ليالي بيشاور – 80 لسلطان الواعظين
1 أبريل,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
775 زيارة
أقبل القوم بعدما أتممت صلاة العشاء ، فاستقبلناهم بالترحاب ، فجلسوا وشربوا الشاي .
ثم تكلم السيد عبد الحي قائلا :
لقد صدرت منكم في البحث الماضي كلمة لا ينبغي لمثلكم أن يتفوه بها ، لأنها تسبب تفرقة المسلمين، والله تعالى يقول: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )(1) ( ولا تنازعوا فتفشلوا )(2).
قلت ( متعجبا ) : أرجو أن توضح ما هي تلك الكلمة ؟! فربما صدرت في حال الغفلة .
السيد عبد الحي : في الليلة الماضية ، في أواخر البحث عن فوائد الزيارة قلتم : إنكم تعتقدون بأن زيارة مشاهد أهل البيت من علائم الإيمان ، وقلتم ليس كل مسلم بمؤمن !
بينما المسلمون كلهم مؤمنون والمؤمنون كلهم مسلمون !
فلماذا تفرقون بينهم وتجعلونهم قسمين متمايزين ؟!
أليس هذا الانقسام يضر الإسلام ! وقد تبين لنا من كلامكم شيء ، وهو أن عوام الشيعة ( خاصة في الهند ) حين يحسبون أنفسهم مؤمنين ويحسبوننا مسلمين ، مأخوذ من علمائهم .
وهذا الأمر مخالف لرأي جمهور علماء الإسلام ، إذ لا يفرقون بين الإسلام وبين الإيمان.
الفرق بين الإسلام والإيمان:
قلت : أولا : ، قولك : جمهور علماء الإسلام لا يفرقون بينه وبين الإيمان . فغير صحيح ، لأننا نجد في الكتب الكلامية اختلافا كثيرا حول الموضوع لا بين الشيعة والسنة فحسب ، بل نجد الاختلاف ساريا في أقوال أهل السنة والجماعة أنفسهم أيضا ، فالمعتزلة على خلاف الأشاعرة . وبعض علماء الشافعية والحنفية على خلاف رأي أحمد ومالك .
ثانيا : لا يرد إشكالك على كلامي ، لأن كلامي صدر على أساس قوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )(3) الخ .
فالآية الكريمة تصرح بأن الإسلام والتسليم في الظاهر ، والإيمان يرتبط بالقلب ، والآية تنفي إيمان قوم في حين تثبت إسلامهم ، فالمسلم ، من شهد بالتوحيد والنبوة فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا (ص) رسول الله . فحينئذ يكون للمسلم ما للمؤمنين في الدنيا ، من الحقوق الاجتماعية والمدنية والشخصية ، دون الآخرة ، فقد قال تعالى : ( ما له في الآخرة من خلاق )(4).
السيد عبد الحي : نقبل بأن الإسلام غير الإيمان ، فقد قال سبحانه وتعالى : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا )(5).
فهذه الآية تفرض علينا الالتزام بالظاهر وأن لا ننفي الإسلام عمن أظهر الإسلام .
قلت : نعم كل من نطق بالشهادتين ، فما لم يرتكب منكرا يلازم الكفر والارتداد ، ولم ينكر إحدى الضرورات الإسلامية كالمعاد ، فهو مسلم ، نعاشره ونجالسه ونعامله معاملة الإسلام ، ولم نتجاوز الظاهر ، فإن بواطن الناس لا يعلمها إلا الله سبحانه ، وليس لأحد أن يتجسس على بواطن المسلمين . ولكن نقول : بأن النسبة بين الإسلام والإيمان ، عموم مطلق(6).
مراتب الإيمان:
لقد أمر النبي (ص) أمته عند اختلاف الأقوال وتضارب آرائهم ، أن يأخذوا بقول أهل بيته ويلتزموا برأيهم ، لأنهم أهل الحق والحق لا يفارقهم . فلذلك إذا بحثنا في أحاديث أهل البيت عليه السلام لنجد حقيقة موضوع حوارنا ، نصل إلى قول الإمام الصادق عليه السلام إذ يقول : ” إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل . فمنه الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه ومنه التام المنتهى تمامه . وأما الإيمان الراجح فهو عبارة عن إيمان الشخص الذي يتصف ببعض لوازم الإيمان ، فهو راجح على الذي لا يتصف بها فالثاني ناقص إيمانه ، وأما التام المنتهى تمامه ، فهو الذي يتصف بكل لوازم الإيمان . وقد قال سبحانه وتعالى فيهم : ( أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم )(7).
وأما الصفات اللازمة للإيمان فهي كثيرة منها كما في الحديث المروي عن رسول الله (ص) قال : يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان ، وأبواب الجنة مفتحة له : من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته ، وأدى زكاة ماله ، وكف غضبه . وسجن لسانه ، واستغفر لذنبه ، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه(8) ونحن نعتقد أن زيارة مشاهد أهل البيت عليهم السلام يدخل ضمن العنوان الأخير . فالذي أسلم ، هو مؤمن في الظاهر ولا نعلم باطنه ، ولكن أعماله تكشف عن حقيقة إيمانه ، ومراتب رسوخ الإيمان في قلبه وباطنه وقد جاء في تفسير الآية الكريمة : ( يا أيها الذين آمنوا آمِنوا )(9).
أي : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم آمنوا بقلوبكم .
وخاطب النبي (ص) جماعة من أصحابه فقال : يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان بقلبه .
فلا شك أن بين الإسلام والإيمان فرقا لغويا ومعنويا . وللمؤمن علائم تظهر في سلوكه وأعماله .
ثم اعلموا بأننا لا نفتش عن بواطن الناس ولا نفرق بين المسلمين ، ولكن نعاملهم على حد أعمالهم ، فهناك من ينطق بالشهادتين ولكن يستخف بالصلاة والصوم ويستهين بالحج ولا يدفع الزكاة ويخالف القرآن الحكيم وأوامر النبي (ص) وأهل بيته ، فليس هذا عندنا من الاحترام والتكريم ، كمن ينطق بالشهادتين ويلتزم بأحكام الدين فيعمل بكل الفرائض ويترك المنهيات ويطيع الله ورسوله (ص) وعترته عليهم السلام لقوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )(10).
فالإسلام يتحقق باللسان ، وهو بداية المرحلة الأولى من الإيمان ، ويترتب عليه الأحكام الدنيوية كالحقوق الاجتماعية والشخصية والمدنية .
ولكن الإيمان المطلق فيتحقق باللسان والقلب ، ويظهر بالأعمال الصالحة التي تصدر من جوارح المؤمن وأعضاءه بدنه ، وحتى اللسان ، وهو يحب أن يكون مطلقا ، يتقيد بالإيمان فلا يتكلم إلا بالحق والصبر ، كما قال تعالى : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)(11).
وجاء في الحديث الشريف :
الإيمان هو الإقرار باللسان والعقد بالجنان والعمل بالأركان .
لماذا ترفضون الشيعة !!
إذا كنتم ملتزمين بهذا الأصل العام ، إن كل من نطق بالشهادتين فهو مسلم ومؤمن وأخ في الدين . فلماذا تطردون الشيعة وترفضونهم بل تعادونهم ، ولا تحسبون مذهبهم من المذاهب الإسلامية ! وكلكم تعلمون بأن الشيعة يشهدون أن لا إله الله ، وأن محمدا رسول الله وخاتم النبيين . ويعتقدون بأن القرآن كلام الله العزيز ويلتزمون بكل ما جاء به المصطفى (ص) ، فيصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويجاهدون في سبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويعتقدون بالبعث والمعاد وبالمحاسبة والجزاء ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )(12) لذلك يلتزمون بترك القبائح والمحرمات كالظلم والسرقة والخمر والزنا والقمار واللواط والربا والكذب والافتراء والنميمة والسحر وغيرها من المحرمات .
فنحن معكم نعتقد بإله واحد ونبي واحد ودين واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة ، ومع ذلك كله نراكم تفترون علينا وترموننا بالكفر والشرك ! وهذا ما يريده الأجانب والمستعمرون ويفرحون منه .
فلماذا هذا الظلم والجفاء وهذا التقول والافتراء علينا ؟!!
ألم نكن معكم متفقين على دين واحد ، ومتفقين على أصوله وفروعه وأحكامه ؟ ـ غير الإمامة والخلافة ـ وأما الاختلاف الموجود بيننا وبينكم في بعض الأحكام الفرعية ، فهو اختلاف نظري ورأي فقهي ، كالاختلاف الواقع بين الأئمة الأربعة لأهل السنة والجماعة . بل في بعض المسائل تكون اختلافاتهم أشد من اختلافنا مع بعضهم . هل أعددتم جوابا ليوم الحساب إذا سئلتم عن سبب هذا الموقف البغيض والحقد العريض على الشيعة المؤمنين ؟ وهل يقبل منكم إذا قلتم : إننا اتبعنا أسلافنا من الخوارج والنواصب ، المعادين للعترة الهادية والفرقة الناجية ؟!!
فليس للشيعة ذنب ، سوى أنهم سلكوا الطريق الذي رسمه النبي (ص) بأمر الله سبحانه ، فأمر المسلمين بمتابعة أهل بيته وإطاعة عترته من بعده .
فقال (ص) : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا .
فالشيعة أخذوا بأمر النبي (ص) وتمسكوا بالثقلين .
وأما غيرهم فقد أخذوا بقول غير النبي (ص) إذ عارضوه فقالوا : كفانا كتاب الله ! فتركوا أهل البيت والعترة الطاهرة الهادية عليهم السلام .
الشيعة أخذوا أحاديث رسول الله (ص) عن طريق أهل بيته عليهم السلام ، وغيرهم أخذوا الأحاديث عن طريق أبي هريرة وأنس وسمرة وأمثالهم ، وتركوا طريق أهل البيت الطيبين عليهم السلام .
وللحصول على أحكام الدين ابتدعوا القياس والاستحسان حسب ما تراه عقولهم ، وتحكم به أفكارهم ، كل ذلك ليستغنوا عن العترة الهادية !!
#ليالي_ بيشاور 2019-04-01