خط الإمام الخميني قدس سره
9 نوفمبر,2017
طرائف الحكم
2,687 زيارة
: العلماء
تمهيد
ورد عن الإمام الهادي عليه السلام: “لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إله، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله”[1].
لقد خرج الإمام الخميني قدس سره رافضاً كل المعايير التي اعتادها الناس، معلناً “لا شرقية ولا غربية” يأبى أن يستظل بإحدى القوتين، لم يعرف رأسه إلا ظلّ العمامة السوداء ولم يعرف بدنه إلا لباس العلماء.
وظلُّ العمامة يعني عند الإمام قدس سره الكثير. إنها تختصر الخط كله، إنها الإسلام، وقد صرح بذلك في كلام له مع أساتذة وطلاب الجامعة: “المعمم يعني الإسلام“[2].
مكانة العلماء
يقول الإمام الخميني قدس سره: “أولئك العلماء هم مظهر الإسلام، إنهم مبيّنو القرآن، إنهم مظهر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم”[3].
إن للعلماء مكانة خاصة عند الإمام الخميني قدس سره، هذه المكانة وهذه النظرة التي تجل العلماء نلاحظها عند الإمام الخميني قدس سره بشكل واضح في عدة ميادين:
أ- في كتاباته نجده يتعاطى مع العلماء بقدسية خاصة، فيطلق عليهم الألقاب الرفيعة والتي لم يطلقها على سواهم، ويظهر لهم كل احترام وإجلال، فنجده في كتابه الأربعين حديثاً، يطلق على الشيخ الكليني لقب ثقة الإسلام والمسلمين مرة، وحجة الفرقة وثقتها مرة أخرى، وشيخ المحدثين وأفضلهم مرة ثالثة. ويطلق على الشيخ نصير الدين الطوسي لقب أفضل المتأخرين وأكمل المتقدمين، وعلى الشيخ البهائي لقب الشيخ الجليل العارف، وعلى العلامة المجلسي لقب المحقق والمدقق و…، فهذا التعظيم والاحترام للعلماء والفقهاء والمحدثين ظاهر وواضح لكل من يقرأ صفحات كتابه هذا.
ب- وفي أسلوبه العملي في قيادة النظام، نجده استعان بالعلماء كعين ويد في جميع مؤسسات الدولة والعمل الإسلامية، حيث نجده قد وضع لنفسه ممثلين من العلماء في جميع المؤسسات، ولم يترك المؤسسات تعمل لوحدها من دون رقابة ومواكبة من العلماء.
ج- وفي مفاهيمه وأفكاره نجد للعلماء مكانة خاصة ومقاماً مميزاً يذكره بشكل واضح وصريح في كتاباته وخطبه، فالعلماء بنظره هم:
1- ورثة الأنبياء: يقول الإمام الخميني قدس سره: “إن العلماء الذين يربّون البشر هم ورثة الأنبياء، إنهم مبعوثون من قبِل الأنبياء”[4].
2- هم مظهر الإسلام وأدلاؤه: ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: “العلماء، وهم الأدلاء على الله“[5].
وهناك أكثر من كلمة للإمام الخميني قدس سره تؤكد على هذا المعنى، حيث يقول قدس سره: “أولئك العلماء هم مظهر الإسلام، إنهم مبينو القرآن، إنهم مظهر النبي الأكرم”[6].
3– هم حراس الإسلام: أي لقب عظيم هذا الذي يطلقه الإمام الخميني قدس سره على
العلماء، فإذا كان الإسلام هو كل النور ولا نور سواه، وهو كل الهداية وكل ما عداه سراب، وهو الجنان وكل ما عداه عذاب، وهو رضى الله والطريق إليه، هو الذي يعطي للحياة معنى وهدفاً، فأي شرف أن يكون العالم حارساً لكل هذا! وأي أخطار ستحيط بنا إن استغنينا عن خدمات الحارس في دنيا مليئة بالكيد والظلم والطغيان؟! يقول الإمام الخميني قدس سره مخاطباً مجموعة من العلماء: “اقتحموا الأمور، تدخلوا في الشؤون، لا يصح أن يقول أحدكم: أنا فقيه ولا شأن لي بغير ذلك، فأنت فقيه، ولكن يجب أن تتدخل في الشؤون، يجب أن تتدخل بمقدرات الناس، فأنتم حراس الإسلام، ويجب أن تحرسوه”[7].
ودورهم هذا يتأكد في زمن غيبة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ففي الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام: “لو لا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلاممن العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله”[8].
دور العلماء
هناك جانبان رئيسيان سنلقي عليهما الضوء في موضوع دور العلماء التاريخي:
أـ الجانب العلمي:
يعتبر الإمام الخميني قدس سره الدور العلمي للعلماء أساسياً جداً، ويمكن ملاحظة ثلاث مهام علمية أساسية للعلماء الأعلام قاموا بها على مر التاريخ:
الأولى: حفظ التراث الديني من الضياع والتلف
لقد حفظ لنا العلماء هذا الدين بكل أبعاده الفكرية والعملية، فتحمّل العلماء الأعلام على امتداد العصور هذه المهمة، إذ لولا جهودهم المباركة والمضنية لم يصل إلينا هذا الدين العزيز أصيلاً صافياً كما أراد الله ورسوله، كما لم تكن هذه المهمة بالسهلة
لأنها أتت في ظل مطاردة سلاطين وحكام الجور للعلماء وظلمهم سجناً وقتلاً وتشريداً، كما يذكر لنا التاريخ حوادث عدة وقعت ضمن سياق الاضطهاد والظلم. يقول الإمام الخميني قدس سره: “لم يكن سهلاً جمع العلوم القرآنية وآثار وأحاديث النبي العظيم والسنة وسيرة المعصومين عليهم السلام، وكتابتها وتبويبها وتنقيحها في ظروف كانت فيها الإمكانات قليلة جداً، وكان السلاطين والظالمون يسخِّرون جميع إمكاناتهم من أجل محو آثار الرسالة“[9].
الثانية: بيان هذا التراث وشرحه
إنَّ مهمة الحوزة وعلمائها الأعلام لم تقتصر على حفظ هذا التراث ونقله، بل تحملت مسؤولية بيان وشرح وإظهار المعاني والمقاصد لهذه النصوص الإلهية التي تبين هذا الدين، فكانوا الضمانة لعدم تحريف المفاهيم الإسلامية ولتطبيقها الصحيح خصوصاً في الأمور المستجدة، وقد أكد الإمام الخميني قدس سره على هذه المهمة حيث قال: “لولا وجود الفقهاء الأعزاء لم يكن معلوماً كيف كانت ستعرض على الناس علوم القرآن والإسلام وعلوم أهل البيت عليهم السلام”[10].
الثالثة: نشر الدين وترويجه
بالإضافة إلى مهمة حفظ الدين وبيانه، دأب العلماء الأجلاء في سبيل تبليغ الدين ونشره، وبذلوا الغالي والنفيس لتحقيق هذا الهدف الإلهي حتى قضى البعض منهم شهداء كالشهيد الأول والشهيد الثاني وأمثالهم الكثير من علمائنا، وقد أشار الإمام قدس سره إلى هذه الحقيقة فقال: “إنَّ العلماء المجاهدين والملتزمين بالإسلام بذلوا جهودهم طوال التاريخ وفي أصعب الظروف – وبقلوب ملأى بالأمل ونفوس فياضة بالعشق والمحبة – في تربية الأجيال وتعليمه”[11].
ب ـ الجانب الجهادي:
لم يكتف العلماء بثقل المسؤولية العلمية الجسيمة الملقاة على عاتقهم، بل قاموا بمواجهة الطواغيت والحكام الظالمين وحفظ المجتمع الإسلامي بما لديهم من إمكانات ووسائل متاحة، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، من العلامة السيد شرف الدين في لبنان، إلى العلامة المدرسي في إيران، والمرجع الكبير الشيرازي في العراق. يقول الإمام قدس سره: “إنَّ الشهداء العلماء لا يقتصرون على شهداء المواجهات والحروب في إيران، بل إنَّ عدد الشهداء المجهولين للحوزات والعلماء ممن قضوا غرباء خلال نشر المعارف والأحكام الإلهية على يد العملاء والجبناء كثير”[12].
مجالسة العلماء
لقد أكدت الروايات الواردة عن المعصومين الأطهار عليهم السلام على أهمية مجالسة العلماء والاستفادة منهم، فعن رسول الله: “من استقبل العلماء فقد استقبلني، ومن زار العلماء فقد زارني، ومن جالس العلماء فقد جالسني، ومن جالسني فكأنما جالس ربي“[13]. فتشبّه هذه الرواية الجلوس مع العلماء بمجالسة الله تعالى ورسوله الأكرما، وهذا يعني أن كل خير متوقع من هذه الجلسة، كما ورد في وصية لقمان لابنه: “جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك فإن الله عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء“[14].
وتدل هذه الرواية على فائدتين:
الأولى: هي العلم، فجلوسك مع العالم يفتح لك الطريق للاستفادة من علمه ومعرفته.
الثانية: هي الأدب، فالاستفادة لا تنحصر بالعلم النظري، بل تؤثر بالتربية والأخلاق الحسنة.
وللتخلي عن الاستفادة من العلماء آثار سلبية ومقيتة هي البعد عن ساحة رحمة الله وتسديده ألا وهي الخذلان من الله عز وجل – أعاذنا الله سبحانه وإياكم منها – فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام في بعض أدعيته التي تشكل مدرسة كاملة للتربية والتهذيب: “أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني”[15].
تنبيه
هناك رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجب التوقف عندها والتأمل فيها ملياً، لأنها تدق ناقوس الخطر للمسلمين، خصوصاً في هذه الأزمنة، حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: “سيأتي زمان على أمتي يفرون من العلماء كما يفر الغنم عن الذئب، ابتلاهم الله تعالى بثلاثة أشياء:
الأول: يرفع البركة من أموالهم.
الثاني: سلط الله عليهم سلطاناً جائراً.
الثالث: يخرجون من الدنيا بلا إيمان”[16].
نسأل الله تعالى أن لا يكون الزمان المقصود في هذه الرواية هو زماننا.
استهداف العلماء
أمام هذا الدور المهم والأساس للعلماء، قام المستكبرون والمستعمرون الطامعون بالسيطرة على الأمة ومقدراتها باستهداف هذا الحصن، كما استشرف ذلك الإمام الخميني قدس سره حيث قال: “عليّ أن أُبيِّن لجميع الحوزات العلمية، من حوزة قم وحوزة مشهد وجميع الحوزات التي ترونها، وأقول: إنكم اليوم على رأس لائحة المستهدفين للأهداف الخبيثة للدول الكبرى”، وأما أشكال الاستهداف فمتعددة، منها الدعاية ضدهم وتشويه صورتهم “إنهم يعرضون الإسلام بشكل سيئ ويعرضون المعمم بشكل سيئ، لماذا؟ لأن ما يقف في وجههم هو الإسلام، ولأن من يريد تطبيقه هو المعمم.
أولئك لا يريدون أن يتحقق هذا الأمر، لهذا يريدون عرض الإسلام بشكل سيئ ليبتعد الناس عن الإسلام وليهمّش المعمَّم، ويبقون هم، فيفعلون ما يحلو لهم“[17].
أخطاء الأفراد
من المشكلات التي نبّه إليها الإمام الخميني قدس سره، هي نسبة خطأ الشخص أو اشتباهه أو تقصيره إلى خط العلماء وتعميمه على كل الأفراد، وهذا تعاطٍ خطير لأنه سيتسبب بالإساءة إلى الحوزة والعلماء.
يقول الإمام الخميني قدس سره: “إنَّ الناس إذا رأوا سلوكاً منحرفاً من رجل دين فإنهم سيسيئون النظر بكل رجال الدين لا بهذا الشخص فقط الذي رأوا في سلوكه انحرافاً، ويا ليتهم كانوا يقتصرون في إساءة الظن على شخص واحد، ولا يعممون الحكم على الآخرين. إنَّ الناس لا يحللون الأمور عندما يرون عملاً غير لائق من معمم، انَّ بين الكسبة أيضاً والموظفين أفراداً منحرفين وغير مستقيمين، وكذلك بين المعممين أشخاص غير صالحين ومنحرفون، ولكن لو أن بقالاً كان منحرفاً نرى الناس يقولون البقال الفلاني منحرف، ولو أن عطّاراً كان منحرفاً يقولون إن العطار الفلاني منحرف، لكن إذا قام معمم بعمل غير لائق يقولون: المعممون سيئون!”[18].
فالأخطاء أو الاشتباهات الفردية والجزئية لا يجوز أن تجرّئنا على النيل من المقام المعنوي للعلماء، يقول الإمام الخميني قدس سره: “كل من يرى كتاب جواهر الكلام يدرك مدى جهود المجتهدين الذين يتطاول اليوم عليهم عدد من رواد الأزقة ليحددوا لهم تكليفهم”[19].
حفظ الأمانة
يقول الإمام الخميني قدس سره: “إذا خسر الإسلام كل شيء – لا سمح الله – وبقي فقهه بالطريقة الموروثة عن الفقهاء العظام، فسيستمر في طريقه. أما إذا ما حصل الإسلام على كل شيء وخسر – لا سمح الله – فقهه على طريقة السلف الصالح، فلن يمكن الاستمرار في الطريق الصحيح، وسينتهي الأمر إلى الضياع”[20].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص6.
[2] صحيفة النور، ج 21، ص 93.
[3] من كلام لسماحته بتاريخ 23-2-978 ، حول عوامل انتصار الثورة الإسلامية، صحيفة نور، ج 4، ص 93.
[4] من كلام لسماحته بتاريخ 22-6-1979م في جمع من السيدات وقوات حرس الثورة الإسلامية، صحيفة النور، ج 7، ص 181.
[5] محمد الريشهري، ميزان الحكمة ج 4، ص 2420، تحقيق ونشر وطبع دار الحديث، ط1، دور فساد الخاصة في فساد العامة.
[6] من كلام لسماحته بتاريخ 23-12-1978م، حول عوامل انتصار الثورة الإسلامية، صحيفة النور، ج 4، ص 93.
[7] من كلام لسماحته بتاريخ 6-3-1979م في جمع من علماء وطلاب قم المقدسة.
[8] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص6.
[9] راجع: مكانة العلماء، ص25.
[10] م.ن، ص26.
[11] م.ن، ص 28.
[12] مكانة العلماء، ص29.
[13] الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص2068.
[14] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص204.
[15] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجادية، ص223، تحقيق السيد محمد باقر الموحد الأبطحي الأصفهاني، نشر مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ قم، مطبعة نمونه، ط1، 1411هـ، دعاؤه عليه السلام في سحر شهر رمضان.
[16] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج22، ص454.
[17] من كلام لسماحته بتاريخ 11-10-1978م، حول مهمة الشاه في تنفيذ المشاريع الاستعمارية، صحيفة النور، ج 2، ص 139.
[18] الجهاد الأكبر، ص10.
[19] من كتاب كشف الأسرار للإمام الخميني قدس سره.
[20] من ندائه في الذكرى الرابعة لانتصار الثورة الإسلامية بتاريخ 11 – 2 – 1983م.
2017-11-09