الرئيسية / فقه الولاية / فقه الأحزان

فقه الأحزان

فقه الأحزان

  • عزاء الشهداء

  • أعراف و أحكام


الأمر الأول:

عزاء الشهداء

 

يختلف الأمر عندما يكون المعزَّى بهِ فقيداً عادياً – أي مات بعارضٍ ما -, عما لو كان المعزَّى بهِ شهيداً, وسبب الاختلاف هو ما منحه الشرع من قداسة رفيعةٍ لمعنى الشهادة, وكرامة الشهيد عنده عز وجل، يقول العلامة المفكر الشهيد مرتضى مطهري قدس سره:

… “الشهيد” كلمةٌ لها في الإطار الإسلامي قداسةٌ خاصةٌ, والإنسان الذي يعيش المفاهيم الإسلامية, ينظر إلى هذه الكلمة وكأنها مؤطرة بهالة من نور, كلمة “الشهيد” مقرونة بالقداسة والعظمة في جميع أعراف المجموعات البشرية، مع اختلاف بينهما في الموازين والمقاييس” 1.

وفي هذه المناسبات ينبغي على الإنسان المؤمن، الذي يذهب للعزاء, أن يهنئَ أهل الشهيدِ لأنَّ الله تعالى اختار ولدهم شهيداً, والشهادة هي كرامةٌ يمن الله تعالى بها على من يجتبيه من خلقه, وأنَّ الله عزَّ وجلَّ قد ميَّز الشهيد عن غيره، ممن فارق الحياة, فلم يضعه في مصافِّ الأموات, بل نهى عن نعتنا إياه بالميت.

يقول عز من قائل :﴿ وَلا تَقولوا لِمَنْ يقْتَل فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ

1- مرتضى مطهري-شهيد يتحدّث عن الشهيد – ص 16


بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعرونَ﴾ 2.

فالشهداء -إذاً- “أحياء” و”عند ربهم يرْزَقون… ” وما أعظمها من منزلة, والسنَّة تكْثِر من تشبيه المكانة السامية التي يمكن أن ينالها إنسان في حياته بمكانة الشهيد,لأنها ذروة الرقي والتكامل في المسيرة الإنسانية…

ما يقال في عزاء الشهداء

مما ينبغي أن يذكر في مجالس العزاء للشهداء، المنزلة التي وعد الله تعالى بها الشهداء, واستذكار ما كان من حسن صفاتهم, وحسن بلائهم وتضحياتهم, وكذلك ما روي من الأحاديث الشريفة التي عددت ما وعدهم الله تعالى به, وفضل المقام الذي وصلوا إليه.

منها ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه قال: “فوق كل ذي بِرٍّ بِرٌّ,حتى يقتل في سبيل الله, فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بِرٌّ” 3.

وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه و آله : “ما من قطرةٍ أحب إلى الله عزَّ وجلَّ من قطرةِ دمٍ في سبيل الله” 4.

2- البقرة:154

3- الشيخ الكليني-الكافي- ج 5 ص 53

4- م . ن. ج 5 ص 53


وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:”قيل للنبي صلى الله عليه و آله : “ما بال الشهيد لا يفْتَن في قبره ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : كفى بالبارقة فوق رأسه فتنة” 5,أي ببارقة السيوف,أي لمعانها.

ومن كان كذلك مقامه، فحقيقٌ أن لا يبكى عليه لأنه فارق الحياة, بل يبكى على فقد أمثاله مما بيننا, لأنَّ من يحمل هذه الروحيَّة المتميزة التي تؤهِّله لرضوان الله وكرامته, ففقده ثلمةٌ في الإسلام.

ففي الرواية عن أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال: “إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السماء التي كان يصعد أعماله فيها، وثلم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء، لأنَّ المؤمنين حصون الإسلام كحصونِ سورِ المدينةِ لها” 6.

ومما يقال أيضاً في عزاء الشهداء, أن يذكر أهل العزاء بما خص الله تعالى به الشهيد من الشفاعة في أهله وأحبائه, فقد ورد في الأثر أنَّ الله يقبل الشفاعة يوم القيامة من ثلاث طبقات: طبقة الأنبياء, وطبقة العلماء, ثم الشهداء, فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله : “ثلاثة يشفعون إلى الله عزَّ وجلَّ فيشفعهم: الأنبياء،

5- م . ن. ج 5 ص 54

6- الحر ّالعامليّ -وسائل الشيعة – ج 3 ص 283


ثم العلماء، ثم الشهداء” 7.

وهنا ينبغي أن نوضِّح بأنَّ الشفاعة هذه هي “شفاعة الهداية”, إنها تجسيد لما حدث في الدنيا من حقائق, فعن طريق الأنبياء اهتدى الناس ونجوا من الظلمات, والعلماء – في هذا الحديث – هم العلماء الربانيون في طليعتهم الأئمة الأطهار عليهم السلام , والرهط الصالح من أتباعهم ومن حذا حذوهم، وهؤلاء أيضاً ساروا على طريق الأنبياء عليهم السلام , وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور, والشهداء ينهضون بنفس الدور، يضيئون الدرب أمام الناس، فيهتدي من يريد الهداية بهم ، وبذلك يكون الشهداء شفعاء لمن اهتدى بهم 8.

 

شاهد أيضاً

فقه المسجد

 آداب المسجد تمهيد ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾. حينما يكون ...