البدعة في الاصطلاح
مع أنّ «البدعة» في المعنى اللغوي المتقدم تشمل كل جديد لم يكن له مماثل سواء أكان في الدين، أم في العادات، كأنواع الاَطعمة والاَلبسة والاَبنية والصناعات وغيرها من الممارسات الحياتية عند الناس، لكن البدعة التي ورد النصّ بتحريمها هي: (إيراد قولٍ أو فعلٍ لم يُستَنَّ فيه بصاحب الشريعة وأُصولها المتقنة)(1).
وبعبارة أُخرى هي: (الحدث في الدين بعد الاكمال)(2).
وفي الموضوع تعريفات كثيرة، تكاد تتفق لفظاً ومضموناً، وان اختلفت في زيادات أوردها البعض لمزيد من البيان:
ابن رجب الحنبلي عرّف البدعة بأنّها:
(ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدّل عليه فليس ببدعة شرعاً وإنْ كان بدعة لغةً)(3).
وقال ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري»: (أصلها ما أُحدِثَ على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السُنّة فتكون مذمومة…)(4).
وقال: (المحدثات جمع محدثة، والمراد بها ـ أي في حديث «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ» ـ: ما أُحدث وليس له أصل في الشرع، ويسمّى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدلُّ عليه الشرع
____________
(1) انظر: المفردات، للراغب: 28.
(2) القاموس، للفيروزآبادي 3: 6.
(3) جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي: 160 طبع الهند.
(4) فتح الباري، لابن حجر العسقلاني 5: 156.
الصفحة 12
فليس ببدعة)(1)؟.
ويرى ابن حجر الهيتمي أنّ البدعة: (ما أُحدث على خلاف أمر الشرع ودليله الخاص أو العام)(2).
ويرى الشاطبي: (البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية ـ وقال في مكان آخر ـ يُقصد بالسلوك عليها: المبالغة في التعبّد لله تعالى)(3).
وقال السيد المرتضى: (البدعة: الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلى الدين..)(4).
وقال الطريحي في مجمع البحرين: (البدعة: الحدثُ في الدين، وما ليس له أصل في كتاب ولا سُنّة، وإنّما سُميّت بدعة لاَنّ قائلها ابتدعها هو نفسه)(5)….
أما العلاّمة المجلسي فإنّه عرّفَ البِدعة في الاصطلاح الشرعي بأنّها: (ماحدث بعد الرسول ولم يرد فيه نصّ على الخصوص، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات، مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المسلمين وإسكانهم وإعانتهم، وكإنشاء بعض الكتب العلمية، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية، وكالاَلبسة التي لم تكن في
____________
(1) فتح الباري، لابن حجر العسقلاني 17: 9.
(2) التبيين بشرح الاربعين، لابن حجر الهيتمي: 221.
(3) الاعتصام، للشاطبي 1: 37.
(4) الرسائل، للشريف المرتضى 3: 83.
(5) مجمع البحرين، للطريحي 1: 163 مادة (بدع).
الصفحة 13
عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاَطعمة المحدثة فإنّها داخلة في عمومات الحلّية ولم يرد فيها نهي.
وما يُفعل منها على وجه العموم إذا قُصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة، كما أنّ الصلاة خير موضوع ويُستحب فعلها في كل وقت، ولو عيّن ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة، وكما إذا عيّن أحدٌ سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنّها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت، بلا نصّ ورد فيها، كانت بدعة.
وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص، بدعة، سواء كان أصلها مبتدعاً أو خصوصيتها مبتدعة…)(1).
وقال المحدّث البحراني: (الظاهر المتبادر من البدعة، لا سيّما بالنسبة إلى العبادات، إنّما هو المحرّم، ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين عليهما السلام: «إنّ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار»)(2).
وقال المحقق الاشتياني: (البدعة: إدخال ما علم أنّه ليس من الدين في الدين، ولكن يفعله بأنّه أمَرَ به الشارع..)(3).
وقال السيد محسن الامين العاملي: (البدعة: إدخال ما ليس من الدين في الدين، كإباحة محرّم أو تحريم مباح أو إيجاب ما ليس بواجب أو
____________
(1) بحار الانوار، للمجلسي 74: 202 ـ 203.
(2) الحدائق الناضرة، للشيخ يوسف البحراني 10: 180.
(3) بحر الفوائد، للاشتياني: 80.
الصفحة 14
ندبه، أو نحو ذلك سواء كانت في القرون الثلاثة أو بعدها، وتخصيصها بما بعد القرون الثلاثة لا وجه له..)(1).
هذه جملة مما ورد في تعريف البدعة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي، وقد أفاد أغلبها أنّ البدعة بالمعنى الشرعي، هي: زيادة شيء في الدين على أنّه منه وهو ليس منه.
واختص تعريف الشريف المرتضى وكذا تعريف السيد محسن الامين من بين تلك التعريفات بذكر النقصان من الدين على أنّه يدخل ضمن البدعة أيضاً.
ومن هنا فإنّ تعريف الشريف المرتضى هو أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حد البدعة ومفهومها.
الولاية الاخبارية