الرئيسية / بحوث اسلامية / دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه واله – أبو هريرة

دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه واله – أبو هريرة

تأليف: الامام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي 02

الصفحة 11

العلاء بعنان فرسه فسار على وجه الماء وجه الماء! وسار الجيش وراءه (قال أبو هريرة) فو الله ما ابتل قدم ولا خف ولا حافر!

ومنها: حديثه عن مزودة المبارك اذ كان فيه تميرات طعم منها الجيش كله حتى شبع والنميرات على حالها فكانت معاشه مدة أيامه على عهد النبي صلى الله عليه واله وابي بكر وعمر وعثمان، حتى كانت مأساة هذا المزود الكريم في طى مأساة عثمان، اذا انتهب مع ما انتهب في تلك المحنة.

ومنها: حديثه عن داود إذ خفف القرآن عليه فكان يقرؤه كله في وقت لايسع قراءته كان ـ فيما زعم أبو هريرة ـ يأمر بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، فهل هذا إلا كقول القائل: كان يضع الدنيا على سعتها في البيضة على ضيقها؟

* * *

ومنها: أحاديث تناول فيها الحق تبارك وتعالى فصوره في اشكال تعالى الله عز وجل عنها علواً كبيرا.

كحديثه في ان الله خلق آدم على صورته؛ طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً. وقد تطور فيه، فتارة رواه كما سمعت. وتارة بلفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته. ومرّة بلفظ اذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فان الله خلق آدم على صورته، ومرة رواه بلفظ: خلق آدم على صورة الرحمان.

وهذا افتتان في خيال طريف في تصوير الله تعالى وآدم ضمنه أدباً بارعاً وتعاليم إن ننسبها الى الدين الاسلامي نجد فيها إغراباً يثير فينا الضحك والبكاء في آن واحد.

وحديثه في أن الله تعالى يأتي هذه الأمة يوم القيامة في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا

الصفحة 12

فاذا أتانا عرفنا فيأتيهم في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم! فيقولون أنت ربنا فيتبعونه، في قصة طويلة مظلمة باردة ذات خيال شرود آبد يعرض الله في اشكال يتنكر في بعضها! ويغدو على عباده! ويروح في ملابسات فيها النكتة وفيها الحوار وفيها المخادعة! وفيها الضحك من الله في غير عجب! على نحو لا يقتصر الاصطدام فيه بالعقائد الاسلامية والمستقلات العقلية فحسب. بل يصطدم الى ذلك باللياقات الملكية إذا ما شينا ـ والعياذ بالله ـ فكرة التجسيم حاشا لله وتعالى الله وتقدست أسماؤه.

وحديثه في أن جنهم لا تمتلئ حتى يضع الله رجله فيها! في خراقة فيها افتخار النار بالمتكبرين واستكانة الجنة بدخول سقطة الناس اليها.

وحديثه في أن ربه ـ تعالى الله ربنا ـ ينزل كل ليلة الى السماء الدنيا يقول من يدعوني فاستجيب له.

الى غير ذلك من الأحاديث التي كانت مصدراً لمذهب التجسيم في الاسلام كما ظهر في عصر التعقيد الفكري، فظهر بسببها أنواع من البدع والأضاليل.

* * *

وله أحاديث عنى فيها بالانبياء عليهم السلام، فوصفهم بما تجب عصمتهم منه. وحسبك منها حديثه اذ وصف أهوال القيامة فصور الناس يفزعون الى آدم ثم إلى نوح ثم الى ابراهيم ثم الى موسى ثم الى عيسى عليهم السلام في لجلجة لم تعد عليهم بطائل لأن هؤلاء الأنبياء عليهم السلام حجبت ـ على زعم أبي هريرة ـ شفاعتهم بما فرض لهم هذا الرجل من الذنوب التي غضب الله بها عليهم غضباً بكراً فذاَ ما غضب مثله قبله ولن يغضب مثله بعده وأخيراً كانت الشفاعة لرسول الله صلى الله عليه واله وي كأن أبا هريرة لم يجد سبيلا الى تفضيل النبي صلى الله عليه واله إلا بالغض من سلفه أولى العزم عليهم السلام.

وحديثه المتضمن نسبة الشك الى خليل الله ابراهيم عليه السلام إذ قال: رب

الصفحة 13

أرني كيف تحي الموتى في كلام جعل رسول الله صلى الله عليه واله أحق بالشك من ابراهيم وجعل يوسف أفضل من النبي بالصبر والاناة فيه لوط من التفنيد إذ قال: أو آوى الى ركن شديد.

وحديثه المشتمل على نقض سليمان حكم أبيه! في اسطورة مثلت متداعيتين على ولد قضى به داود للكبرى فقال سليمان: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لاتفعل هو ابنها فقضى به للصغرى والتناقض بين نبيين في حكم خاص من احكام الله تعالى لايتفق ومباني العقائد الاسلامية الصحيحة واطرف مافي هذه الأسطورة حلف أبي هريرة انه لم يكن سمع في حياته بالسكين إلا يومئذ وانهم ما كانوا يقولون الاّ المدية.

وحديثه عن سليمان إذ قال: لأ طوفنّ الليلة بمائة امراة تلد كل امرأة غلاماً يقاتل في سبيل الله فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل فأطاف بهن! فلم تلد منهن إلا امرأة نصف انسان.

وحديثه في نملة قرصت موسى فامر بقرية النمل فاحرقت فاوحى الله اليه قرصتك نملة فاحرقت أمة من الامم تسبح لله تعالى.

وحديثه عن رسول الله صلى الله عليه واله انه كان يؤذي ويسب ويلعن ويجلد على الغضب من لا يستحق ذلك فيكون ايذاؤه وجلده وسبّه ولعنه كفارة لذنوب من يتعرض منه لهذا الشر.

ولو نسب هذا الى فرعون لأساء الى أخلاقه، على أن ناساً علنهم رسول الله صلى الله عليه وآله لا يستحقّون المغفرة فهل يلزمنا أبو هريرة بحبهم واحترامهم ورفعهم كما ترفع البررة الصالحون؟ وما هي المقاييس الصحيحة بعد هذا المقياس الهريرى الطريق؟

وحديثه في عروض الشيطان لرسول الله صلى الله عليه واله ليقطع عليه صلاته فذعته ـ أي خنقه ـ وهمّ ان يوثقه الى سارية لينظر الناس اليه مكتوفاً لكنه صلى الله عليه واله

الصفحة 14

ذكر قول سليمان رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي. فخلى سبيله. وحديثه في نوم النبي صلى الله عليه واله عن صلاة الصبح.

الى غير ذلك من احاديثه التي فتحت الباب للقول بعدم عصمة الانبياء وتعريضهم للخطأ والزلل في رأى معوج لايستقيم عليه معنى النبوة في حقيقته وواقعه.

* * *

وهنالك لون آخر في حديثه يريك التناقض بأجلى مظاهره فانظر الى حديثي أبي سلمة منه في العدوى إذ نفاها في الأول منهما. وائبتها في الثاني فناقشه أبو سلمة قائلا له: يا أباهريرة ألم تحدث انه لا عدوى؟ فانكر حديثه الأول ورطن بالحبشية. وانظر إلى حديثه عن طواف سليمان ـ على زعمه ـ بنسائه تجده متعارضاً متناقضة فتارة روى انهن مائة، وأخرى روى انهن تسعون. ومرة روى انهن سبعون وأخرى انهن ستون! وكل ذلك ثابت عنه في الصحاح.

وانظر إلى أحاديثه في هجرته تجدها صريحة بأنه انما هاجر مسكيناً حافياً طاويا خادماً يخدم هذا وهذه بشبع بطنه فمن اين له الغلام الذي حدث عنه في الشام؟ إذ قال (على عهد معاوية): لما قدمت على النبي صلى الله عليه واله وسلم ابق غلام لي في الطريق، فبينا أنا عند رسول الله أبايعه إذ طلع الغلام فقال لي النبي: يا أبا هريرة هذا غلامك؟ قلت: هو لوجه فاعتقته.

وأنظر الى احاديثه عن نفسه وهو في الصفة تجدها صريحة بانه أنما كان من مساكينها المعدمين وقد استوطنها طليلة عمر النبي صلى الله عليه واله فكانت مثواه ليلا ونهاراً إذ لم يكن له في المدينة عشيرة ولا منزل سواها ولم يكن عليه إلا نمرة يدب القمل عليها كان يربطها في عنقه فتبلغ ساقيه فيجمعها بيده لئلا تبدو عورته. وكان يصرعه الجوع فيخر مغشياً عليه بين المنير والحجرة فمن اين له

الصفحة 15

الدار التي ادعاها اواخر حياته؟ في حديث حدث به في الشام عن نفسه وعن أمه اذ أسلمت بدعاء النبي صلى الله عليه قاله لها وله ـ فيما زعم ـ.

وانظر إلى احتجاجه على مستنكرى حديثه تجده متعارضأ متساقطأ كما فصلناه في الأصل على انه في نفسه مما تنبو عنه الاسماع لسخافته وتفيه العقول لسقمه ـ كما بيناه ثمة ـ وقد جاء فيه: ان أبا هريرة بسط نمرته لرسول الله فطفق صلى الله عليه واله يغرف العلم بيديه فيكيله في النمرة ثم يقول ضمه يا أبا هريرة فيضمه الى صدره فيعصم بذلك من النسيان ويكون به احفظ الصحابة واعلمهم بالسنة.

هذه حجته على مستنكرى حديثه سخره الله بها حجة لخصومه عليه وبرهاناً قاطعاً على صحة ما نسبوه اليه وشوارد احاديثه التي كان يكيلها جزافاً ويحدث بها متنافرة متنا كرة كثيرة الى الغاية لكن هذا القدر كاف لما اردناه ولا حول ولاقوة إلا بالله.

وحسبك في أبي هريرة انه كان يحدث بما لم يره ولم يسمعه ويدعي مع ذلك الرؤية والسماع كما ستسمعه في فصله الخاص به من الكتاب، واليك الآن نمودجا من ذلك تقيس عليه ما سواه.

قال أبو هريرة فيما صح عنه بالاجماع: دخلت على رقية بنت رسول الله زوجة عثمان وبيدها مشط فقالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من عندي آنفاً رجلت شعره الحديث.

ومن المعلوم اجماعا وقولا واحداً أن رقية انما ماتت سنة ثلاث بعد فتح بدر، وأبو هريرة انما أسلم سنة سبع بعد فتح خيبر فأين كان عن رقية ومشطها يا أولي الألباب؟.

* * *

واليك نموذجا من حديثه الخارج على قواعد العلم المشتقة من صلب الدين ألا وهو قوله: بعثنا رسول الله صلى الله عليه واله في بعث فقال: ان وجد تم فلاناً وفلاناً

الصفحة 16

فاحرقوهما بالنار (قال) ثم قال لنا حين أردنا الخروج: انى أمرتكم أن تحرقوها وان النار لا يعذب بها إلا الله تعالى فان وجدتموهما فاقتلوهما أهـ.

وهذا من النسخ قبل حضور وقت العمل، وهو محال على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله.

ورب حديث له خارج على العقل كحديثه عن داود وقراءته القرآن بأجمعه في لحظة لا تسع اسراج الدابة كما سمعت.

وله أحاديث خيالية أوردنا منها ستة في ختام الأربعين من حديثه في الفصل 11 لتكون نموذجا لسائر ما كان من نوعها.

أما ما تزلف به الى بني أمية وأعوانهم أو الى الرأي العام في تلك الأيام فكثير أوردنا منه طائفة في الفصل 5 والفصل 7 والفصل 9 وستجدها على أنواعها مختلفة، فأمعن متحرراً متجرداً تجده جائعاً يريد أن يشبع من الحديث، ويريد أن يشبع خياله من الحياة كما يراها الرجل الجائع وهو ـ بعدئذ ـ يعترف انه موطئ الأقدام في عصر حقره وأجاعه، ثم قذفه الى عصر أشبعه من أجل صناعة الأحاديث، أفيجوز ان نجعله بعد كل هذا جحة؟ نلقى اليه بازمة عقولنا وعقائدنا من غير نظر نختاره لهذه العقول والعقائد؟

فان صح هذا عقلاً وشرعاً فليمض أبو هريرة ومن اليه في حرمهم الذي بنته السياسة ووضعته بين التقاليد والمواريث.

وان صح عماية التقاليد والمواريث منشأ لفرقة؛ أو مثاراً لخلاف فلتبق حتى يأذن الصبح، إن أريد إلاّ الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

الصفحة 17

بسم الله الرحمن الرحيم

أبو هريرة

حدّث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأكثر، وروت عنه الصحاح الستة وسائر مسانيد الجمهور فأكثرت. فلم يسعنا ازاء هذه الكثرة المزدوجة إلى أن نبحث عن مصدرها، لإتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالاً مباشراً. ولولا ذلك لتجاوزناها وتجاوزنا مصدرها الى ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه.

لكن آسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين وأصوله فاحتج بها أهل المذاهب الأربعة ومتكلموهم من الأشاعرة وغيرهم كثير من أحكام الله وشرائعه عز وجل ملقين اليها سلاح النظر والتفكير لذلك لم يكن بد من البحث عن هذا المكثر نفسه. وعن حديثه كماً وكيفا لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه باحكام الله عز وجل.

الصفحة 18

إسمه ونسبه (*)

كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً. ولا يضبط في الجاهلية والإسلام (1) وانما يعرف بكنيته. وينسب الى دوس. وهي قبيلة يمانية تفرعت عن دوس ابن عدنان بن عبد الله بن زهران كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغوث.

أما أبوه فقد قيل (2) ان اسمه عمير وانه ابن عامر بن عبد ذي الشرى

____________

(*) ـ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد: فيقول أضعف المؤمنين عملا، وأقواهم بعفو الله أملا؛ عبد الحسين بن شرف الدين الموسوي العاملي: هذه تعليقة تضمن بيان مصادر الكتاب ولاندع شاردة عنه إلا ردتها اليه؛ فما أولى البحث والتدقيق بتتبعها، والله هو المرجو أن ينفع بها وبأصلها ويجعلهما خالصين لوجهه الكريم إنه أرحم الراحمين.

(1) ـ نص على هذا بعين لفظه أبو عمر بن عبد البر في ترجمة أبي هريرة من استيعابه ومن راجع ترجمته في معاجم التراجم كالاستيعاب والاصابة وأُسد الغابة وطبقات ابن سعد وغيرها يجد غموض حسبه ونسبه محسوساً.

(2) ـ القائل بهذا محمد بن هشام بن السائب الكلبي فيما نقله عنه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته وقواه أبو أحمد الدمياطي فيما نقله عنه ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من اصابته.

الصفحة 19

ابن طريف بن غياث بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.

وأمه أميمة ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس (1).

وكنى أبا هريرة بهرة صغيرة كان مغرماً بها (2) ولعل من غرامه بها حدث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض (3) وردت عليه عائشة إذبلغها حديثه ان شاء الله تعالى من هذا الكتاب ـ.

____________

(1) ـ هكذا ساق نسبها محمد بن سعد في ترجمة أبي هريرة؛ وهي في ص 52 وما بعدها من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته.

(2) ـ روى ابن قتيبة الدينوري (في ترجمة أبي هريرة ص 93 من كتابه المعارف) ان أبا هريرة كان يقول: وكنيت بأبي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها. وأخرج ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من الطبقات بالاسناد اليه قال كنت أرعى غنما وكانت لي هرة صغيرة فكنت اذا كان الليل وضعتها في شجرة فاذا أصبحت أخذتها فلعبت بها فكنوني أبا هريرة وكل من ترجم ذكر هذا أو نحوه واستمر في الاسلام على غرامه بالهرة والعبث بها حتى رآه النبي صلى الله عليه واله يحملها في كمه كما ذكره الفيروز آبادي في مادة الهرة من قاموسه المحيط.

(3) ـ أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق ص 149 من الجزء الثاني من صحيحه. وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة ص 261 من الجزء الثاني من مسنده.

 

 

 

مركز الأبحاث العقائدية

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...