خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب اله
26 مايو,2017
اخبار العلماء
845 زيارة
نبارك لكم ولعموم المسلمين قرب حلول شهر رمضان المبارك الذي نسأل الله أن يعود عليكم وعلى الأمة بالخير والأمن واليمن والبركات.
سَأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رسول الله (ص) بعدما أنهى خطبته الشهيرة التى خطبها في آخر جمعة من شهر شعبان والتي أوضح فيها عظمة شهر رمضان: ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال (ص): يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.
من الأهداف العظيمة للصيام هو تربية التقوى في شخصية الإنسان، وتحقيق وتجسيد صفة الورع في سلوكه وحياته، والورع هو: الكف عن المحارم والتحرج منها. بمعنى أن يتهيب الإنسان الوقوع في المعصية وأن يتحرج من الوقوع في الحرام، كما يتهيب ويتحرج من الوقوع في أي شيء يكرهه أو يضر به.
ينبغي أن يكون لدى الإنسان رهبة داخلية تجاه المعاصي والمحرمات والسيئات والانحرافات المختلفة، فإذا كانت لديه هذه الرهبة كان لديه ورع يحجزه ويمنعه عن ارتكاب المحرمات والمعاصي .
وقيمة الورع تتحقق عندما تكون فرص الإقدام على المعاصي متاحة لدى الإنسان، أي يكون قادراً على ارتكاب الحرام ولكنه يحجم ويمتنع، وتكون الشهوات والإغرءات والملذات متوافرة أمامه ولكنه يتورع عنها، يمكنه أن يتناول الحرام ويحصل عليه لأنه أمامه وفي متناول يده ولكنه خوفاً من الله يمتنع عن ذلك، يمكنه أن يسرق أو يأخذ ما ليس له به حق أو يزني أو يشرب الخمر او يتعاطى المخدرات بعيدا عن أعين الناس ومن دون أن يشعر به أحد إلا أنه لا يفعل ذلك لورعه، هذا هو الورع الذي يثاب عليه الإنسان ويقدر لأجله الإنسان، وإلا فإن إحجام الإنسان عن المعاصي وهو أساساً لا يملك القدرة على الوصول إليها لا معنى له ولا قيمة له.
قيمة الورع تتجلى عندما تكون كل المغريات متوافرة لدى الإنسان وتدعوه للإقدام على المعصية من دون أن يراه أحد أو يشعر به أحد، ولكنه يمتنع لأنه يخشى الله، ويعرف بأن الله يراه.
وقد تجلّت قيمة الورع في قصة نبي الله يوسف (ع) ، عندما حاولت امرأة عزيز مصر إغراءه فقال لها معاذ الله، ورفض رفضاً قاطعاً أن يستجيب لها، يقول تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ يوسف، 233.
والأحاديث والروايات الواردة عن النبي(ص) وأهل بيته(ع) تؤكد أن صيام شهر رمضان إنما يتحقق بتحقق الورع، والإمتناع ليس عن الطعام والشراب فقط بل عن كل المحرمات والسيئات.
فعن النبي(ص) أنه قال: ((إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرّفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم)).
وعن فاطمة الزهراء (ع:( ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يَصُن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه.
وعن الإمام الصادق (ع) انه قال لمحمد بن مسلم: «يا محمد إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ولحمك ودمك وجلدك وشعرك وبشرتك».
فلا تكذب ولا تفتن ولا تضمر السوء لغيرك ، ولا تنظر النظر الحرام ولا تسمع الشيء الحرام ولا توقع الناس في الضلال والإنحراف ولا تشوش أفكار الناس وعقول الناس، ولا تتآمر على أخيك المسلم ولا على مجتمعك الإسلامي، ولا تحقد ولا تحرض ولا تبخس الناس أشيائهم عندما تبيع وتعقد الصفقات ، وتمسّك بالأمانة، وما إلى ذلك.
الورع هو التدين الحقيقي هو الإحتياط في الدين هو التورع عن ارتكاب الشبهات كما قال الإمام علي(ع) : الورع الوقوف عند الشبهة..
التدين والاحتياط الحقيقي لا يكون في الالتزام الظاهري بالعبادات والفرائض فقط وإنما يتمثل فعليًا في احترام حقوق الناس ورعاية حرماتهم وأعراضهم وعدم سفك دمائهم.
فعن الإمام الصادق(ع : (لا ورع أنفع من تجنب محارم الله عزّ وجل، والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم.
بعض المتدينين يحرصون بشدة على أن تكون عباداتهم صحيحة وتامة يحرصون على صحة صلاتهم وصومهم وحجهم وقد يقومون بواجباتهم الجهادية أيضاً ولكنهم يتساهلون بدماء وأموال وحرمات وحقوق الآخرين. يتناولون أعراض الناس في مجالسهم وسهراتهم ولا يتركون عيبا مستورا إلا كشفوه، ويهتكون أسرار الناس الخاصة ويأخذون أموالهم بغير حق ولا يلتزمون بأداء الديون ووالأمانات والحقوق المالية إلى أصحابها.. هذا ليس تديناً حقيقياً حتى لو كان الإنسان يصوم ويصلي ويقرأ القرآن ويحتاط في أموره العبادية.
الاحتياط الشديد الذي يظهره بعض الناس في أمور الصلاة والصيام والعبادات ينبغي أن يوازيه احتياط مماثل في رعاية حرمات الناس ودماء الناس وحقوق الناس بما في ذلك حقوق الورثة التي تكون تحت يد الوصي وحقوق العاملين عند أصحاب العمل.
كما يجب احترام ومراعاة سمعة وأعراض الآخرين. لأن الاساءة للناس واغتياب الناس وكشف أسرارهم وإشاعة الفاحشة بينهم هيمن الذنوب الكبيرة والعظيمة.
بعض الناس يدعون التديّن والالتزام ولكنهم يخوضون في مجالسهم وسهراتهم او في الدردشات التي تحصل بينهم على وسائل التواصل في أعراض الناس وينالون من سمعتهم.
الله سبحانه يغفر الذنوب المتعلقة بحقوقه، إلا أنه تعالى ليس في وارد العفو والتسامح مع المتجاوزين على حقوق الآخرين.
لا قيمة للتدين والأعمال العبادية ولا للصيام والقيام إذا كان الصائم لا يتورع عن الإساءة والطعن في أعراض وسمعة الآخرين.
لا قيمة للتدين ولا قيمة للعبادة بدون ورع .. والورع يجب أن يكون منهجاً في الحياة، وسلوكا دائماً وفي مختلف الظروف والأوضاع وليس في شهر رمضان فقط أو في المواسم والأزمنة العبادية، وهذا ما دلت عليه الأحاديث الشريفة:
فعن النبي (ص): خير دينكم الورع
وعنه (ص): من لم يكن له ورعٌ يرده عن معصية الله تعالى إذا خلا بها، لم يعبأ الله بسائر عمله، فذلك مخافة الله في السرّ والعلانية.
وعن الإمام الصادق(ع : (ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه.
والطريقة التي نستطيع من خلالها تحقيق صفة الورع في شخصيتنا وسلوكنا وحياتنا تكون:
أولاً- بالوعي، بأن نعرف الذنوب والمعاصي ونعي آثارها وتداعياتها السلبية على نفسيته أخلاقه وحياته، فإذا وعى الإنسان حجم المخاطر والآثار السلبية التي تتركها المعاصي في حياته فإن ذلك يمنعه ويحصّنه من الوقوع فيها، وويدفعه للورع عنها.
ثانياً- الشعور برقابة الله تعالى، بأن يستحضر الإنسان الله دائماً ، بأن يشعر بحضوره ورقابته واطلاعه على جميع أعماله وخطواته ، فاذا اراد الإقدام على المعصية يشعر بأن الله حاضر يرى ويسمع ويشاهد، فيمتنع.
ثالثاً- اليقين بيوم القيامة وأن هناك يوم سيقف فيه الإنسان بين يدي الله للحساب، سيقف في يومٍ تشخص فيه الأبصار وفي يوم لا ينفع فيه أحد أحداً، ولا ينفع فيه مال ولا بنون ولا مجاه ولا موقع ولا سلطان( يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم) وبذلك يتورع الإنسان عن محارم الله.
رابعاً- قوة الإرادة، فبها يستطيع أن يصمد الإنسان أمام الشهوات والمغريات، بينما الذين سقطوا في الإنحرافات وابتلوا بالمحرمات كانت إرادتهم ضعيفة وعاجزة ومهزوزة.
على الانسان أن يتذكر دائماً أن الهدف الأسمى من الصيام هو التقوى وتربية الذات على الورع، ولذلك أكَّدت الروايات على أولوية الورع عن محارم الله على غيره من الأعمال العبادية، وعلى أفضلية الورع عن المحرمات على الكثير من العبادات والمستحبات، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: ” ترك لقمة الحرام أحبّ إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوعاً … “وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ” غض الطرف عن محارم الله أفضل عبادة ” وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: ” من أجتنب ما حرّم الله فهو أعبد الناس “.
فالمتدينون الذين يتنافسون على المستحبات في شهر رمضان، الأولى بهم أن يتنافسوا على الورع ، ومن منهم أشد ورعاً عن المحرمات من الآخر.
من يتنافس على فعل الخير في شهر رمضان، الأولى به أن يتنافس أيضاً في مجال الكف عن الإساءة للناس وظلم الناس واضطهادهم وسفك دماءهم .
ما يجري من سفك لدماء الناس الأبرياء العزل في البحرين واليمن والعوامية هو جريمة بحق الإنسانية وهو قمة الإرهاب الذي تمارسه دولة اسمها السعودية، تدعي الإسلام، وتدعي نفاقاً أنها تحارب الإرهاب! وهي وحليفتها أمريكا يمارسان الإرهاب بأبشع صوره، بل هما الراعيان الحقيقيان للإرهاب في المنطقة والعالم.
من الأكاذيب المكشوفة والفاضحة أن ترمى تهمة الارهاب في وجه إيران وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وأن توصف إيران بأنها “رأس حربة الارهاب العالمي!” من قبل دولتين بات العالم كله يعرف بأنهما أساس الارهاب ومصدره الحقيقي.
الولايات المتحدة الأمريكية مارست كل أشكال الارهاب قديماً وحديثاً بحق دول وشعوب عديدة في العالم وفي المنطقة، من هيروشيما وناكزاكي في اليابان إلى فيتنام وأفغانستان، وصولاً إلى العراق وغيرها. كل الارهاب الذي مارسته إسرائيل ولا تزال في فلسطين ولبنان والمنطقة إنما هو برعاية أمريكية وبسلاح أمريكي. المجازر الاسرائيلية في فلسطين ولبنان، التنكيل بالشعب الفلسطيني وبالأسرى الفلسطينيين جرى ويجري بغطاء امريكي ورعاية امريكية.
الولايات المتحدة الأمريكية هي التي صنعت القاعدة وداعش وأخواتهما باعتراف ترامب نفسه وهيلاري كلينتون وغيرهما من المسؤولين الأمريكيين.
أما النظام السعودي فهو المسؤول الأول عن الفكر التكفيري، وهو شريك الأمريكي في تأسيس ورعاية وتمويل الجماعات الارهابية على اختلاف مسمياتها في المنطقة.
ماذا فعلت السعودية في اليمن والعراق وسوريا والبحرين سوى أنها سفكت دماء شعوب هذه الدول؟ أنظروا كيف ان المتورط في سفك دماء شعوبنا يصبح ضد الارهاب بينما الذي يواجه الإرهاب ويقدم تضحيات في هذه المواجهة يوصم بالإرهاب؟!.
ومن المفارقات العجيبة وغرائب الدهر أن تؤسس السعودية مركزاً في الرياض لمكافحة الفكر المتطرف!!.
حسناً، أول فكر متطرف تجب مكافحته هو الفكر الوهابي التكفيري الذي يرفض الآخر ويرفض التعايش مع الآخر، ويدعو إلى الكراهية والحقد والتكفير، ويغذي الجماعات التكفيرية المتوحشة عقائدياً وفكرياً وثقافياً وايديولوجياً.
معظم قادة داعش والنصرة والقاعدة والفصائل الارهابية المتوحشة هم سعوديون أو أشخاص تربوا على الفكر الوهابي، ونهلوا من أفكار ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.
آل سعود والوهابيون هم وشركاؤهم الامريكيون والاسرائيليون منتجو ومؤسسو الارهاب في المنطقة والعالم وداعموه وممولوه ورأس الحربة فيه، وليس ايران ولا حزب الله ولا حركات المقاومة في المنطقة.
الجمهورية الاسلامية وحزب الله وحلفاؤهما وحركات التحرر والمقاومة في المنطقة هم الذين واجهوا الارهاب وتصدوا له وقدموا دماءً طاهرة وشهداء أعزاء على هذا الطريق، بينما أنتم كنتم ولا زلتم تحركون الارهاب وتستخدمون الجماعات الارهابية لخدمة مشاريعكم ومؤامراتكم.
نحن مستمرون في هذه المعركة بكل قوة وشجاعة ومعنا شعوب هذه المنطقة المظلومة والشريفة ومعنا كل أحرار العالم، ولن تنفعكم لا القمم ولا شراكة الامريكي والاسرائيلي لكم، ولا كل الاموال والثروات الطائلة التي تنفقونها على أسيادكم والكثير من شعبكم جائع، لن ينفعكم ذلك في ترهيبنا، ولن يجعلنا ذلك نخافكم أو نضعف او نتراجع او نقلق أو نتردد، بل سنواصل الطريق الذي سلكناه في مواجهة إرهابكم وأدوات ارهابكم بكل عزم وقوة دفاعاً عن أهلنا وشعبنا وبلدنا وحقوق أُمتنا. والحمد لله رب العالمين
المصدر: انترت
2017-05-26