الوقت- لن يكون يوم 21 أغسطس/ آب 2016 يوماً عادياً في سجلات الجمهورية اليمنية. فأمس شهدت العاصمة اليمنية صنعاء أوسع حضور شعبي في تاريخ اليمن الحديث حين خرج الملايين إلى ساحة “السبعين” في العاصمة صنعاء.
الحضور المليوني أسس لمرحلة جديدة تتّضح معالمها خلال الأيام القادمة حيث شكّل الحضور الجماهيري الواسع غطاء شرعي بنكهة شعبية على كافّة الخطوات التي اتخذتها القوى الوطنية اليمنية لمواجهة العدوان السعودي وما يسمى بـ”عاصفة الحزم”.
لم تقتصر نوعية الحضور على الشكل لناحيتي العدد وإلتزام اليمنيين كافّة بالعلم الوطني، على حد سواء، بل يكشف مضمون الحضور عن نوعية جديدة قل نظيرها سواءً في اليمن أو في محتلف البلدان العربية حيث شاركت التيارات الدينية و العروبية والعلمانية، إضافًة إلى الحراك الجنوبي في ملحمة السبعين، فضلاً عن أكبر مكونين على الساحة اليمنية: أنصار الله والمؤتمر الشعبي.
الحضور الشعبي التاريخي بكل المعايير، وعلى مستويات مختلفة وكثيرة، حمل في طياته رسائل متعددة الاتجاهات، تتمحور كلها حول حقيقة واحدة: لا شرعية إلا للشعب.
ليس هناك من حاجة إلى كثير من الكلام. وليس مفاجئاً ما سطّره الشعب اليمني في عاصمته العصيّة على الغزاة منذ الأزل، ومع ذلك، وجب قول الآتي:
أولاً: أضفى الطوفان البشري في العاصمة صنعاء شرعية شعبية تضاف للبرلمانية والحزبية فيما يخص المجلس السياسي الأعلى لإدارة البلد، وكذلك البرلمان وأي حكومة مقبلة تشكّل خلال الأيام المقبلة. صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى، بات مبسوط اليد في تشكيل الحكومة “لسد الفراغات السياسية مواجهة التحديات خلال هذه المرحلة التي يواجه فيها شعبنا عدواناً غاشماً”، كما أوضح بالأمس في كلمته أمام الحشود المليونية.
ثانياً: إذا كانت السيطرة على الأرض هي أبرز عامل للتحكم في مسار المشاورات، فإن الشرعية الشعبية هي أبرز عامل لرسم مستقبل اليمن.اليوم، باتت القوّة الميدانية تستند إلى شرعية شعبية قائمة منذ اليوم الأول للعدوان على اليمن، إلا أن أبرز أشكالها تجلّت بالأمس في “ميدان السبعين”.
ثالثاً: أسقط التنوع الشعبي والحزبي كافّة الإدعاءات السعودية التي تنشد المذهبية والطائفية، ممزوجةً ببعض الإدعاءات الكاذبة حول العلاقة بين من تصفهم بـ”الانقلابيين”؛ المؤتمر الشعبي وأنصار الله. هذه القوى وبالتعاون مع مختلف التيارات الأخرى بدءً من الحراك الجنوبي مروراً بالتيارات الدينية والعلمانية وصولاً إلى الإتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدنية والمرأة اليمنية أثبتت قدرتها على التعايش تحت سقف الوحدة الوطنية، ودون أي تدخّل خارجي.
رابعاً: إلى الإقليم والعالم، وجّه اليمنيون رسالة حزم من نوع جديد، لم تترك لهم سوى الصمت والرضوخ لمعادلة الميدان الشعبي. مجلس الأمن بات مجبراً على الرضوخ للشرعية الشعبية، بدل “شرعية” المال السعودي. في هذه النقطة تحديداً أتقن الرئيس الجديد للبلاد استخدامه للحنكة اليمنية معلناً أن “يدنا ممدودة للسلام وليس الاستسلام، ولكل دول العالم باستثناء الكيان الصهوني”.
خامساً: لا شك في أن السعودية وحلفائها في العدوان أبرز الخاسرين من “مليونية” الأمس، باعتبار أن الرئيس المستقيل وغير الشرعي بات من الماضي، لأن إسقاطه اليوم شعبيا يأتي بعد إسقاطه برلمانياً، وقبلها ميدانياً، وقبلها وطنياً. ما يزيد طينة السعودية بلّة أن الشرعية الجديدة جرّاء الاستفتاء الشعبي تزامنت مع خطوات آخرى تضعّف موقفها على الصعيد الدولي سواءً لناحية إجلاء منظمة أطباء بلا حدود موظفيها من 6 مستشفيات في شمالي اليمن، إثر قيام طيران العدوان السعودي باستهداف إحدى مستشفياتها للمرّة الخامسة على التوالي، أو لناحية إعلان الجيش الأمريكي سحب المستشارين العسكريين الذين كانوا يشاركون في تنسيق الغارات الجوية في العدوان على اليمن. بعبارة آخرى، كشف الشعب اليمني عورة السعودية وأباطيلها، وباتت اليوم دولياً في عنق الزجاجة، كما هو الحال في الميدان.
سادساً: أثبتت سياسة “الصبر الاستراتيجي” نجاحها من جديد حيث عرّت السعودية من حلفائها، فالانسحاب الأمريكي سيسري على الحليف الإماراتي حيث توقع مركز “ستراتفور”الأمريكي المتخصص في الدراسات الأمنية والعسكرية والاستراتيجية في تقرير له أن تنسحب الإمارات لتبقى الرياض وحيدةً في اليمن.
سقط السعودية بالضربة القاضية ودخلت البلاد في عهد جديد ترك فيه رئيس المجلس السياسي الباب مورباً لجميع الذين يحترمون خيارات الشعب اليمني الذي امتطى صهوةَ المجد في ميدانه. وبصوت واحد لمواجهة العدوان وتحديد الخيارات كرّس اليمنيون بالأمس معادلة جديدة عنوانها: في بلادنا الأمر لنا.