الوقت- ما زال صدی خطاب ترامب أثناء حملته الانتخابية يجول في أذهاننا، عندما شبه غزو العراق وليبيا بأنه أسوء قرار تم اتخاذه في تاريخ بلاده، وبأنه أشبه برمي الحجارة على خلية نحل، وقال أنها واحدة من لحظات الفوضى العارمة في التاريخ، إذا مالذي يفعله ترامب الآن بإطلاقه العنان لجنوده بتكثيف الحملات العسكرية على اليمن مدّعياً محاربة تنظيم القاعدة هناك؟ والسؤال الذي يطرح نفسه ما السر وراء تواجد أمريكا أينما تواجدت القاعدة؟!
الجميع بات يعلم أن دائرة الخلافات بين السعودية وحلفائها تتوسع يوماً بعد يوم، على خلفية فشلهم بالعدوان على الشعب اليمني، لتطل علينا طائرات أسيادهم الأمريكيين في الأيام القليلة الماضية بعد تصاعد التوتر بين السعودية والإمارات وتقوم بعمليات إنزال جوي على جنوب اليمن تحت ذريعة محاربة الإرهاب، والقضاء على تنظيم القاعدة.
وإذا كانت أمريكا تدّعي أنها لاتريد الهيمنة على العملية السياسية وزيادة تواجدها العسكري في المنطقة، وأنها دخلت اليمن لحماية الأطفال من تنظيم القاعدة الإرهابي، فلماذا إذاً يموت هذا العدد الكبير من الأطفال والمدنيين بالغارات التي تنفذها على التنظيم. وهنا لابد من السؤال التالي بعد انتهاء ولاية ترامب، هل نحن على موعد مع رئيس أمريكي جديد يخبرنا بأن ماقامت به بلاده في اليمن هو عار على الولايات المتحدة الأمريكية، وأن قرار الدخول على اليمن كان أسوأ قرار تتخذه بلاد الحرية؟!.
بالعودة إلى تفاصيل العملية العسكرية الأخيرة، التي حملت معها مفاجأت للجنود الأمريكيين، فعلى مايبدو أن كره النساء لترامب لم يتوقف على نساء أمريكا بل تعدى ذلك ليشمل نساء تنظيم القاعدة، فخلال عملية الانزال الأخيرة فوجئ جنود القوات الخاصة الأمريكية بوجود عدد كبير من النساء المقاتلات في صفوف تنظيم “القاعدة”، وقيل أن هؤلاء النساء تدربن لمحاربة القوات الأمريكية.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض، شون سبايسر، أن الهدف من العملية الأخيرة في اليمن كان جمع المعلومات الإستخبارية معتبراً أنها كانت عملية ناجحة، بينما اعتبر الكثيرون أن الهدف من هذه العملية هو استهداف زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية “قاسم الريمي” وهذا ما نفاه المتحدث باسم البيت الأبيض.
الريمي أعلن في تسجيل مصور نشر له يوم الجمعة الفائت، أن عملية الانزال الجوي الأخيرة كانت فاشلة، وقال في كلمة وجهها للشعب اليمني: لقد تلقى أحمق البيت الأبيض الجديد صفعة مؤلمة، وحاول العسكريون الأمريكيون بشتى الوسائل إثبات نجاح العملية، لكن لم يكن لديهم أي دليل يثبت ذلك، فنشرو فيديو قالو إنه صور في مكان العملية، لكنهم سارعوا بسحبه بعدما لاحظوا أنه يعود لعشر سنوات مضت.
من جانبه أكد المتحدث باسم البنتاغون، جيف ديفيس، أن الهجمات هي جزء من الاستراتيجية الأميركية للسيطرة على شبكة القاعدة الإرهابية في اليمن. وقال جيف ديفيس أن جناح القاعدة في اليمن ينجح كل مرة بالهجوم على القوات الأمريكية، وهذه المنظمة الإرهابية هي “أكثر من أي منظمة إرهابية أخرى أيديها ملطخة بدماء الأمريكيين”.
الأهمية الاستراتيجية لليمن
اليمن والذي يعتبر جزء من شبه الجزيرة العربية، يتمتع بموقع جيوسياسي مهم جداً، فهو يطل على خليج عدن ومضيق باب المندب الاستراتيجي من جهة، وعلى الممرات المائية الحساسة للبحر الأحمر من جهة أخرى ، مما أعطاه أهمية استراتيجية كبيرة. ولهذه الأسباب وغيرها يسعى الأميركيون منذ فترة طويلة لإنشاء قاعدة دائمة في محافظة “لحج” اليمنية.
وتسعى أمريكا كما يرى محللون استراتيجيون للهيمنة على مضيق باب المندب وفي حال سيطرتها عليه ستقوم بابتزاز كل من أوروبا والصين، اللتين تعارضان سياسات ترامب الحالية، وتأتي أهمية هذا المضيق من كونه يشكل ممر لجزء كبير من التبادل التجاري بين الشرق والغرب.
من جهة أخرى تعتبر مناورة البنتاغون مع تنظيم القاعدة انذارا خطيرا للدول التي تعارض أمريكا، فالولايات المتحدة تسعى من خلال عملياتها العسكرية في اليمن لإعادة الهيبة للجيش الأمريكي الذي تعرض لخسائر كبيرة خلال السنوات الماضية، كما أنها تسعى لإظهار قدرتها العسكرية بشكل أكبر. وبعبارة أخرى، فإن ساسة البيت الأبيض يسعون لإظهار أنفسهم بأنهم يقومون بحماية وحراسة مصالح الرأسمالية العالمية وبأن لهم الحق في تحديد الأصدقاء والأعداء، كما كانوا يفعلون في العقود الماضية.
وفي النهاية يمكننا القول، على ترامب أن يعي جيداً أن العالم الواقعي ومعاركه يختلف كثيراً عن العالم الإفتراضي الذي لطالما برع فيه، وهذا ما سيدركه قريباً.
https://t.me/wilayahinfo