الرئيسية / بحوث اسلامية / البدعة مفهومها وحدودها

البدعة مفهومها وحدودها

ثالثاً: صلاة الضُحى

مع أنَّ صلاة الضحى قد ورد لها ذكر كثير في كتب الفقه والحديث عند أهل السُنّة فإنّها مجهولة متروكة عند الكثير منهم.

وسنحاول في هذا المختصر أن نلقي نظرة سريعة حول ما يتعلق بها من أُمور.

ما هو حكمها: يرى الحنابلة والحنفيّة والشافعية أنَّ صلاة الضُحى سُنّة وترى المالكية أنّها مندوبة(1)تستحب المداومة عليها.

ورأى بعض علمائهم أنّها بدعة(2).

وقتها: وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى زوالها، والاَفضل عندهم أن يبدأها بعد ربع النهار، وجاء في وقتها قولهم: «وأفضل وقتها إذا علت الشمس واشتدّ حرّها ويمتّد وقتها إلى زوال الشمس، وأوله حين تبيّض الشمس»(3).

____________

(1) الفرق بين ما هو سُنّة وبين ما هو مندوب: هو إنَّ السُنّة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين، والمندوب هو ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يواظب عليه.

اُنظر الفقه على المذاهب الخمسة، للشيخ محمد جواد مغنيه: 78.

(2) الشرح الكبير على المغني، لابن قدامة المقدسي 1: 775. والفقه على المذاهب الاربعة، لعبدالرحمن الجزيري 1: 332. وفقه السُنّه 1: 185. وزاد المعاد، لابن قيّم الجوزية 1: 116 ـ 119. ونيل الاوطار، للشوكاني 3: 62.

(3) المصدر السابق.


الصفحة 93


عدد ركعاتها: اختلفوا في تحديد عدد ركعاتها، فقالت الحنفية: أكثرها ستّ عشرة، وذهب بعض الشافعية والطبري إلى أنّه لا حدَّ لاَكثرها. وقال آخرون أقلها ركعتان وأكثرها ثمانية، وقيل اثنتا عشرة ركعة.

وقالوا بأنّه «يكره أن يصلّى في نفل النهار زيادة على أربع ركعات بتسليمة واحدة»(1).

ما ورد فيها من الاَثر عندهم:

يمكن تصنيف ما ورد في صلاة الضحى من أحاديث إلى ثلاثة أصناف: أحاديث مجملة، وأُخرى ضعيفة أو موضوعة، وأُخر معارضة، فلنقف على نماذج من هذه الاصناف الثلاثة:

1 ـ الاَحاديث المجملة:

أ ـ عن نعيم بن همّاز، قال: «سمعتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قال الله عزَّ وجل: يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أوّل نهارك أكفك آخره»(2).

وبالتأمّل البسيط في هذه الرواية يتّضح أنّه ليس فيه دلالة خاصة على أنّ المقصود من الركعات الاَربع هو صلاة الضحى، واحتمل بعضهم أنّ المقصود من الاَربع هو فريضة الفجر ونافلتها كما اختار ذلك ابن القيم وابن تيميّة(3)، واحتمله الشوكاني والعراقي(4).

ب ـ قال أبو هريرة: «أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت:

____________

(1) المصدر السابق.

(2) التاج الجامع للاُصول 1: 321.

(3) زاد المعاد 1: 260.

(4) نيل الاوطار 3: 64.


الصفحة 94


صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر»(1).

ونكتفي في التعليق على هذا الحديث بما قاله ابن القيّم: «وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها فالصحيح منها، كحديث أبي هريرة وأبي ذر، لايدّل على أنّها سُنّة راتبة لكلِّ أحد، وإنّما أوصى أبا هريرة بذلك، لاَنّه قد روي أنّ أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة فأمره بالضحى بدلاً من قيام الليل، ولهذا أمره ألاّ ينام حتى يوتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة»(2).

جـ ـ عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: «دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقرّبني حتى جعلني حذاءه عن يمينه فلما جاء يرفأ تأخرتُ فصففنا وراءه»(3).

والهاجرة لغة «بمعنى نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر»(4)على المشهور فسبحة الهاجرة إذاً تنطبق على نافلة الظهر هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإنّ عمل عمر مجهول العنوان فما يدرينا بأنه كان يصلي الضُحى ؟ سيّما وأنّ ابنه عبدالله يشهد بأنّه لم يكن يصلّيها كما سيأتي.

د ـ عن أبي هريرة قال: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي الضُحى قط إلاّ مرّة»(5)

____________

(1) صحيح البخاري 2: 73 طبعة مؤسّسة التاريخ العربي ـ بيروت.

(2) زاد المعاد 1: 268.

(3) موطأ مالك 1: 112.

يرفأ: اسم خادم عمر.

(4) لسان العرب، مادة هجر.

(5) مسند أحمد 2: 446.


الصفحة 95


والرواية مجملة أيضاً في الدلالة على خصوص صلاة الضحى، لاحتمال أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلّى في ذلك الوقت لحاجة أو غيرها وخفي على أبي هريرة أمرها.

هـ ـ عن أنس أنّه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر صلّى سبحة الضحى ثماني ركعات، فلّما انصرف قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي صليت صلاة رهبة ورغبة، سألتُ ربي ثلاثاً فأعطاني اثنين ومنعني واحدة. سألته أن لا يبتلي أُمتي بالسنين ففعل. وسألته ألاّ يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته ألا يلبسهم شيعاً فأبى عليَّ»(1).

والحديث كما ترى مجمل لا خصوصية له في الدلالة على صلاة الضحى الراتبة، كما أنّه يتناقض مع الواقع التاريخي الذي مرّت به الاُمّة الاِسلامية، فقد أصيبت بالسنين وتسلط عليها عدوها سنين طوال وما زالت كذلك وهذا يدفعنا إلى الاطمئنان إلى أنّ الرواية موضوعة مختلقة.

2 ـ الاَحاديث الضعيفة والموضوعة:

قال ابن قيّم الجوزيّة عن أحاديث صلاة الضُحى: «وبعضها موضوع لايحلّ الاحتجاج به»(2)، ثم ذكر عدّة أحاديث صرّح علماء الرجال بأنّ رواتها وضّاعين كذبة، منها:

أ ـ ما روي عن أنس مرفوعاً: «من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها إلاّ عن علّة كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر نور» وضعه زكريا بن دريد الكندي عن حميد.

____________

(1) فقه السُنّة 1: 185.

(2) زاد المعاد 1: 266.


الصفحة 96


ب ـ عن يعلى بن أشدق عن عبدالله بن جراد: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من صلّى منكم صلاة الضحى فليصلّها متعبداً، فإنّ الرجل ليصلّيها السنة من الدهر ثم ينساها ويدعها فتحنُ إليه كما تحنُّ الناقة على ولدها إذا فقدته».

وفي يعلى بن الاشدق، راوي هذا الحديث، قال ابن عدي: روى يعلى بن الاشدق عن عمه عبدالله بن جراد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة منكرة، وهو وعمّه غير معروفين.

وقال أبو حاتم: «لقي يعلى عبدالله بن جراد، فلّما كَبُر اجتمع عليه من لادين له، فوضعوا له شبَهاً بمائتي حديث فجعل يحدّث بها ولا يدري ! لا تحلّ الرواية عنه بحال(1).

3 ـ الاحاديث النافية لمشروعية صلاة الضحى:

هناك طائفة من الاحاديث التي نفت مشروعية هذه الصلاة، فهي على خلاف الروايات المثبتة لصلاة الضحى، قوية في سندها ودلالتها، وقد رجحها جملة من علماء أهل السُنّة على غيرها، كما صرّح بذلك ابن القيم، حيثُ قال: «وطائفة ثانية ذهبت إلى أحاديث الترك ورجّحتها من جهة صحة إسنادها وعمل الصحابة بموجبها»(2)، منها:

أ ـ ما رواه البخاري بسنده عن مورّق قال: «قلتُ لابن عمر: أتصلي الضحى ؟ قال: لا. قلت: فعمر ؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر ؟ قال: لا. قلتُ: فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: لا أخاله»(3).

____________

(1) راجع حول الاحاديث الموضوعة ورواتها، زاد المعاد 1: 266 ـ 267.

(2) زاد المعاد 1: 264.

(3) صحيح البخاري 2: 73 طبعة مؤسّسة التاريخ العربي ـ بيروت.


الصفحة 97


ب ـ ما رواه البخاري بسنده عن عائشة، قالت: «ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبّح سبحة الضحى، وإنّي لاَسبّحها»(1).

قال أبو الحسن علي بن بطال: فأخذ قوم من السلف بحديث عائشة ولم يروا صلاة الضحى، وقال قوم: «إنها بدعة»(2)، أما قول عائشة بأني أُسبّحها بعد قولها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبّح سبحة الضحى» فلا قيمة له في مجال الدليل الشرعي.

جـ ـ وما رواه البخاري أيضاً بسنده عن عبدالرحمن بن أبي ليلى إنّه قال: «ما حدّثنا أحدٌّ أنّه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي الضحى، غير أم هانيء، فإنّها قالت: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلّى ثماني ركعات فلم أرَ صلاة قطّ أخف منها غير أنّه يتم الركوع والسجود»(3).

وهذا الحديث ينفي ما تقدمّ من أحاديث رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى، أما رواية أم هاني فهي كما ترى لا دلالة صريحة فيها على أنّ الصلاة التي صلاّها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثمان ركعات هي صلاة الضحى، بل يُحتمل أنّها صلاة شكر لله تعالى على ما منَّ على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالفتح المبين.

د ـ ما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، قال: «رأى أبو بكرة ناساً يصلّون الضحى فقال: إنّهم ليصلون صلاة ما صلاّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا عامّة أصحابه رضي الله عنهم»(4).

____________

(1) صحيح البخاري 2: 73. ومسند أحمد 6: 209.

(2) زاد المعاد 1: 264.

(3) صحيح البخاري 2: 73.

(4) مسند أحمد 5: 45.


الصفحة 98


هـ ـ روى البخاري بسنده عن مجاهد، قال: «دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فاذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا أُناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم ؟ فقال: بدعة»(1).

ما تقدم كان دراسة مختصرة عن صلاة الضحى استقينا رواياتها من طرق أهل السُنّة وتبيّن أنّها ليست إلاّ بدعة.

أما موقف الامامية الاثنى عشرية فهي عند فقهاءهم بدعة لا يجوز فعلها. وقد أجمعوا على هذا الرأي كما صرّح بذلك الشريف المرتضى في رسائله(2)، والشيخ الطوسي في الخلاف(3)، والعلاّمة الحلي في المنتهى(4)، والعلاّمة المجلسي في البحار(5)، والمحدّث البحراني في الحدائق الناضرة(6).

وقد وردت الاَخبار عن طرق أهل البيت عليهم السلام نافية لمشروعية صلاة الضُحى، كما ورد عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال لرجل من الاَنصار سأله عن صلاة الضحى فقال عليه السلام: «أول من ابتدعها قومك الاَنصار سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة، فكانوا يأتون من ضياعهم ضحى فيدخلون المسجد فيصلّون، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهاهم عنه»(7).

____________

(1) صحيح البخاري 3: 3 باب العمرة.

(2) رسائل الشريف المرتضى 1: 221.

(3) الخلاف، موسوعة الينابيع الفقهية 28: 220.

(4) بحار الانوار 80: 158.

(5) المصدر السابق: 155.

(6) الحدائق الناضرة 6: 77.

(7) المواسم والمراسم، لجعفر مرتضى العاملي: 53 عن كتاب السنن والمبتدعات: 138 ـ 139.


الصفحة 99


نماذج أُخرى من البدع

ثمّة نماذج أُخرى من البدع، اشتهرت ورَسخت حتى حلّت محلّ السُنن، نذكرها استطراداً دون تفصيل بعد ان قدمنا تلك النماذج المفصلة، ومن هذه البدع:

1 ـ غسل الرجلين في الوضوء، بدلاً من مسحهما الذي جاء به القرآن والسُنّة، وقد جاء في حديث أنس بن مالك، أنّه قد خطب الحجاج ابن يوسف الثقفي فقال: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، وأنّه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما. فقال أنس: صدق الله، وكذب الحجاج ! قال الله:(وَامسَحُوا بِرُؤُسِكُم وَأرجُلَكُم)(1).

2 ـ الاَذان الثالث يوم الجمعة، وقد اتفقوا على أنه قد شرعه عثمان، ولم يكن قبله(2).

3 ـ ذكر أسماء الخلفاء في خطبة صلاة الجمعة.

____________

(1) الدر المنثور 3: 28 ـ 29 عن: سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير.

(2) صحيح البخاري 2: 10 باب الاَذان يوم الجمعة.

 

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...