آراء وتحليلات
19/10/2022
عُرس الديكتاتور حمد
لطيفة الحسيني
الضخّ الإعلامي والإعلاني الرسمي لانتخابات البحرين المُرتقبة الشهر المقبل لا يتوقّف. بمعزلٍ عن المضمون الفارغ، تُقدّم منابر وأبواق النظام الاستحقاق على أنه عرسٌ ديمقراطي، غير أننا أمام حفلة أقلّ ما يقال فيها: للتهريج والاستعراض.
ليس مبالغة توصيف المشهد كذلك، فالخِفّة التي ظهر بها المرشّحون الـ561 للمقاعد الـ40 في مجلس النواب تقود الى استنتاج يبعث المواطن البحريني على اليأس لا الأمل، مع غياب التنوّع السياسي عن الصورة وإقصاء الجمعيات والأحزاب عن الانتخابات بأمرٍ ملكيّ عام 2018.
اذًا انتخابات النظام هي العنوان الحرفي الذي استبق المرجع الوطني آية الله الشيخ عيسى قاسم وأطلقه ليوم الـ12 تشرين الثاني/نوفمبر القادم. كيفما يشاء، يريد حمد بن عيسى أن تكون العملية الانتخابية: شكلًا ومرشحّين وناخبين.
بعدما تفرّد الملك بالانقلاب على دستور 1973 وكرّس دستورًا مُخالفًا عام 2002، باتت الانتخابات النيابية التي تجري كلّ 4 سنوات هَمًّا يُثقل المواطنين، جراء كَمِّ التبدّلات والاجراءات التي تفرضها السلطات كي تضمن نتائج في صالحها. على أثر تفجّر أزمة 2011 واستقالة كتلة “الوفاق” من البرلمان، ثمّ مقاطعة انتخابات عاميْ 2014 و2018، يمضي النظام وحده بلا شركاء الى يوم الاقتراع. لا سياسيين أو اقتصاديين أو مؤثّرين أو أصحاب شهادات ينافسونه، فهو قرّر قبل 4 سنوات أن يعزل قيادات وأعضاء الجمعيات بحكم نهائي والذين يقارب عددهم الـ90 ألفًا من مُجمل الكتلة الانتخابية التي تفوق الـ300 ألف، ثمّ قضى على من يتسلّح بخيار المقاطعة الديمقراطي، وشَطَب نحو 37 ألفًا من اللوائح الانتخابية كعقابٍ لهم لرفضهم المشاركة في استحقاق 2018، حتى وصل به الأمر الى تهديد من يدعو الى هذا الخيار اليوم بالسجن والتغريم.
وعليه، يُسأل من بقي ليترشّح؟ حسب رأي المعارضين والمنتقدين لكلّ هذه المسرحية المقبلة: يتصدّر المشهد الفارغون والجاهلون والذين لا يفقهون ألف باء العمل التشريعي والسياسي والمالي في البلد.
مرشّحون لا يفقهون التشريع
في 5 تشرين الأول/اكتوبر الفائت، “حجّ” المرشحون الى المراكز المخصّصة أفواجًا أفواجًا. يكفي مشهد فتح بوابة أحدى المراكز واندفاعهم لتسجيل أسمائهم كي يُدرك المتابع حجم المباراة غير الرياضية. الأغلب يتحرّك كي يُحقّق مكاسب شخصية لا أكثر.
أحدهم يترشّح كي يستعيد أرضه المسروقة، وآخر يترشّح حتى يُخفّض أسعار الأسماك في البحرين. البعض يترشّح تحت عناوين خيالية تحتاج معجزات لتتحقّق: زيادة الرواتب بنسبة 100%! مرشّح واثق من قدراته يطرح شعار الراحة النفسية للمواطن. أحد المرشّحين الشباب يقرّ بأنه أقدم على ذلك كي يستكمل مسيرة “الوالد” أو الجدّ. وعندما تُسأل إحدى المرشحات عن عدد الدوائر والمقاعد النيابية ترتبك ولا تُجيب، ثمّ تعترف بأنها لا تعرف بكلّ الأمور! والأسوأ أحد المرشّحين يُعرض على محكمة الاستئناف لأنه لا يجيد القراءة والكتابة. أكثر البرامج مدعاةً للسخرية تلك التي ظلّت سرية، هكذا بدا من خلال كلام أحد المرشّحين الذي رفض الإفصاح عنها خشية سرقتها. ما يدعو الى العُجب أن كلّ هؤلاء المرشّحين يعترفون بسوء مجلس 2018. المُضحك أيضًا استطلاع صحيفة “الأيام” قراءها البحرينيين وسؤالهم عمّا اذا كانوا يؤيّدون حيازة المرشّح على شهادة البكالوريوس!
كلّ هذا نقلته حرفيًا وبلا ترقيع وسائل إعلام النظام. صحف “الأيام” و”أخبار الخليج” و”البلاد” تكفّلت بالمهمة. أبرَزَت هذه النماذج الى الواجهة، على الرغم من مئات الانتقادات التي طالت المقاطع الخاصة بالمرشّحين في التعليقات على صفحاتهم، انسجامًا مع أوامر الديوان الملكي بضرورة إنجاح العملية الانتخابية، ومن هنايُفهم اجتماع وزير الإعلام بالمسؤولين عن الصحف. أمّا صحيفة “الوطن” المحلية فانتظرت إقفال باب الترشّح لتخلُص الى أن “المترشحين والناخبين لديهم الدراية الوافية في الاختيار وطرح الموضوعات التي تسهم في الارتقاء بالعمل التشريعي والخدمي”!
التعبير الأبلغ الذي يفي هذه المسرحية الهزلية حقّها قد يكون ما كتبه رئيس تجمع الوحدة الوطنية عبد الله الحويحي وطبعًا ليس محسوبًا على المعارضة، فهو أكد أن الجمعيات السياسية هي الأكثر قدرة على ترشيح الكفاءات، مشيرًا الى أن إقصاء الكثير من الطاقات المستقلّة أدّى الى عزوف أغلب الكفاءات عن خوض الانتخابات. بالموازاة، تعلو أصواتٌ كثيرة يوميًا من معسكر الموالاة وتُقرّ بالفجوة الكبيرة بين النظام والشعب.
يسعى النظام لطي صفحة الانتخابات مع وجوهٍ ضعيفة جاهلة بالحدّ الأدنى للعمل النيابي. يعتمد على الزخم الإعلامي المُكثّف الذي وحده يعكس التنافس الانتخابي خلافًا لما يجري على الأرض، مع إغفال إعراض الناس و”قرفهم” من هذه المشهدية، ويعوّل على أصوات المُجنّسين والعسكريين كي يوصل من يريد الى مقاعد البرلمان.
الإخراج اذًا مدروسٌ بعناية. لا مكان للمُعترضين، المبايعة واقعة بشخصيات طائشة وهزيلة ومغمورة. المهمّ أن يبقى الملك على العرش ويقول للغرب: الشعب معي، حتى لو كان شعبًا مُستوردًا ومسحوقًا ومُهدّدًا.