأة في الفتوى عندما يرى الدليل كافياً في الوصول إليها، حتى لو كانت على خلاف ما هو معروف لدى الفقهاء.

تيسير الفقه الاستدلالي:

الرابعة: العمل على تيسير الفقه الاستدلالي من خلال الدقة في التعبير، والتلخيص للمطولات الفقهية، والجمع للآراء والنظريات المختلفة، مع بيان واضح ميسر يمكن أن يتناوله الفضلاء والطلبة المجدّون بسهولة، فيختصر عليهم الوقت والجهد.

المنهج العلمي

لقد كان المنهج العام الذي يتّبعه السيد الحكيم (قدس سره) في الاستنباط والوصول إلى النتائج، له خطواته ومعالمه.

الأول: قصد القربة في تفاصيل العملية الاستنباطية، والاستعانة بالله تعالى للهداية إلى الصواب، فإنه يرى أن الاستنباط يتعامل مع أعظم المقدسات الإسلامية، وهي: الكتاب الكريم، والسنة الشريفة، والعقل الإنساني الذي فضّله الله تعالى على جميع المخلوقات، ومع الحرمات من النفوس، والديار، والأموال، والأعراض، وغيرها.

الثاني: أسلوب التفكير بصوت مسموع ـ كما يعبّرون ـ حيث كان يطرح السيد الحكيم (قدس سره) في درسه المسائل والأفكار في البداية مجردةً عن الأدلة، ثم يأخذ بإثارة الأسئلة حولها عن صحّة الفكرة، ومدى واقعيتها، والمطالبة بالدليل على هذه الصحة، وجواب الإشكالات، وكان يترك في هذه العملية الفرصة للإثارة والتأمل.

الثالث: بذل الجهد في إيضاح محتوى الفكرة الأساسية وتأكيدها، خصوصاً إذا كانت لأحد الأعلام الماضين من العلماء، أو توضيحها وكأنه يؤمن بها، ثم بعد ذلك يبدأ بالتفتيش عن دليلها أو صحتها، وبعد ذلك يبدأ بمناقشتها للوصول إلى النتائج المطلوبة. فالعملية تأخذ بنظره خطوات ثلاث لابد للباحث أن يطويها حتى يصل إلى هدفه المقصود.

الرابع: التعامل مع آراء الآخرين العلماء باحترام، وتواضع، وأدب رفيع، والتفتيش عن المبررات التي اعتمدوا عليها في تكوين الفكرة أو التزامها، خصوصاً إذا انتهى إلى عدم القبول بها، حيث يُبقي احتمال وجود خصوصيات وقرائن دعتهم إلى الأخذ بها خفية على الباحث، الأمر الذي يجعل الطالب يبذل المزيد من الجهد في البحث والتفتيش عن الدليل والبرهان، لقبول الفكرة أو رفضها، والابتعاد عن روح الاستهانة أو الغرور العلمي.

الخامس: الحرية، والاستقلال في التفكير العلمي، وعدم الانفعال والوقوع تحت تأثير الاحترام أو التعظيم للآخرين، حيث كان يقول: إنَّ من الضروري في التعامل مع الأفكار «النظر إلى ما قيل لا إلى من قال»، وإن الكثير من الأخطاء وقعت بسبب هذا النوع من الانفعال والتأثر.

الجهاد السياسي لسماحة السيد الحكيم (قدس سره)

قيادة المرجعية للأمة:

ومن خلال مسيرة الواقع نجد في حركة أمتنا الإسلامية أنه وإن كان هناك مراجع متعددون، ولهم جماعات متعددة ترتبط بهم، باعتبار أن قضية التقليد مفتوحة، وكل يعتقد بأعلمية مرجعه، لكننا نجد دائماً ـ من خلال حركة الواقع ـ أن واحداً من هؤلاء المراجع هو الذي يقود المسيرة بشكل عام، والمراجع الآخرون يلتفون حوله ويؤيدونه.

وهذا ما شاهدناه في مرجعية آية الله العظمى السيد الحكيم (قدس سره)، فقد دخل المعركة السياسية والاجتماعية والتغييرية في الأمة في العراق وخارجه، وكان هناك مراجع للتقليد بمستوى من المستويات، لكنهم كانوا يقفون إلى جانبه. وبمراجعة بسيطة للتاريخ يمكن أن نتبين هذه الحقيقة.

نعم، قد يختلف هذا المرجع مع ذلك في نظرية فقهية، أو قضية جزئية، لكننا لاحظنا أنهم في المسيرة العامة والمواجهة والقيادة يساند بعضهم البعض الآخر ويعاضده.

فعندما واجهنا المدّ الأحمر والتيارات القومية والاشتراكية، وغير ذلك من المواجهات التي عشناها في العراق، كان السيد الحكيم (قدس سره) يتقدم المسيرة، والمراجع الآخرون يساندونه ويؤيدونه.

وحدة القيادة:

كان سماحة السيد الحكيم (قدس سره) يمتلك رؤية كاملة وصحيحة للنظرية الإسلامية، وكانت رؤيته تعتمد على مجموعة من المقومات الأساسية وهي:

1ـ القيادة للمرجعية الدينية:

كان سماحته يرى أن الفقيه له الولاية من باب أن المجتمع لايبقى بدون حكومة، ويجب أن يكون الحكم إسلامياً والحاكم فيه هو الفقيه.

2ـ عدم فصل السياسة عن الدين:

وكلمته في ذلك معروفة ويمكن الرجوع إليها، وقد مارس ذلك عملياً. وفي تلك الممارسة العملية واجه مشكلات كثيرة جداً.

3ـ الحوزة العلمية وتربية العلماء:

كان السيد الحكيم (قدس سره) يعتمد في هذا المنهج والاستراتيجية مسألة الحوزة العلمية، وتربية العلماء والمبلغين، وملء الأماكن الشعبية بهؤلاء بالقدر الممكن. وكان يسعى لذلك سعياً حثيثاً. وكان يهتم بالمساجد والحسينيات، وكل ما يرتبط بهذه القضية، وكان يحرص على أن يكون في كل بقعة أو محلة أو ناحية عالم أو مبلّغ.

4ـ توطيد العلاقة بين المرجعية والأمة:

اهتم السيد الحكيم (قدس سره) بشكل رائع وعظيم بأن تكون علاقات المرجعية بالأمة علاقات متكاملة وجيدة ولم يهتم بطبقة معينة فقط من الأمة، كالتجار، أو الكسبة مثلاً، أو أولئك الذين يتمكنون من دعم المرجعية وتمويلها، بل اهتم بكل طبقات الأمة وفئاتها وجماعاتها الموظفين، والشباب الجامعيين، والجنود.

5ـ دعم الوحدة الإسلامية:

الوحدة الإسلامية، والانفتاح على المذاهب الأخرى، وهذه من القضايا المعقدة التي واجهها السيد الحكيم (قدس سره) في العراق؛ ذلك لأن قضية الطائفية تعتبر أعقد القضايا في العراق؛ لأن الشيعة هناك مضطهدون مطاردون، وكانت حقوقهم مهدورة، والاضطهاد يمارس ضدهم في كل المستويات، في السوق والجامعة والوظيفة وغيرها. ومع ذلك كان سماحته يريد أن يحقق الوحدة الإسلامية، ويهتم بقضايا الأمة الإسلامية الكبرى، وفي الوقت نفسه يدافع عن حقوق شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وكان هذا من أعظم الإنجازات السياسية له.

وفاته

أصيب سماحة السيد الحكيم (قدس سره) بالمرض الخبيث في عام (1970 م)، وفي الساعة العاشرة من مساء يوم الثلاثاء المصادف الأول من حزيران من نفس السنة انتقل إلى جوار ربه صابراً محتسباً.

ذاع الخبر في الشارع وسارع محبو السيد الحكيم (قدس سره) إلى داره، وبعد المداولة حمل نعشه الطاهر ليلاً إلى الكاظمية، إذ تمّ غسل جثمانه الطاهر ووضع في مرقد الإمامين الكاظمين (قدس سره) حتى الصباح.

ونُقل جثمانه الطاهر في اليوم التالي من الكاظمية إلى مدينة كربلاء المقدسة، وتمت زيارة الجثمان للحضرة الحسينية والعباسية. ثم نقل إلى النجف الأشرف، وأدى نجله آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره) الصلاة عليه، وأدخل الجثمان إلى مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) لأداء مراسيم الزيارة، ثم دفن في مكتبته التي أعدّ لنفسه مقبرة فيها.

 

 

10 12 13 16 17 18 19 20 22 23 24 25 26 27 28 29 30

شاهد أيضاً

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

قال المولى جل وعلا في الآية (١٨٥)من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان ...