الامام الرضا.. نور الحق والحقيقة ومدرسة للعطاء والتضحية
24 يوليو,2017
شخصيات أسلامية, صوتي ومرئي متنوع
1,257 زيارة
جميل ظاهري
المتابع لتاريخ حياة وسيرة أئمة أهل بيـت الرسالة والوحي عليهم السلام، ودورهم الريادي الـذي لـم يستطع أن يتجاهله أحد من المسلمين وغير المسلمين، في توعية الأمة والحد من انحرافها وضلالها بسبب الأفكار التكفيرية الخبيثة، يـدرك بشكل واضح وجلي ان هناك لطفاً الهياً وحكمة خفية في إعداد هذه الـشخـصيـات العظيمة دون غيرها من البشرية رغم الـظروف الصـعبـة التي تحيط بهم .
حياتهم مدرسة وعبرة وموعـظة تـفيـض بالعطاء وتشع بالخير والاستقامة ونور للكمال والهداية البشرية وتوعية علمية وسلوكاً يجسـد مبـاديء رسالة الرحمة والمحبة السماوية عملاً بفرامين الخالق المتعال، حيث يهدون بسلوكهم وعملهم كمـا يهـدون بقـولهم وتوجيهاتهم؛ والامام علي بن موسي الـرضـا عليه السلام الذي نعيش هذه الأيام المباركة ذكرى ميلاده المبارك هـو سليل هذه الشجرة النبوية ووارث أهل بيـت النبوة والأمامة عليهم السلام وعلـم مـن اعلام الهدى والصلاح حيث كانت حياة شمس الشموس وأنيس النفوس المعروف بغريب طوس منـاراً للمهتدين .
لقد فرضت الغربة عن الأهل والعيال والنفوس الطاهرة والأبية المصطفين الأخيار الأبرار عليهم آلاف التحية والسلام على الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام من قبل الطاغية العباسي المأمون، حيث أمر ولاة أمره بتبعيده من مدينة جده خاتم المرسلين وسيدهم محمد الأمين صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورةنحو خراسان (شمال شرقي ايران)، خوفاً وفزعاً من دوره الرسالي في توعية وتثقيف الأمة وتعليمهم رفض الحكم والسلطة الظالمة والديكتاتورية والقمعية التي تتنافى وتتعارض بشكل كبير ورسالة الاسلام في حرية الفرد والتعاون والمحبة والتآخي .
انقلاب سقيفة بني ساعدة أعاد الأمة الى الجاهلية القبلية وفرضت سلطة غير تلك التي أوصى بها رسول الله (ص) في يوم غدير خم آخذ العهد من كبار الصحابة وما يقارب 130 ألف من المسلمين بقيادة أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع) للأمة دون فصل، وأحدث شرخاً كبيراً بين الاسلام المحمدي الأصيل وما فرضه أبناء الطلقاء على الأمة حتى يومنا هذا حيث الفكر والتيار التكفيري الدموي، يلاحقون أهل البيت (ع) وشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم في كل صوب وحدب يريقون دماءهم وينتهكون مقدساتهم ويسبون نساءهم بفتاوى التحرف والتزييف الأموي المقيت .
سياسة بني أمية الطلقاء بقيت قائمة منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا يتوارثها أبناء وأحفاد الطلقاء وذوات الرايات الحمر في ربوع البلاد الاسلامية، وأفكارهم تسيّل أنهار الدماء من الأبرياء العزل كما هو الحال الذي يعيشه أبناء منطقتنا من العراق وحتى اليمن ومن سوريا وحتى البحرين وما يليها من أفغانستان وباكستان وغيرها من بلاد المسلمين حيث الارهاب التكفيري يعيث الفساد في الأرض والعباد بمال بترول آل سعود ونهيان وخليفة والثاني والصباح وغيرهم من الأنظمة القبلية الموروثية التي فرضها الاستعمار البريطاني العجوز بتفكيك وتقسيم دول المنطقة وتسليط أقذر الناس على رقاب المسلمين .
ملأ الامام أبو الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو ثامن أئمة أهل البيت، الكون نوراً منذ اللحظة الأولى من ولادته المباركة يوم 11 ذي القعدة من سنة 148 وقيل سنة 153 للهجرة في المدينة المنورة حيث استمرت إمامته 20 سنة، واستمر عطاءه الفياض بالخير والبركة على المسلمين والعالم الاسلامي ينبع بعلمه وخلقه وحكمته البالغة ومواقفه الرسالية الجليلة ضد الطغيان والاستبداد والفساد السياسي والأخلاقي ورفع أركان الاسلام من جديد بعد أن حاول بني العباس الذين تعلموا الانحراف والتزوير من سلطة بني أمية التي سبقتهم على رقاب الأمة، القضاء على النور الإمامي وأراد الله سبحانه وتعالى أن يتم نوره باشعاع نور الامام علي الرضا(ع).
كان للامام (ع) موضع حساس وثقيل في السلسلة الطاهرة المعصومة (ع) في الزمن الاسلامي والمضمون الولائي، حيث أن الدارس لسيرته يلتمس حقائق إسلامية ومعجزات إمامية تنطق بدور الإمام في المتغير الإسلامي، خصوصيته أنه جمع الاسلام جغرافية وفكرا ومدارسا ورتب بمواقفه حقائق الامامة رغم كل الاضطهاد الذي عاشه وعلى طول أزمنة أجداده حتى انتهت ولاية العهد إليه، على الرغم من ان الولاية عندهم منذ عالم الذر، فهم آل بيت عليهم السلام أرفع عن الدنيا وحطامها، بل هم حجج الله البالغة والمرشدة للدار الدائمة والامام الرضا(ع) كان يدرك تماما ماذا وراء عرض الخليفة العباسي المأمون لتولي ” ولاية العهد” وهو (ع) عظيم كل العظم في زهده للخلافة، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها، حتى شهد له أعداؤه في شأن الخلافة.
ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم من خلال موقف الامام علي الرضا(ع) المشرفة. كانت حياة الامام الرضا (ع) فاتحة مرحلة جديدة من حياة الأمة خاصة شيعة الرسول (ص) وآله الميامين الاطهار (ع) حيث خرجت بصائرهم وأفكارهم من مرحلة الكتمان الى الظهور والاعلان، ولم يعد الشيعة من بعد ذلك العهد طائفة معارضة في مناطق خاصة، بل أصبحوا ظاهرين في كل بلاد، وكان (ع) بمثابة قرآن ناطق، في خُلقه وعلمه ومكرماته وكان (ع) يمثل هذا النور بكل وجوده، وكان قلبه يستضيء بنور الله عزوجل، فأحبه سبحانه وتعالى ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمه، وجعله حجة بالغة على خلقه وهكذا أناب الامام الرضا (ع) إلى ربه فوهب البارئ له ما شاء من الكرامة والعلم، لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله عزوجل الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الانسان وبين حقائق الخلق. وكان (ع) في قمة التواضع وحسن المعاشرة مع الناس، وقد فاضت من هذه النفس الكريمة تلك الأخلاق الحسنة، وكان عظيم الحلم والعفو، وسيرته تشهد بذلك وكتب التاريخ غنيةً بذلك.
عاش في عصره (ع) ازدهرت الحضارة الاسلامية، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيين والرومانيين وغيرهم، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحدة وأحبار اليهود، وبطارقة النصارى، ومجسمة أهل الحديث. وفي تلك الأزمنة أتيحت له (ع) فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم، فظهر برهانه وعلا شأنه.
ويقف على ذلك من اطلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء (لقد جمع الشيخ الطبرسي قسما من هذه الاحتجاجات في كتابه الاحتجاج 2: 170 – 237). كان الامام الرضا (ع) أفضل الناس في زمانه وأعلمهم وأتقاهم وأزهدهم وأعبدهم وأكرمهم وأحلمهم وأحسنهم أخلاقاً، وكان يجلس في حرم النبي (ص) في الروضة والعلماء في المسجد فاذا عصت على أحدهم مسألة أشاروا إليه بأجمعهم وبعثوا إليه بالمسائل فيجيب عنها وقد جمع له المأمون جماعة من الفقهاء في مجالس متعددة فيناظرهم ويغلبهم حتى أقر علماء زمانه له بالفضل.
وكان والده الامام موسى بن جعفر (ع) يقول لبنيه وأهل بيته: هذا عالم آل محمد. وقد جمع بعض أصحابه 15 ألف مسألة من المسائل التي سئل عنها الرضا (ع) وأجاب عنها ولما وصل نيشابور( شمال شرق ايران قرب مدينة مشهد) عند ذهابه من الحجاز الى “مرو” (عاصمة خراسان آنذاك حيث سميت فيما بعد بمدينة مشهد المقدسة) ألتمس منه أهالي نيشابور أن يحدثهم فأخرج رأسه من القبة التي كان راكباً فيها فقال عليه السلام:”حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين عن أبيه أمير المؤمنين عن جبرائيل عن ميكائيل عن اللوح عن القلم عن الله عز وجل، ولاية علي بن أبي طالب حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي…” وهذا الحديث يسمى “حديث سلسلة الذهب”.
2017-07-24