ليالي بيشاور – 72 لسلطان الواعظين
5 فبراير,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
831 زيارة
شك عمر في نبوة النبي (ص)
إن النبي (ص) رأى في ما يرى النائم ، أنه دخل مكة مع أصحابه واعتمروا .
فلما أصبح حدث الأصحاب برؤياه ، فسأله الأصحاب عن تأويلها وتعبيرها ، فقال (ص) :
” ندخل إن شاء الله ونعتمر ” ولم يعين وقتا للدخول إليها .
ثم تهيأ مع الأصحاب للسفر إلى مكة وأداء العمرة ، فلما وصل الحديبية ـ وهي بئر بالقرب من مكة على حدود الحرم ـ ، علمت قريش بمجيء النبي والمسلمين ، فخرجوا مسلحين ليمنعوهم من الدخول .
والنبي (ص) لم يكن يقصد من سفره إلا زيارة البيت الحرام وأداء العمرة ولم ينو الحرب والقتال ، لذلك لما بعث المشركون من قريش وفدا للمفاوضة ، استقبلهم رسول الله (ص) وفاوضهم وكتب معهم صلحا اشتهر بصلح الحديبية ، على النبي والمسلمون في ذلك العام ثم يأتون في العام المقبل ، ليؤدوا مناسكهم ويعتمروا ، من غير مانع … إلى آخر الشروط .
فلما وقّع النبي (ص) على ذلك شك عمر بن الخطاب في نبوة سيد المرسلين محمد (ص) فقال
: النبي لا يكذب ، أما قلت : ندخل مكة ونأتي بالمناسك معتمرين ؟! فلماذا صالحتهم على الرجوع ولم تدخل مكة ؟!
فقال النبي (ص) : لكني ما عينت وقتا ، فهل قلت ، ندخل مكة في هذا العام ؟!
قال عمر : لا .
فقال (ص) : أقول مؤكدا : ندخل مكة إن شاء الله ، ورؤياي تتحقق بإذن الله تعالى .
فنزل جبرئيل بالآية الكريمة مؤكدا أيضا : ( لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ، لا تخافون … ) إلى آخرها(57).
فهذا ملخص صلح الحديبية وكيفية شك عمر بن الخطاب بنبوة خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد (ص) .
وكان هذا الأمر امتحانا للمسلمين ليمتاز الثابت عن المتزلزل ، والمتيقن عن الشاك والمرتاب.
هل يستمر الحوار ؟
لما وصل الحديث إلى هنا ، نظر بعض العلماء إلى ساعته وقال : أخذنا الحديث كل مأخذ ، وانقضى من الليل نصفه أو أكثر ، لذا نترك متابعة الموضوع والحديث إلى الليلة القابلة إن شاء الله .
الحافظ : لقد سررنا بلقياكم ، وفرحنا بمجالسكم ، وانجذبنا إلى حديثكم ، فانقادت مسامعنا بل قلوبنا أيضا إلى كلامكم القويم ، وبيانكم الرصين ، وبقي عندنا كلام كثير ما أبديناه لضيق الوقت ، وعدم المجال ، فتؤجله إلى وقت آخر ، وسفر آخر إنشاء الله ، فإننا نريد أن رجع إلى الوطن [أفغانستان] فإن لنا هناك أعمالا وأشغالا كثيرة قد تعطلت وأمورا تأخرت ، وإن لنا هناك مهاما تفوتنا إن لم نحضر .
لذا أرجو أن تتفضل علينا وتأتي إلى بلادنا ، فنقوم بضيافتكم ، ونستمر في البحث والحوار معكم ، لعلنا نصل إلى نتيجة فيها رضا الله سبحانه .
النواب ـ متوجها إلى الحافظ قائلا ـ : نحن لا ندعك أن ترجع إلى بلادك حتى نصل إلى نتيجة قطعية مع السيد المبجل ، لأنكم كنتم تقولون لنا إن الرفضة [الشيعة] ليسوا أهل بحث ومناقشة ، ولا أهل عقل ومنطق ، لأنهم لا يملكون أدلة وبراهين في إثبات عقائدهم ، وإذا جلسوا معنا على طاولة النقاش والحوار سوف يتنازلون لدلائلنا وبراهيننا القاطعة .
ولكنا على عكس ذلك ، رأيناكم خاضعين أمام براهين السيد ، مستسلمين لأدلته ، ونحن كلنا شهود .
فالرجاء منكم ، أن تبقوا عندنا ، وتستمروا في المناظرة والحوار حتى يتبين الحق وتظهر الحقيقة ، فحينئذ نختار لأنفسنا المذهب الحق الثابت بدلائل القرآن الحكيم والعقل السليم .
الحافظ : نحن ما خضعنا ولا استسلمنا لأدلة السيد ، وإنما سكتنا لنستفيد من بيانه العذب وحديثه الطيب فإنه خطيب عجيب ، ذو سحر في البيان ، وطلاقة في اللسان ، فاستمعنا حلاوة كلامه ، وذهلنا لسحر بيانه ، وانجذبنا لعذوبة لسانه ، فقد راعينا الأدب في حقه ، وما أردنا أن يتأذى ضيفنا العزيز ، وإلا فإنا بعد لم ندخل في صلب المواضيع الأساسية ، وإذا أردنا أن نقيم الدليل والبرهان ، لثبت لكم أن الحق معنا .
النواب : أما نحن فإلى هذه الساعة لم نسمع منكم كلاما مستدلا وحديثا مستندا إلى العقل السليم والقرآن الكريم .
وأما كلام مولانا السيد فكله مستند إلى كتاب الله وأحاديث رسول الله (ص) المروية في كتب علمائنا .
فإذا كانت عندكم أدلة وبراهين تنقض كلام مولانا السيد فأتوا بها ، وإلا فإني أقول لكم بصراحة : إن هذه المحاورات والمناظرات قد انتشرت في الصحف والمجلات ، وأوقعت الشك والترديد في نفوس أكثر أهل السنة والجماعة ، في هذا البلد .
فإذا لم تظهروا الحق ، ولم تعلنوا الحقيقة التي يريدها الله تعالى من عباده ، فإنكم مسؤولون أما الله سبحانه وأما صاحب الشريعة المقدسة ، النبي الكريم (ص) .
على أثر هذا الكلام امتقع لون الحافظ وتغير وجهه ، وقد ظهر أثر الفشل والخجل على وجوه علماء القوم ، فكان الحافظ ينظر إلي تارة وينظر إلى الأرض أخرى ، ثم توجه إلى النواب قائلا :
أرجو أن تراعوا جانب الضيف الكريم فإنه كان يريد السفر إلى خراسان لزيارة علي بن موسى الرضا ، ولكنه تفضل علينا بتأخير سفره ، فلا يجوز لنا أن نأخره أكثر من هذا .
قلت : إنني أشكر ألطافكم وإحساسكم ، صحيح إني كنت عازما على السفر والزيارة ، وأخرت سفري لأجلكم ، ولكني فرحت بتأخير سفري ، إذ عملت بواجبي ، وخدمت الدين والمجتمع في كشف الحقيقة وإثبات الحق من خلال مناظرتي وحواري معكم ، وفي حضور هؤلاء الطيبين الكرام ، فعرفوا الحق أحسن من ذي قبل .
وإنني مستعد لأبقى معكم وأستفيد من مجالستكم سنة أو أكثر حتى ينكشف الحق .
ولكني خجل من مضيفي الكريم الأستاذ الميرزا يعقوب علي خان ، فقد أتعبته في هذه المدة كثيرا .
وإذا بالميرزا يعقوب علي خان وإخوانه ـ ذي الفقار علي خان ، وعدالت علي خان ، وكلهم من شخصيات قزلباش ـ أجابوا قائلين : يا مولانا السيد ما كنا نتوقع منكم هذا الكلام ، فإن بيوتنا كلها بيوتك ، ونحن نفتخر بخدمتك ، ونتشرف بإقامتك عندنا .
ثم تقدم السيد محمد شاه ـ وهو من أشراف ” بيشاور ” وأعيانها ـ وكذلك السيد عديل أختر ـ وهو من علماء الشيعة في ” بيشاور ” ـ فقالوا : نحن نرجو من سماحتكم أن ينتقل هذا المجلس إلى بيوتنا حتى نحظى بخدمتكم ونتشرف ونفتخر بوجودكم عندنا .
فقال الميرزا يعقوب علي خان : لا يمكن ذلك أبدا ، بل مادام مولانا في ” بيشاور ” ، وهذا المجلس مستمر في الانعقاد ، فبيتي محله ومستقره .
قلت : أشكر الجميع ، وبالأخص صاحب البيت الأستاذ الكريم الميرزا يعقوب علي خان المحترم .
الحافظ ـ بعدما هدأ المجلس ـ قال : وأنا أنزل عند رغبة الأستاذ النواب والأخوة الحاضرين وأؤجل سفري وإن كانت عندي مهام وأعمال معطلة في أفغانستان ، ولكن أرجو أن ينتقل مجلسنا هذا في الليالي القابلة إلى البيت الذي نحن فيه ، مراعاة للعدالة ، ورعاية لأهل هذا البيت الكريم ، فإنهم تعبوا كثيرا ، وأثقلنا عليهم كثيرا .
قلت : لا مانع لدي من ذلك ، ولا أصر على أن يكون المجلس في هذا البيت فقط ، إلا أن هذا البيت فقط ، إلا أن هذا البيت واسع بحيث يضم الجمع الغفير الذي يحضر كل ليلة ، وإن وسائل الضيافة والتكريم متوفرة عندهم ، فالاختيار إليكم ، وأما أنا فأينما يتعقد المجلس أحضر إن شاء الله تعالى .
الميرزا يعقوب علي خان : أظن أن الحافظ لا يعرف عادات ورسوم قبيلة قزلباش ، ولكن أهل البلد يعرفون ويعلمون أن قبيلتنا يحبون الضيف ويفرحون به ، ويفتخرون بخدمته وخاصة إذا كان الضيوف علماء ومشايخ وسادة ، مثل فضيلة مولانا السيد سلطان الواعظين ، ومثل سماحة الحافظ ، وحضرات العلماء الحاضرين ، والاخوة الأعزة المحترمين من كل الطبقات والأصناف ، فأهلا بكم ومرحبا في كل يوم .
الحافظ : أشكركم جميعا وأستودعكم الله ، وإلى اللقاء في الليلة الآتية إن شاء الله تعالى .
(1) وفيه يقول الشاعر :
لقد كتموا آثار آل محمد محبوهم خوفا وأعداؤهم بغضا
فأبرز من بين الفريقين نبذة بها ملأ الله السماوات والأرضا
والقول أعلاه لأحمد بن حنبل لا للشافعي! “ المترجم “
(2) سورة نوح ، الآية 26 .
(3) تاريخ الطبري : 2/313 طبعة المعارف .
(4) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 13 /200 ط دار احياء الكتب العربية ، قال و روى الفضل بن عباس رحمه الله قال سألت أبي عن ولد رسول الله ص أيهم كان رسول الله ص له أشد حبا ؟ فقال : علي بن أبي طالب ع فقلت له: سألتك عن بنيه ! فقال إنه كان أحب إليه من بنيه جميعا و أرأف ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا إلا أن يكون في سفر لخديجة و ما رأينا أبا أبر بابن منه لعلي و لا ابنا أطوع لأب من علي (ع) له (ص) .
ونقل ابن ابي الحديد في ج10/221 و222 عن ابي جعفر النقيب انه كان يقول : انظروا إلى أخلاقهما و خصائصهما ـ أي النبي ص وعلي ع ـ هذا شجاع و هذا شجاع و هذا فصيح و هذا فصيح و هذا سخي جواد و هذا سخي جواد و هذا عالم بالشرائع و الأمور الإلهية و هذا عالم بالفقه و الشريعة و الأمور الإلهية الدقيقة الغامضة و هذا زاهد في الدنيا غير نهم و لا مستكثر منها و هذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتع بلذاتها و هذا مذيب نفسه في الصلاة و العبادة و هذا مثله و هذا غير محبب إليه شيء من الأمور العاجلة إلا النساء و هذا مثله و هذا ابن عبد المطلب بن هاشم و هذا في قعدده و أبواهما أخوان لأب و أم دون غيرهما من بني عبد المطلب و ربي محمد ص في حجر والد هذا و هذا أبو طالب فكان جاريا عنده مجرى أحد أولاده ثم لما شب ص و كبر استخلصه من بني أبي طالب و هو غلام فرباه في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به فامتزج الخلقان و تماثلت السجيتان و إذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية و التثقيف الدهر الطويل فواجب أن تكون أخلاق محمد ص كأخلاق أبي طالب و تكون أخلاق علي ع كأخلاق أبي طالب أبيه و محمد ع مربيه و أن يكون الكل شيمة واحدة و سوسا واحدا و طينة مشتركة و نفسا غير منقسمة و لا متجزئة و ألا يكون بين بعض هؤلاء و بعض فرق و لا فضل لو لا أن الله تعالى اختص محمدا ص برسالته و اصطفاه لوحيه لما يعلمه من مصالح البرية في ذلك و من أن اللطف به أكمل و النفع بمكانه أتم و أعم فامتاز رسول الله ص بذلك عمن سواه و بقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد ، فقال له : انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي . فأبان نفسه منه بالنبوة واثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركا بينهما . ( المترجم ) .
(5) سورة التوبة ، الآية 100 .
(6) قال الحافظ سليمان الحنفي في ينابيع المودة ، الفصل الرابع : ولما وصل الى علي عليه السلام ان معاوية افتخر بملك الشام ، قال لغلامه : اكتب ما أملي ، فأنشد :
محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي
إلى آخره
وبعد ذكره الأبيات قال : قال البيهقي : ان هذا الشعر مما يجب على كل مؤمن أن يحفظه ليعلم مفاخر علي (ع) في الاسلام . ( المترجم )
(7) روى العلامة الكنجي الشافعي في “كفاية الطالب” في الباب الخامس والعشرون باسناده عن ابن عباس ، قال : ” اول من علي عليه السلام ” ثن نقل اختلاف الاقوال في ذلك وخصم النزاع بقوله : والمختار من الرويات عندي قول ابن عباس ، ويدل عليه قول عبد الرحمن بن جعل الجمحي حين بويع علي (ع)
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة على الدين معــــروف العــــفاف موفــــقا
عفيفا عن الفحشاء ابيض ماجدا صدوقا وللجـــــبار قــــدما مصـــدقا
أبا حسن فارضوا به وتمسكوا فليـــــس لمـــن فيه يرى العيب منطقا
عليا وصي المصطفى و ابن عمه وأول من صلى أخا الدين و التقى
#ليالي_ بيشاور 2019-02-05