الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

58

((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ)) أيها الناس ((أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)) تامة غير ناقصة ولعلّ الإرتباط بين هذه الآية وما سبقها أن أهل الكتاب خالفوا ما أُمروا به وخانوا الأمانة الإلهية كما قال سبحانه (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) بينما إن الله تعالى يأمر بأداء الأمانة المادية فكيف بأعظم الأمانات الروحية، كما إنهم حكموا بالجور حين قالوا إن المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلا بينما يحكم الله تعالى الحكم العدل ((وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ)) في أمور دينهم أو دنياهم ((أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)) فلا تميلوا الى ناحية دون ناحية لمجرد الهوى أو الرشوة أو العاطفة أو ما أشبه ((إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ))، أي نعم شيئاً يعظكم في أداء الأمانة والحكم بالعدل وضمير “به” راجع الى “ما” ((إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا)) يسمع كلامكم ((بَصِيرًا)) يبصر حركاتكم وأعمالكم فإنكم إذا خنتم الأمانة أو حكمتم بالجور فإنه لا يذهب ذلك على السميع البصير.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

59

وحيث بيّن سبحانه ما يجب على الحاكم من العدل بيّن ما يجب على الأمة تجاه الحاكم العادل من الإطاعة والسمع وبيّن الحاكم الذي يحق له أن يحكم بقوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ)) بالإئتمار بأوامره والإنزجار عن زواجره ((وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)) قد تقدّم سابقاً أن إطاعة الرسول هي إطاعة الله وإنما يذكران معاً تبجيلاً للرسول ولإفادة أن أوامره كأوامر الله سبحانه ((وَ)) أطيعوا ((أُوْلِي الأَمْرِ))، أي أصحاب السلطة الذين بيدهم الأمر ((مِنكُمْ)) وقد عيّن أولوا الأمر في غير واحد من الأحاديث أنهم الأئمة الهداة الإثنى عشر عليهم الصلاة والسلام وهم علي أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والمهدي، أما إطاعة العلماء المراجع فهي طاعة لأولي الأمر، إذ هم نوّابهم، أما مَن زعم أن المراد بأولي الأمر كل حاكم فهذا يستلزم التناقض فكيف يمكن الجمع بين من يبيع الخمر والله سبحانه الذي يحرّمها، وهكذا، ولذا إشترطت الشيعة في النبي والأئمة العصمة وفي العلماء العدالة ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ))، أي حدثت بينكم المنازعة والمخاصمة ((فِي شَيْءٍ)) من أمور دينكم ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)) حتى ترون أن القرآن والسُنّة مع أيّ جانب، ومن حسن الحظ أنه ليس شيء يحتاج إليه الأمة في أيّ دور أو مصير يخلو منه الكتاب والسُنّة أما بالخصوص أو بالعموم، ومن المعلوم أن الرد الى أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ردّ الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما إن الردّ الى العلماء النوّاب لهم ردّاً لهم كما قال (عليه السلام) : (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّة الله) ((إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) أما الرد الى غيرهما فذلك من مقتضيات الكفر كما قال سبحانه (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ((ذَلِكَ)) الردّ الى الله والرسول في صورة التنازع ((خَيْرٌ)) لأن إرشاداتهما لصلاح دينكم ودنياكم ((وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))، أي من جهة الأول والعاقبة فإن عاقبة الحق خير من عاقبة الباطل، والعاقبة تُسمى تأويلاً لأنه مآل الأمر ومرجعه ويحتمل أن يكون المراد أنه أحسن من تأويلكم إياه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

60

ولما بيّن سبحانه وجوب الرجوع في موارد النزاع الى حكم الله والرسول أبدى التعجّب من الذين يدّعون الإيمان ثم يراجعون في قضاياهم الى أحكام مخالفة لأحكام الله والرسول بقوله ((أَلَمْ تَرَ)) يارسول الله ((إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) لتعديد أنفسهم في زمرة المسلمين ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ)) فإنهم يُظهرون الإيمان بكل رُسُل الله وكتبه إتباعاً لقوله “وما أُنزل الى إبراهيم ..” وهذا لتأكيد أنهم في سمات المؤمنين بكل مقوماته ((يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ))، أي يرفعوا مشاكلهم وقضاياهم المُتنازَع فيها ((إِلَى الطَّاغُوتِ)) مبالغة في الطغيان وكل حكم غير حكم الله سبحانه فإنه للطاغوت لأن حكم الله هو العدل وما سواه زيغ وانحراف وطغيان فهم ينتحلون الإيمان ويسلكون غير طريق الإيمان يريدون بذلك أن يوّفروا على شهواتهم فيُظهرون الإيمان ليُحقن دمهم وعرضهم ومالهم ويرجعون الى الطاغوت ليُعطي الحكم لهم حينما علموا أن العدل لا يُعطيهم الحكم -إذ هم على الباطل- ((وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ)) كما قال سبحانه (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد إستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) ((وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ)) بما يُزيّن لهم ((أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)) عن الحق فإن مراجعة الطاغوت ضلال وزيغ.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

61

في المجتمع أنه كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال ايهودي : أحاكم الى محمد -لأنه عَلِم أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يقبل الرشوة ولا يجور في الحكم-، فقال المنافق : لا بيني وبينك كعب بن الأشرف -لأنه عَلِم أنه يأخذ الرشوة- فنزلت الآية ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ))، أي إئتوا للمحاكمة ((إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ)) من الأحكام ((وَإِلَى الرَّسُولِ)) ليحكم بيننا ((رَأَيْتَ)) يارسول الله ((الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ))، أي يعرضون ((عَنكَ صُدُودًا))، أي إعراضا.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

62

((فَكَيْفَ)) يكون حال هؤلاء المنافقين ((إِذَا)) اضطروا الى الرجوع إليك وأنهم كيف يكون لهم وجه يراجعونك في تخليصهم من مصائبهم بعدما أعرضوا عنك في منازعاتهم فيما إذا ((أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ))، أي بسبب أعمالهم فإن الأعمال السيئة قد تورث المصائب والنكبات ((ثُمَّ جَآؤُوكَ)) يارسول الله يريدون إسعافك في مصيبتهم معتذرين عن مراجعتهم الى الطاغوت ((يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا))، أي ما أردنا في مراجعتنا الى الطاغوت ((إِلاَّ إِحْسَانًا)) إليك حتى لا نزاحمك ونأخذ من وقتك ((وَتَوْفِيقًا)) بين أمورنا ولم يكن لنا غرض في الإعراض عنك.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...