الرئيسية / تقاريـــر / كسينجر الحائر يعترف: فشلنا حيث نجحت ايران!

كسينجر الحائر يعترف: فشلنا حيث نجحت ايران!

الوقت- مرّة جديدة يخرج وزير الخارجية الأمريكي السابق، هنري كيسنجر بمواقف جديدة تكشف جوانباً خفيّة للإدارة الأمريكية إزاء تعاملها مع ملفات الشرق الأوسط.

الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، وأحد أبرز مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية في العقود الخمسة الماضية، تناول في مقال نشر على موقع“The Cap” البريطاني، نقلته صحيفة (ذي اندبندنت) البريطانية، تناول القضايا الخلافية المعقدة في الشرق الأوسط والقوى المتصارعة فيه على تقاسم النفوذ والثروة، لافتاً إلى أنّه”في هذه الظروف لم تعد مقولة عدو عدوي صديقي سارية في تلك المنطقة. في الشرق الأوسط الحديث عدو عدوك هو أيضاً عدوك أنت”.

خلاصة كلام الرجل التسعينيني (يبلغ الرابعة والتسعين من عمره)، والذي كان مستشاراً للأمن القومي في حقبة الرئيس السابع والثلاثين للبيت الأبيض ريتشارد نيكسون، ووزيراً للخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الثامن والثلاثين جيرالد فورد جاءت من خلال تحذيراته من قيام “إمبراطورية إيرانية راديكالية” في الشرق الأوسط، بعد إلحاق الهزيمة الكاملة بتنظيم “داعش” الإرهابي، وفق تعبيره.

وفي حين اعتبر كسينجر صاحب كتاب “النظام العالمي” الشهير، أن “نتائج الحرب الدولية القائمة ضد تنظيم داعش ستوضح الرسم النهائي لخريطة القوى في المنطقة”، أشار إلى أن”سيطرة إيران على المناطق المحررة، والتي ستحرر من تنظيم “داعش” يعني أن إمبراطورية جديدة بدأت معالمها بالظهور في المنطقة“.

نكتفي بهذا القدر من كلام الوزير الأمريكي حيث لا نريد الخوض بورثة الأراضي التي بحوزة “داعش”، بل  نريد التفصيل في التعامل الأمريكي مع تنظيم داعش، إضافةً إلى التعقيدات الإيرانيّة الأمريكية في المنطقة.

حقيقة الموقف الأمريكي

تحاول اليوم واشنطن اللعب على الوتر الإيراني، إلاّ أن الحقيقة أبعد من ذلك، فما تسعى إليه واشنطن منذ أن كان كسينجر في الوكالة الحكوميّة في سبعينيات القرن الماضي يتمثّل في إضعاف كافّة الأطراف الشرق أوسطيّة، عدا صنعيتها الإسرائيلية، التي يعدّ وجودها الحالي أحد أبرز أسبابه. حتّى الدول الخليجية التي تعدّ نفسها حليفةً لواشنطن ليست بمنأى عن هذه الاستراتيجية الثابتة تجاه الشرق الأوسط رغم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بين جمهوري وديموقراطي، إليكم بعض الحقائق:

أوّلاً: يمتلك هنري كسينجر صاحب نبؤة الحرب العالميّة الثالثة في مقاله الذي نشر صحيفة “وول ستريت جورنال”، الصادرة يوم 16/10/2015م، بعنوان: السبيل لتجنب انهيار الشرق الأوسط والذي عرف فيما بعد بـ”نبوءة كيسنجر” لعام 2015م، يمتلك عشرات، وربّما مئات التصريحات ضدّ العرب والمسلمين، وبالتالي لا يمكن الانطلاق من مواقفه تجاه الشرق ه كونه أكادمياً محايداً (أستاذ العلاقات الدولية)،  بل من كونه السياسي الأمريكي المحنّك، اليهودي الأصل، صاحب الباع الطويل في عداء العرب والمسلمين أحدها حوار أجرته معه جريدة ديلي سكيب الأمريكية جاء فيه:”إن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على “إسرائيل” خلالها أن تقتل أكبر عدد ممكن من العرب وتحتل نصف الشرق الأوسط”. في تصريح آخر يقول الدبلوماسي الأمريكي الذي يعدّ أحد كبار علماء السياسة في العالم: “إن الثورات العربية التي هزّت بعض الدول العربية لم تأت صدفة ، ولم تأت من أجل عيون العرب ، بل إن أهدافنا هم سوريا وإيران .

ثانياً: يثبت كلام الوزير الأمريكي أنّه منذ ظهور تنظيم داعش لم یکن لديه نيّة حقيقيّة للقضاء علی التنظيم بل کان يسعى لإدارة الأزمة بما يصب في صالحه. في الواقع، لا تعد هذه الحقيقة بالأمر الجديد على المواقف الأمريكية تجاه المنطقة. فكسينجر نفسه صرّح في وقت سابق حول الحرب الإيرانية العراقيّة: هذه أول حرب في التاريخ نتمنى ألا يخرج فيها أي منتصر، وإنما يُهزم فيها الطرفان. وهذا ما ذكره الكاتب محمد حسنين هيكل (أوهام النصر ص 122-): لم يكن لدى واشنطن مانع من أن تطول مدة الحرب، وكان التقدير أن ذلك : “سوف يؤدي إلى تحجيم دور العراق الإقليمي حتى ولو خرج من الحرب منتصرا”. اليوم تريد واشنطن تحجيم دور ايران الإقيلمي حتّى لو خرجت طهران منتصرة في الحرب ضدّ داعش.

ثالثاً: يثبت الكلام الأمريكي حقيقة قاسية على قلوب اعداء إيران، الإقليميين والدوليين بما فيهم واشنطن، تتمثّل في دور ايران المحوري في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. بعد أن فشلوا في اتهام ايران بدعم الإرهاب، وسلخ سمعة مكافحة الإرهاب عنها، يلجؤون اليوم إلى نظرية “الإمبراطورية الإيرانية الراديكالية” بما يصبّ في صالح قطبنة المنطقة وزيادة التوتّر فيها. أمريكا لا تريد إدارة أزمات الشرق الأوسط، بل تريد إدارة الشرق الأوسط بالأزمات، وهذا ما ظهر من خلال نصيحة المفكر الاستراتيجي الأمريكي لإدارة ترامب كي تحافظ أمريكا على مصالحها في الشرق الأوسط.

رابعاً: إليكم قراءة ليست بجديدة للمواقف الأمريكية تجاه المنطقة. بالتوازي مع دعم “اسرائيل” المستمر منذ منتصف القرن الماضي، علمت واشنطن على إضعاف كافّة حلفاء الأطراف الفاعلة في المنطقة، بما فيها الحلفاء العرب. فبعد الفشل في القضاء على الجيوش العربيّة ضد الكيان الإسرائيلي، عملت واشنطن على تغييب النظام المصري، وبالتالي غياب أي دور لجيشه عبر اتفاقيّة كامب ديفيد والصلح مع “اسرائيل” التي انتجت مقاطعة عربيةّ واسعة. بعدها انتقلت واشنطن لإضعاف العراق عبر حرب مفتوحة مع النجم الثوري الإيراني الصاعد، أضعفت الطرفين إضافةً إلى الدول الخليجية التي انهكتها إنفاقات هذه الحرب. لاحقاً خشيت واشنطن من بقاء العراق لتورِّطه في غزو الكويت، وتنهي عليه بعد عقدين ونيّف. بقيت سوريا من الدول التي شاركت بقوّة في حربي 1967 و 1973 لتحاول واشنطن اليوم القضاء عليها عبر الجماعات الإرهابيّة. اليوم، أمريكا تريد اضعاف أي دور بارز للسعوديّة، وهذا ما بدت ملامحه في الأزمة الخليجية واللعب على حبالها. يمتلك كسينجر مقولة شهيرة قالها لبندر بن سلطان “إنّ أعداء أمريکا يجب ان يخافوا ولكن أصدقائها يجب ان يخافوا أكثر”.

ختاماً، يعدّ كلام الوزير الأمريكي اعترافاً جديداً بفشل واشنطن في الشرق الأوسط وتحديداً في المواجهة مع ايران. نتفق معه أن “مقولة عدو عدوي صديقي لم تعد سارية”، إلاّ أنها كانت كذلك إطار المواجهة مع روسيا في أفغانستان والتي انتجت انهيار الاتحاد السوفياتي، فهل نجحت ايران حين فشل الاتحاد السوفياتي وأمريكا؟

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...