الرئيسية / بحوث اسلامية / المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي47

المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي47

ش
المراجعة 91 رقم : 19 ربيع الأول سنة 1330
1 – العذر فيما كان منهم في سرية أسامة
2 – لم يرد حديث في لعن المتخلف عن تلك السرية
1 – نعم كان رسول الله عليه السلام قد حضهم على تعجيل السير في غزوة
أسامة ، وأمرهم بالإسراع كما ذكرت ، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لأسامة حين
عهد إليه : أغز صباحا على أهل أبنى ، فلم يمهله إلى المساء ، وقال له : أسرع السير
فلم يرض منه إلا بالإسراع ، لكنه عليه السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل ، فثقل
حتى خيف عليه فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال ، فتربصوا ينتظرون
في الجرف ما تنتهي إليه حاله ، وهذا من وفور إشفاقهم عليه ، وولوع قلوبهم به ،
ولم يكن لهم مقصد في تثاقلهم إلا انتظار إحدى الغايتين ، إما قرة عيونهم
بصحته ، وإما الفوز بالتشرف في تجهيزه ، وتوطيد الأمر لمن يتولى عليهم من
بعده ، فهم معذورون في هذا التربص ، ولا جناح عليهم فيه .
وأما طعنهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة مع
ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره ، فلم يكن منهم إلا لحداثته مع
كونهم بين كهول وشيوخ ، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى – بجبلتها – أن تنقاد إلى
الأحداث ، وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان ، فكراهتهم لتأميره ليست
بدعا منهم ، وإنما كانت على مقتضى الطبع البشري ، والجبلة الآدمية ، فتأمل .
وأما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول ، فقد اعتذر عنه بعض العلماء
بأنهم ربما جوزوا أن يوافقهم الصديق على رجحان عزله لاقتضاء المصلحة –
بحسب نظرهم هكذا قالوا ، والإنصاف أني لا أعرف وجها يقبله العقل في طلبهم
عزله بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره ، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا
مدثرا ، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية
الشائعة بينهم ، وقد سارت كل مسير ، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه إلا الله
تعالى .
وأما عزمهم على إلغاء البعث ، وإصرارهم على الصديق في ذلك ، مع ما
رأوه من اهتمام النبي في إنفاذه ، وعنايته التامة في تعجيل إرساله ، ونصوصه
المتوالية في ذلك ، فإنما كان منهم احتياطا على عاصمة الاسلام أن يتخطفها
المشركون من حولهم إذا خلت من القوة ، وبعد عنها الجيش ، وقد ظهر النفاق
بموت النبي عليه السلام ، وقويت نفوس اليهود والنصارى ، وارتدت
طوائف من العرب ، ومنع الزكاة طوائف أخرى ، فكلم الصحابة
سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبى ، وقال : والله لئن
تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشئ قبل أمر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم .
هذا ما نقله أصحابنا عن الصديق ، وأما غيره فمعذور من رد البعث ، إذ لم
يكن لهم مقصد سوى الاحتياط على الاسلام .
وأما تخلف أبي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة ، فإنما كان
لتوطيد الملك الاسلامي ، وتأييد الدولة المحمدية ، وحفظ الخلافة التي لا يحفظ
الدين وأهله يومئذ إلا بها .
2 – وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ، فقد وجدناه
مرسلا غير مسند ، والحلبي والسيد الدحلاني في سيرتيهما قالا : لم يرد فيه حديث
أصلا . فإن كنت سلمك الله تروي من طريق أهل السنة حديثا في ذلك ، فدلني
عليه والسلام .
س
المراجعة 92 رقم : 22 ربيع الأول سنة 1330
1 – عذرهم لا ينافي ما قلناه
2 – الذي نقلناه عن الشهرستاني جاء في حديث مسند
1 – سلمتم – سلمكم الله تعالى – بتأخرهم في سرية أسامة عن السير ،
وتثاقلهم في الجرف تلك المدة مع ما قد أمروا به من الاسراع والتعجيل .
وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص
قولا وفعلا على تأميره .
وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ، من طعنهم في إمارته ، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا ،
وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم : أنها كانت من الوقائع التاريخية ،
وقد أعلن فيها كون أسامة أهلا لتلك الإمارة .
وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة ، مع ما رأوه من اهتمامه في
إنفاذه ، وعنايته التامة في تعجيل إرساله ، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك .
وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله وسلم ، في ذلك
الجيش ، وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة . سلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل
الأخبار ، واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار ، وقلتم أنهم كانوا
معذورين في ذلك ، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم أنهم إنما آثروا في هذه الأمور
مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم لا بما أوجبته النصوص النبوية ، ونحن ما
ادعينا – في هذا المقام – أكثر من هذا . وبعبارة أخرى ، موضوع كلامنا إنما هو في
أنهم هل كانوا يتعبدون في جميع النصوص أم لا ، اخترتم الأول ، ونحن اخترنا
الثاني ، فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم في هذه الأوامر يثبت ما اخترناه ، وكونهم
معذورين أو غير معذورين خارج عن موضع البحث كما لا يخفى ، وحيث ثبت
لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بما
أوجبته تلك النصوص ، فلم لا تقولون أنهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ، مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص
الغدير وأمثالها . اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة : بأنهم إنما طعنوا
بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ ، وقلتم : إن نفوس الكهول والشيوخ
تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلى الأحداث ، فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا
بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة وشيوخهم ،
لأنهم – بحكم الضرورة من أخبارهم – قد استحدثوا سنه يوم مات رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ، كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاه صلى الله عليه وآله ،
عليهم في تلك السرية ، وشتان بين الخلافة وإمارة السرية ، فإذا أبت نفوسهم
بجبلتها أن تنقاد للحدث في سرية واحدة ، فهي أولى بأن تأبى أن تنقاد للحدث مدة
حياته في جميع الشؤون الدنيوية والأخروية .
على أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الانقياد
للأحداث ممنوع ، إن كان مرادكم الإطلاق في هذا الحكم ، لأن نفوس المؤمنين
من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للأحداث ،
ولا في غيره من سائر الأشياء * ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم
لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) * ( 871 ) * ( وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) * ( 872 ) .
2 – أما الكلمة المتعلقة فيمن تخلف عن جيش أسامة ، التي أرسلها
الشهرستاني إرسال المسلمات ، فقد جاءت في حديث مسند ، أخرجه أبو بكر
أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة ، أنقله لك بعين لفظه ، ” قال :
حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح ، عن أحمد بن سيار ، عن سعيد بن كثير
الأنصاري عن رجاله ، عن عبد الله بن عبد الرحمن : أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين
والأنصار ، منهم : أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، و عبد الرحمن بن
عوف ، وطلحة ، والزبير ، وأمره أن يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد ، وأن يغزو
وادي فلسطين ، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله ، وجعل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث ، حتى
قال له أسامة : بأبي أنت وأمي أتأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى ، فقال
أخرج وسر على بركة الله ، فقال : يا رسول الله إن أنا خرجت وأنت على هذه
الحال ، خرجت وفي قلبي قرحة ، فقال : سر على النصر والعافية ، فقال يا
رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان ، فقال : انفذ لما أمرتك به ، ثم أغمي
على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقام أسامة فتجهز للخروج ، فلما أفاق
رسول الله صلى الله عليه وآله ، سأل عن أسامة والبعث ، فأخبر أنهم
يتجهزون ، فجعل يقول : أنفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه ، وكرر
ذلك ، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتى إذا كان بالجرف
نزل ومعه : أبو بكر ، وعمر ، وأكثر المهاجرين ، ومن الأنصار : أسيد بن
حضير ، وبشير بن سعد ، وغيرهم من الوجوه ، فجاءه رسول أم أيمن يقول له :
أدخل فإن رسول الله يموت ، فقام من فوره ، فدخل المدينة واللواء معه ، فجاء به
حتى ركزه بباب رسول الله ، ورسول الله قد مات في تلك الساعة ” ( 873 ) إنتهى
بعين لفظه ، وقد نقله جماعة من المؤرخين ، منهم العلامة المعتزلي في آخر ص 20
والتي بعدها من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة ، والسلام .

شاهد أيضاً

السيّد الخامنئي (دام ظله) هو قائد الأمة وصاحب الأثر الأكبر في مواجهة الاستكبار

أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله، سماحة السيّد، سامي خضرا، أن “فتاوى وخطب قائد ...