الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / كيف نتجاوز نواقصنا الذاتية؟ – آية الله الاصفهاني

كيف نتجاوز نواقصنا الذاتية؟ – آية الله الاصفهاني

كيف نتجاوز نواقصنا الذاتية؟

في الإنسان نواقص ذاتية وأخرى عرضيّة؛ وعلى سبيل المثال فانّ الكبر والحسد وحبّ الخلود والسيطرة وغيرها إنّما هي ثغرات ذاتية عجنت بها فطرة الإنسان، أمّا النواقص العرضيّة فتلحق بالإنسان من جراء دخوله في معترك الحياة، والتصاق مساوئها به، فبسبب انحراف المجتمع، وفساد المناهج التربويّة، والأنظمة السياسيّة والإقتصاديّة، وضلالات الاعلام والمؤسسّات الفكرية، تعلق بالإنسان مجموعة من النواقص والمساوئ، وهو إذا لم يكن جدّياً مؤمناً بيوم القيامة، وخطورة الحساب، وعظمة الجزاء فانّه لا محالة سيقع فريسة هذه المساوئ والنواقص.

سعي حثيث

إنّ أولئك الرجال الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر إيماناً صادقاً بإمكانهم التخلّص من النواقص الخارجية، ثم هم بعد ذلك يسعون سعياً حثيثاً، ويجاهدون أنفسهم لسنين طويلة من أجل أن يصلحوا ذواتهم، وعندما يحقّقون هذا الهدف فانّهم سيكونون مستعدّين حينئذ لدخول الجنّة.

ولنا في إخراج آدم زوجه من الجنّة خير شاهد على ذلك؛ إذلم يكن النظام الاقتصادي أو السياسي فاسداً هناك، ولم تكن البرامج التربويّة خاطئة، ولم تكن توجد أية قناة من قنوات التأثير على النفس البشرية، ومع ذلك فقد أخرجا من الجنّة؛ لانّهما كانا يعانيان من مساوئ في ذاتهما حرّمت عليهما البقاء في الجنة، وحتّمت عليهما الهبوط الى الأرض ليمتحن الله تعالى إرادتهما في الدنيا، ويصلح نفسيهما، ليعودا الى الجنّة طاهرين نقيّين.

وبتعبير آخر؛ فانّ الهدف من خروج الإنسان من عالم الذر والاشباح والاصلاب الى عالم الدنيا بمشاكله، وصعوباته، ونعمه، ونقمه، إنّما هو إصلاح لذات الإنسان من نواقصها، لا مجرّد إصلاح جوانبها الفوقيّة.

وفي هذا المجال يقول عز وجل وهو يصف عمليّة إغراء إبليس لآدم وزوجه: «فَوَسْوَسَ إِلَّيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَآ ادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى» (طه/120) أي أنّ إبليس قام بإثارة حالة متأصّلة في آدم وزوجه، ألا وهي حبّ الخلود والسيطرة، فما كان منهما إلاّ أن أطاعاه، واندفعا.

ويعترضنا السؤال التالي: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد منح آدم وزوجه الجنّة، وأباح لهما كلّ نعمها باستثناء شجرة واحدة، أفلم يكن من المفروض فيهما أن يستشيروا في الأكل من الشجرة؟، نعم، كان جديراً بهما أن يفعلا ذلك، إلاّ أنّ غريزة حب الخلود والملك دفعتهما في لحظة الغرور الى المبادرة الى الأكل دون أن يسألا ربّهما.

انحرافات خارج الذات

ونحن أيضاً مبتلون في حياتنا بهاتين المجموعتين من المساوئ والذنوب الظاهرة التي ارتكبها كلّ واحد منّا دون استثناء، ومن يدّعي عدم ارتكابه لها فانّ ادّعاءه باطل يعتبر نوعاً من المساوئ الذاتية لانّه يعتقد العصمة في نفسه، فنحن جميعاً ارتكبنا جريمة الكذب على الناس، والغيبة، والنميمة، والحسد، وعدم الاهتمام بالصلاة، وظلم الآخرين، وما إلى ذلك من الذنوب الفوقيّة، وهذه الذنوب إنّما ارتكبت بسبب انعدام التربية الصالحة، والسياسة والاقتصاد السليمين، والمجتمع الفاضل، وبالتالي فقد بدرت منّا بسبب وجود انحرافات خارج ذواتنا.

خطورة النواقص الذاتية

ومع ذلك؛ فانّ هناك ذنوباً أخرى لا تظهر إلاّ أنّها ذنوب حقيقية، وخطيرة، ألا وهي ذنوب الذات، والنفس البشريّة، ومن ضمنها إفراغ الشرائع الإلهية من محتواها كأن لا تكون الصلاة برنامجاً لاخضاع النفس الأمّارة بالسوء النـزّاعة نحو الكبر.

وفي القرآن الكريم تعاليم غزيرة تبيّن فلسفة الصلاة، والغرض منها، من جملتها قوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي» (طه/14)، وقوله: «إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ» (العنكبوت/45)، إذ أمرنا تعالى بالصلاة لكي نحارب بها عدّونا، وأنفسنا المتجبّرة الطاغية، التي استحوذت عليها الأنانية، كما وأمرنا بالصوم لايجاد ملكة الصبر في أنفسنا، ولذلك فانّه يسمّى بـ (الصبر) في بعض الحالات كما يقول عز وجل: «وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ» (البقرة/45)

وإذا ما تحوّل المسلم من قيم، ومحتويات، وحقائق العبادات الى القشور والظواهر الخارجية، فهذا يعني أنّه لا يريد إصلاح نفسه بالشرائع الإلهية؛ أي لا يريد الصلاة لتزكية نفسه وتنقيتها من الكبر؛ بل يجعلها وسيلة للرياء الذاتي، ولا يمارس الصوم لتطهير ذاته من اليأس والجزع، ولا الجهاد لاعلاء كلمة الله، ولا السلطة لتطبيق العدالة.

فلتكن جميع أعمالنا وسيلة لتزكية النفس من نواقصها الذاتية، والسيطرة على حالة التجبّر والطغيان في داخلها ذلك؛ لأنّ مشكلة الإنسان ليست في قيامه بالعمل، وانّما في صدق نيّته.

القشريّة الداء الأكبر

وهذه القشرية في الحياة هي أكبر الأخطار على الإسلام، فهي تعني تحوّل المحتويات الى قشور وشعارات، وكلمات برّاقة، ومظاهر خلاّبة، ولذلك فانّ ضخامة العمامة، وطول اللحية، ووجود الثفنات على الجبين ليست دليلاً قاطعاً على قرب الإنسان من الله، فعلينا أن لا ننخدع بهذه المظاهر، كما وعلينا أن لا نخدع أنفسنا بمثل هذه الأعمال، بل علينا أن نركّز اهتمامنا على صدق العمل والاخلاص فيه.

هباء منثور

ترى الى أيّـة درجة تبلغ حسرة الإنسان يوم القيامة عندما يرى أن جميع ما عمله من صلاة وصوم وعبادة سيذهب ويتناثر في الفضاء اللامتناهي دون أن يحصل الى شيء، كالرماد الذي تشتدّ به الريح في يوم عاصف؟، والله سبحانه يشير الى هذا المعنى قائلاً: «وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً» (الفرقان/23).

إنّ الإنسان الفاسق الفاسد يعلم بمصيره، ولكنّ المؤمن إذا لم يكن إيمانه وسيلة لتزكية نفسه، وإصلاح نواقصه الذاتيّة فإنّ حسرته ستكون شديدة، وعلى سبيل المثال فانّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة هم علماء السوء الذين يدخلون النار في حين يرون الآخرين يدخلون الجنّة بسببهم، كما يشير الى ذلك الحديث الشريف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: “العلماء رجلان؛ رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك، وإنّ أهل النار ليتأذون بريح العالم التارك لعلمه، وإنّ أشدّ أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً الى الله عز وجل فاستجاب له وقبل منه وأطاع الله عز وجل فأدخله الله الجنّة، وأدخل الداعي الى النار بتركه علمه، واتّباعه الهوى”.([29])

وهكذا ينبغي علينا أن نستعيذ بالله جل وعلا من الشيطان كثيراً؛ لأنّه يترصّدنا على قارعة كلّ طريق، وفي كلّ لحظة، وبكلّ وسيلة، لينبذنا في نار جهنّم، ومن جملة مكائده محاولة تفريغ صلاتنا من محتواها، وإضفاء طابع القشرية عليها، فلانّه لا يستطيع أن يمنعنا من إدائها مباشرة فانّه يحاول تزييفها بادخال الرياء في أنفسنا، وأن يجعل كلّ همّنا أنّ نفرغ من الصلاة دون أن نهتمّ بها، ونجعل قلوبنا حاضرة فيها.

حضور القلب استشعار الخشية

وفي مجال حضور القلب، واستشعار الخشية والرهبة من الله تعالى يروى عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه كان يصلّي ذات يوم، فسقط الرداء عن أحد منكبيه، فلم يسوّه حتّى فرغ من صلاته، فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت؟، أنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه، فقال الرجل: هلكنا، فقال: كلاّ إنّ الله عز وجل متمّم ذلك بالنوافل.

كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في مجال حبّه للصلاة، وتعلّقه بها قوله: “وجعل الله جلّ ثناؤه قرّة عيني في الصلاة، وحبّب اليَّ الصلاة كما حبّب الى الجائع الطعام، والى الظمآن الماء، وأنّ الجائع إذا أكل شبع، وأنّ الظمآن إذا شرب روي، وأنا لا أشبع من الصلاة”.([30])

التقوى في المجال السياسي

وهذه الحقيقة لا تقتصر على الصلاة فحسب؛ بل تشمل السياسة أيضاً؛ فاذا أردنا أن نكون سياسيّين فانّ علينا أن نحذر من تحوّل السياسة إلى أداة للسيطرة والتجبّر، ولنتّخذ الرسول صلى الله عليه وآله قدوة لنا في هذا المجال؛ فعندما دخل مكّة فاتحاً منتصراً، طأطأ رأسه حتّى التصق براحلته تواضعاً لله سبحانه وتعالى.

ولكنّ هناك أناساً لو أعطي لهم مجـرّد منصب بسيط شابتهم حالة مـن

الخيلاء والزهو والتصرّفات الشاذّة، ناسين أنّ هذه المناصب هي امتحان وفتنة، فلو وجدت في نفس الإنسان ذرّة من الحسد فانّ الله تعالى يمتحنه عشرات المرّات حتى تخرج هذه الذرّة؛ فإمّا أن يستغفر الله منها ويصلحها، وإمّا أن توقعه في نار جهنّم.

وفي الحقيقة؛ فانّ الروح القشريّة التي تدفع الإنسان الى عبادة الظواهر، هي السبب في معظم المشاكل التي نعاني منها، فلقد أصبحنا رجال شعارات، ولم نفكّر في المشكلة الحقيقية مع انّنا كثيراً ما أطلقنا الشعارات، وكتبنا، وألقينا الخطب الرنّانة، ولكنّنا لن نفعل شيئاً لأننا لم نتّجه الى العمق.

إنّ الهدف من السياسة، والوصول الى الحكم يتمثّل في قوله تعـالـى: «الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ» (الحج/41)، فإذا خلت السياسة من هذه التعاليم فلعنة الله عليها وعلى أصحابها، فما قيمة سياسة تجرّ وراءها المتاعب والصعوبات، وتدخل الناس في اُتون الحروب؟ وقد روى في هذا المجال أن عبد الله بن عباس قال: “دخلت على أمير المؤمنين علي عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام: والله لهي أحبّ إليّ من أمركم إلاّ أن أقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً”.

وهكذا يجب علينا أن نكون جدّيين في أعمالنا، ولا نخطو خطوة الاّ بعد أن نحسب لها حسابها، كما يشير الى ذلك الإمام الصادق عليه السلام في قوله: “ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فانّ في القيامة خمسين موقفاً مثل ألف سنة ممّا تعدّون”، كما جاء في الروايات أنّ هذه الحواجز والمواقف مرتبطة بنفس الإنسان؛ فاذا كانت الأعمال منـزّهة من الكبر والعجب تجاوزتها، فينبغي على الإنسان المسلم أن يكون دقيقاً لأنّ الحياة ليست هزلاً، ونحن لم نأت الى الدنيا لنلعب ونلهو، كما أنّ الله عز وجل لم يخلقنا عبثا. 


https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج02 / الصفحات: ١ – ٢٠   الصفحات: ...