الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

109

((هَاأَنتُمْ )) “ها” للتنبيه هنا، وفي “هؤلاء” ((هَؤُلاء ))، أي أنتم الذين دافعتم و((جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ))، أي عن أولئك المجرمين الذين سرقوا ((فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) هنا حيث يمكن الإخفاء والمجادلة بما يظن الناس أنه حق وفي الواقع باطل ((فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) إستفهام إنكاري، أي ليس هنالك من يجادل عن جانبهم في محضر عدل الله سبحانه الذي يطّلع على السرائر والواقعيات ((أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)) يتوكّل عنهم في إنقاذهم من عملهم الذي صنعوه خُفية، والإستفهام في معنى الإنكار، أي ليس هناك وكيلاً يدافع عنهم، ولعل الفرق بين “من يجادل” و”من يكون” أن المجادل لا يلزم أن يكون وكيلاً فقد يوكل الإنسان من يدافع عنه وقد يدافع عنه شخصياً تبرعاً.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

110

ثم بيّن سبحانه أن لا يأس من روح الله وأن الآثم لا يظن أنه إنقطعت الصلة بل باب التوبة مفتوحة ((وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا )) باتيان معصية تتعداه الى غيره كالزنا والسرقة ((أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ )) بمعصية لا تتعجاه كشرب الخمر وترك الصلاة، ومن المعلوم أن كل ظلم للنفس وكل سوء ظلم، لكن حيث تقابلا في التعبير فرّقنا بينهما بما لعله المستفاد من السياق ((ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ )) يطلب غفرانه بما أمر من التوبة والتدارك إن كان العصيان له تدارك ((يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)) يغفر ذنبه ويتفضّل عليه بالرحمة والمنّ.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

111

((وَ)) لا يظن الآثم أنه أضرّ الغير وربح بنفسه بل بالعكس فإنه ((مَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ )) إذ كل خير يفعله الإنسان يعود الى نفسه، وكل عصيان يأتي به يعود على نفسه (وإنما تُجزون ما كنتم تعملون) ((وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا )) بما يكسبه الإنسان ((حَكِيمًا)) في عقابه وثوابه يضع الأشياء مواضعها، فلا يظن أحد أنه يعصي ثم يفرّ من عدل الله أو أنه ما الفائدة من الخير الذي لا يعود نفعه إليه أنه سبحانه حكيم، وقد تقدّم أن الحكمة وضع الأشياء مواضعها.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

112

((وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا )) لعل الفرق بينهما كون الأول لا عن عمد والثاني عن عمد، وهذا الفرق إنما هو في المقام حيث تقابلا وإلا فالخطيئة تُطلق على كل إثم ((ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا )) من رمى يرمي، أي ينسب ذنبه الى إنسان بريء -كما سبق في قصة ابن أبيرق- ((فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا ))، أي إثم البهتان وهو النسبة الى الناس كذباً ((وَإِثْمًا مُّبِينًا))، أي معصية واضحة، فهو يتحمّل إثمين إثم العمل وإثم البهت، وهذا لا ينافي ما احتملناه في الخطيئة إذ الخطأ ينقلب إثماً إذا تمادى الإنسان في توابعه ولم يتداركه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

113

في بعض التفاسير أن وفداً من ثقيف قدموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقالوا : يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جئناك نُبايعك على أن لا نكسر أصنامنا بأيدينا وعلى أن نمتّع بالعزّى سنة، فلم يقبل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طلبهم وإنما قَبِلَ منهم الإسلام بجميع شرائطه فأنزل الله سبحانه ((وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ )) بتأييدك من لدنه وتثبيتك على الصحيح الحق ((لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ ))، أي قصدت وأضمرت جماعة من هؤلاء -والضمير عائد الى المقدّر نحو (لأبيه لكل واحد منهما السُدُس) ((أَن يُضِلُّوكَ )) بأن تُجيز لهم ما أرادوا، وقيل أن الآية من تتمّة قصة إبن أبيرق وما أراده المزكّى من تزكية السرّاق وإلقاء التهمة على البريء ((وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ )) إذ وبال كلامهم يعود الى أنفسهم، فهم يُزيلون أنفسهم عن الحق ويهلكونها لا أنهم يزيلونك ويهلكونك، ثم المراد بقوله “لولا” نفي تأثيرهم أولئك في الرسول لا نفي همهم، فالمراد أنه لولا فضل الله لأضلّوك، لا إن المراد لولا فضل الله لهمّت ((وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ )) فإنهم لا يضرّونك -بكيدهم- في الدنيا لأن الله ناصرك ولا في الآخرة ((وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ )) يارسول الله ((الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ))، أي علم وضع الأشياء مواضعها وتقدير الأشياء بأقدارها فأنت العالم بالأشياء الحكيم في التطبيق، فكيف يمكن إضلالك -كما هم أولئك- فإن الإضلال لمن لا يعرف الأشياء أو لا يتمكن من وضع الأشياء مواضعها ((وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ )) من الأمور الخارجية عن نطاق الكتاب، فإن الكتاب خاص بعلم بعض الأشياء -حسب الظاهر- ((وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ )) يارسول الله ((عَظِيمًا)) وارتباط الآية بما قبلها على القول الأول -أي كونها حول وفد ثقيف- كون القصتين من واد حيث حفظ الله الرسول في قصته السرقة وفي قصة الوفد حتى لا يقول ولا يعمل إلا بالحق.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

114

وبمناسبة الحديث عن المؤامرات التي تجري في السر ويتناجى في شأنها المبيّتون، وحيث أن في مثل هذه القضايا لابد وأن يكثر النجوى وغالبه حول النقد والردّ والطعن، يذكر القرآن حكم النجوى وأنه ((لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ ))، أي حديث بعضهم مع بعض سراً، وذكر “كثير” أما من باب المورد فإنه في مثل الموارد السابقة يكثر النجوى، وأما أن المراد الكثير ممن النجوى لا خير فيه، أما القليل الذي لابد لكل أحد حيث عنده بعض الأسرار التي لا يجب الإعلان بها فلا بأس به لكن الظاهر الأول وإن المفهوم مطلق النجوى كما قال سبحانه (إنما النجوى من الشيطان) ((إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ )) بأي قسم منها من المال على الفقراء أو الوقف أو الإحسان ((أَوْ )) أمر بـ ((مَعْرُوفٍ )) من أبواب البِر الذي يعرفه الناس -ومنه سُمّي المعروف معروفاً مقابل المنكر الذي هو ما ينكره الناس- ((أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ )) فإن الحاجة غالباً تدعوا الى إسرار بهذه الأمور لتكمل ولا يمنع عنها مانع ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ))، أي النجوى في هذه الأمور، أو المراد من فعل أحد هذه الأمور ((ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ))، أي طلب رضاه سبحانه ((فَسَوْفَ )) في القيامة ((نُؤْتِيهِ ))، أي نعطيه ((أَجْرًا عَظِيمًا)) مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر -كما هو كذلك في كل طاعة-.

شاهد أيضاً

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي بين نمط د. هشام الهاشمي للقصف الإيراني لقاعدة ...