روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات
3 أبريل,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
1,601 زيارة
العبادات أنواعها وشروطها
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
-
يستنتج أنّ مراعاة الأحكام الشرعية للعبادات شرط لصحّتها.
-
يستنتج أنّ مراعاة الآداب الظاهرية والمعنوية شرط لقبول العبادة وكمالها.
-
يذكر نبذة عن كيفية عبادة وصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام وحالاتهم فيها.
أنواع العبادات في الإسلام
تنقسم العبادات في الإسلام إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يختصّ بالأبدان كالصّلاة والصّوم.
القسم الثّاني: يختصّ بالأموال كالزّكاة والحقوق الواجبة المتعلّقة بالأموال.
القسم الثّالث: يختصّ بالأبدان والأموال كالحجّ والجهاد.
وتنقسم هذه العبادات بتقسيم آخر إلى ثلاثة أقسام أخر:
الأوّل: يتكرّر في كلّ يوم كالصّلوات الخمس.
الثاني: يتكرّر في كلّ سنة كالصّوم والزّكاة.
الثّالث: يلزم في العمر مرّة، وهو الحجّ لا غير.
فأمّا الجهاد فيجب بحسب الحاجة إليه وحسب ما يدعو إليه المعصوم عليه السلام أو نائبه وهو الولي الفقيه في عصرنا الحاضر. والعبادات في الإسلام كثيرة ومتنوعة، لذا سنقتصر في هذا الكتاب على نماذج منه[1].
أحكام العبادات وآدابها
إن للعبادات أحكاماً وآداباً ينبغي مراعاتها لكي تتحقق الثمرة من فرضها وجعلها هدفاً سامياً للخلقة الإنسانية. فأحكامها الشرعية هي الأحكام الفقهية والقواعد المذكورة في الكتب الفقهية من قبيل: كيفية الوضوء والتيمم، وبيان واجبات الصلاة وأركانها. ويجب
على كل مكلّف تعلّم هذه الأحكام وأداء عباداته الشرعية وفقها، فهي المعيار في الحكم على صحّتها من عدمها.
وأما آداب العبادة فتقسم إلى نوعين، ظاهرية وباطنية:
-
1. آداب العبادة الظاهرية: ذكرتها الكتب الفقهية بعنوان المستحبات، كما ذُكر بعضها في كتب الأخلاق. وهي من قبيل: الأذكار المستحبة عند الوضوء، أو استحباب التختم بالعقيق أو إحناء الرأس أثناء القيام والقراءة في الصلاة.
-
آداب العبادة المعنوية: وتسمّى أيضاً الآداب المعنوية للعبادة، ويُطلق عليها أحياناً أسرار العبادة فإنها تذكر عادةً في الكتب الأخلاقية والعرفانية، وهي أمور روحية باطنية مرتبطة بروح الإنسان، من قبيل: حضور القلب في الصلاة، والخشوع في الدعاء.
وإن مراعاة الآداب الظاهرية والآداب المعنوية للعبادة هي شرطٌ لقبول العبادة وكمالها.
وللتوضيح نقول: إن الدعاء مثلاً له أحكامٌ وآدابٌ ظاهرية وآداب باطنية أي معنوية، فمن أحكام الدعاء استحبابه ما لم يكن في طلب المحرّم، أو قصد الضرر للآخرين.. وأما آداب الدعاء الظاهرية فهي الهدوء والسكينة وعدم رفع الصوت إلى الحدّ المكروه، لأن الصوت العالي خلاف الأدب. وأما آداب الدعاء المعنوية فهي روح الدعاء، حيث يشعر الداعي بأنه في محضر الله عزّ وجلّ، وأن المدعوّ سبحانه مطّلعٌ عليه وهو خير الشاهدين.
وقد قلنا بأن مراعاة الأحكام الظاهرية للعبادات شرطٌ لصحّتها وأن مراعاة الآداب الظاهرية والمعنوية للعبادات هو شرطٌ لقبول الأعمال العبادية وكمالها. فصحّة الأعمال هو أمرٌ مختلفٌ عن مقبوليّتها من جانب الله عزّ وجل، فكم من عبادةٍ صحيحةٍ بحسب الظاهر والأحكام الشرعية ولكنها لا تساوي شيئاً عند ربّ العالمين، وليس ذلك سوى لأنها تفتقر إلى الحدّ الأدنى من مراعاة الآداب المعنوية للعبادة.
رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “لا يَكْمُل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال فعلٍ وعملٍ ونيّةٍ وظاهرٍ وباطنٍ. فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا رسول الله ما يكون المائة وثلاث خصالٍ؟ فقال: يا عليّ من صفات المؤمن أن يكون جوّال الفكر جوهريّ الذّكر كثيراً علمه عظيماً حلمه…”[2].
أهميّة التعرّف إلى الآداب المعنوية للعبادات
إنّ الآداب المعنوية للعبادات أي الأسرار الإلهية حقيقةٌ واقعية لا يصل إليها إلا فئة من الناس يصفهم القرآن الكريم بالمطهّرين: ﴿ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلمُطَهَّرُونَ ﴾[3]. حيث يقول العلامة الطباطبائي في تفسيرها: وقوله: ﴿لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلمُطَهَّرُونَ ﴾… والمعنى: لا يمسّ الكتاب المكنون الذي فيه القرآن إلا المطهّرون أو لا يمسّ القرآن الذي في الكتاب إلا المطهّرون…
والمطهّرون – اسم مفعول من التطهير- هم الذين طهّر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب أو ممّا هو أعظم من ذلك وأدقّ وهو تطهير قلوبهم من التعلّق بغيره تعالى، وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمسّ الذي هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث كما هو ظاهر.
فالمطهّرون هم الذين أكرمهم الله تعالى بتطهير نفوسهم كالملائكة الكرام والذين طهّرهم الله من البشر، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجسَ أَهلَ ٱلبَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرا ﴾[4].
وفي الدر المنثور، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ إِنَّهُۥ لَقُرءَان كَرِيم ٧٧ فِي كِتَٰب مَّكنُون ﴾[5] قال: “عند الله في صحف مطهرة” ﴿ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلمُطَهَّرُونَ ﴾ قال: “المقرّبون“[6].
ولما كانت معارف وحقائق القرآن لا يحظى بها إلا المطهّرون، فكذلك العبادات لا يحظى بأسرارها ومعارفها إلا المطهّرون، وعندها تكون للعبادة لذّة وسرور، فلا تساوي لذّتها أي لذّة أخرى.
نحن نصلّي ولكنّنا لا نرى للصلاة أيّ تأثيرٍ ولا نحسّ بنورانيّتها، والسبب هو أننا نصلّي
دون معرفةٍ بأسرار الصلاة، في حين أن اللذّة تكمن في معرفة باطن الصلاة. وهنا تكمن أهمّية التعرّف إلى أسرار العبادات والآداب الباطنية لها. لأن هذه المعرفة هي التي تمكّننا من الحصول على ثمار العبادات النّفيسة التي إنّما كان تشريع العبادات بهدف امتلاك العابد لها ونيله لآثارها المباركة.
إن الدور الأساسي لمعرفة أسرار العبادات وآدابها المعنوية إنّما يرتبط بحقيقة النيّة التي يؤدّي الإنسان عباداته وفقها، فإن العبادة التي يأتي بها إنسانٌ عارفاً بأسرارها سوف تختلف حتماً على مستوى النية الباطنية عن تلك التي يأتي بها إنسانٌ آخر وهو غير ملتفتٍ إلى وجود حقيقةٍ وأسرارٍ للعبادة، حتى وإن كانت عبادتاهما لا تختلفان في أي شيء على مستوى الظاهر.
ومرجع هذا الاختلاف إنما ينبع من أن تصنيف العبادات بين أحكام ظاهرية وآداب باطنية ينطلق من حقيقة أن لكلّ عبادةٍ ظاهراً وباطناً، كما أسلفنا سابقاً: فالأحكام الواجبة والمستحبة تعيّن الشكل الظاهري لهذه العبادة أي قشرها، أما الإرادة والنية فهما يعيّنان باطن هذه العبادة ويعطيانها قيمتها أي حقيقتها.
فكما أن معرفة المكلّف بالأحكام الظاهرية للعبادة هو الأساس في أدائه لها بصورة صحيحة، كذلك فإن معرفته بأحكامها الباطنية هو الأساس في توجيه نيته نحو أدائها بحقيقتها الباطنية المطلوبة.
نبذة من عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
يحتاج الإنسان في حياته دائماً إلى القدوة والمثل الأعلى فيجعله أمام عينيه، ليقتدي ويتأسّى به كي يتمكّن بذلك من الوصول إلى أهدافه وغاياته في هذه الحياة.
فكل صاحب غاية إذا أراد أن يسلك أسرع الطرق الموصلة إلى مراده فما عليه إلا أن يتّخذ لنفسه خليلاً أو قدوة لديه نفس الرغبات والتوجّهات لما للصحبة من تأثيرٍ كبيرٍ على همّة الإنسان وقوة عزيمته. ومن أراد أن تكون العبودية لله هي هدفه وبغيته دائماً في هذه الحياة ما عليه إلا أن يبحث عن المصداق الحقيقي والواقعي لهذه العبودية، لتكون
بمثابة المحفّز نحو العبادة والمثبّت له للوصول إلى العبودية الحقّة لله سبحانه تعالى. ونحن لو بحثنا عن النموذج الأمثل والأتم لأناسٍ تجلّت العبودية في وجودهم بأجلى وأعلى مراتبها لما وجدنا غير رسول الله محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرجُواْ ٱللَّهَ وَٱليَومَ ٱلأخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرا ﴾[7]. ونقرأ في زيارتهم عليهم السلام: “اللّهمّ إنّي لو وجدت وسيلةً أقرب إليك من محمّد وأهل بيته الأخيار الأئمّة الأبرار عليهم السلام لجعلتهم شفعائي إليك”[8]. وفيما يلي نستعرض نماذج من عبادات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبعض أهل بيته عليهم السلام:
-
1. عبادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
أعظم الرجال الذين عرفتهم البشرية في تجسيد العبودية لله تعالى هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن المسلم يشهد في صلاته يومياً: “أشهد أن محمداً عبده ورسوله” مقدّماً مقام العبودية على مقام الرسالة. ولكثرة عبادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لله تعالى واجتهاده وتعبه فيها، أنزل تعالى: ﴿ مَا أَنزَلنَا عَلَيكَ ٱلقُرءَانَ لِتَشقَىٰ ﴾[9].
وعن الإمام علي عليه السلام أنه قال: “ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك فقال الله عزّ وجلّ: ﴿ طه ١ مَا أَنزَلنَا عَلَيكَ ٱلقُرءَانَ لِتَشقَىٰ ﴾[10] بل لتسعد”[11].
وقد عبّر صلى الله عليه وآله وسلم عن عشقه للصلاة والعبادة بالقول: “يا أبا ذرّ جعل الله جلّ ثَنَاؤه قرّة عيني في الصّلاة وحَبّب إليّ الصّلاة كما حَبّب إلى الجائع الطّعام وإلى الظّمآن الماء وإنّ الجائع إذا أكل شبع وإنّ الظّمآن إذا شرب رَوِيَ وأنا لا أشبع من الصّلاة“[12].
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من قراءة القرآن الكريم في كل أحواله، وكان يركّز على تلاوته ليلاً لأمر الله تعالى له بذلك في سورة المزّمّل: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ ١ قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾[13].
وكان صلى الله عليه وآله وسلم دائم الدعاء والذكر لله تعالى، فنجد له أدعيةً في جميع الأحوال عند الصباح والمساء، وبعد كل صلاة، وعند السفر وفي الحرب… وأما الذّكر فقد كان ذاكراً على الدوام وقد ورد في ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة وستين مرة ويقول: الحمد لله ربّ العالمين كثيراً على كل حال”[14].
أما صومه صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام فيه: “صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدهر كلّه ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام صيام أخيه داود عليه السلام يوماً لله ويوماً له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله، ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل شهر، فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله إليه“[15].
-
عبادة أمير المؤمنين علي عليه السلام:
كانت عبادة أمير المؤمنين عليه السلام لله تعالى كعبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته وخشوعه، حتى قيل إنه لم يقدر أحدٌ أن يصلّي صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا علي عليه السلام، ولا صلاة علي عليه السلام إلا علي بن الحسين عليه السلام.
رُوي عن إمامنا جعفر الصادقعليه السلام في حديث له عن جدّه علي عليه السلام أنه قال: “والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراماً قطّ حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضاً، إلا أخذ بأشدّهما عليه في دينه، إلى أن قال وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين عليه السلام، ولقد دخل ابنه أبو جعفر عليه السلام عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه
من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر عليه السلام: “فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء، فبكيت رحمةً له، وإذا هو يفكر، فالتفت إلي ّ بعد هنيهة من دخولي وقال: يا بنيّ أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته فقرأ منها شيئاً يسيراً ثم تركها من يده متضجّراً وقال: “من يقوى على عبادة علي بن أبيطالب عليه السلام؟”[16].
ويُروى أنه: “كان عليه السلام يفرش له بين الصفين والسهام تتساقط حوله وهو لا يلتفت عن ربه ولا يغير عادته ولا يفتر عن عبادته وكان إذا توجه إلى الله تعالى توجه بكليته وانقطع نظره عن الدنيا و ما فيها حتى أنه يبقى لا يدرك الألم لأنهم كانوا إذا أرادوا إخراج الحديد والنشاب من جسده الشريف تركوه حتى يصلي فإذا اشتغل بالصلاة وأقبل إلى الله تعالى أخرجوا الحديد من جسده ولم يحس فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك فيقول لولده الحسن عليه السلام إن هي إلا فعلتك يا حسن ولم يترك صلاة الليل قط حتى في ليلة الهرير”[17].
وعن عروة بن الزبير، قال: “كنّا نتذاكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعمال أهل بدر وبيعة أهل الرضوان، فقال أبو الدرداء: ألا أخبركم بأقل القوم مالاً وأكثرهم ورعاً واجتهاداً في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: علي بن أبي طالب عليه السلام، رأيته في حائط بني النجار يدعو، ثم انغمر في الدعاء، فلم أسمع له حسّاً وحركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، فذهبت لكي أوقظه لصلاة الفجر فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فلم يتحرك، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب عليه السلام. فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام: “يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه وقصته؟”، فأخبرتها الخبر. فقالت عليها السلام: “هي والله يا أبا الدرداء الغشوة التي تأخذه من خشية الله”. ثم أتوه بماء فنضحوا على وجهه فأفاق، ونظر إليّ وأنا أبكي. فقال عليه السلام: “ما بكاؤك يا أبا الدرداء؟ فقلت: بما أراه تنزله بنفسك. فقال عليه السلام: “كيف بك إذا رأيتني أدعى إلى
الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار وأسلمتني الأحباب، ورفضني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة بي بين يدي من لا تخفى عليه خافية“[18].
ولشدّة ارتباطه بالصلاة فقد ختم حياته عليه السلام وهو ساجدٌ في صلاة الفجر في محراب مسجد الكوفة.
-
عبادة السيدة الزهراء عليها السلام:
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رواية ذكر فيها مقام ومنزلة وعبادة السيدة الزهراء عليها السلام متى قامت في محرابها بين يديّ ربّها: “… وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين وهي بضعة منّي وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيّ وهي الحوراء الإنسيّة متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زَهَرَ نورها لملائكة السّماء كما يَزهَر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزَ وجلّ لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة إمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أنّي قد آمنت شيعتها من النّار”[19]. ويُروى أنها عليها السلام كانت تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى والنهج هو تواتر النفس من شدّة الحركة، وكانت تقوم حتى تتورّم قدماه[20].
-
عبادة الإمام الحسن عليه السلام:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: “إن الحسن بن علي عليه السلام كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار”[21].
-
عبادة الإمام الحسين عليه السلام:
وأما إمامنا الحسين عليه السلام ففي ليلة العاشر من محرّم طلب من الجيش الأموي أن يمهله تلك العشيّة قائلاً: “إنّا نريد أن نصلّي لربّنا الليلة ونستغفره، فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار”[22]. وقد رُوي أنه عليه السلام كان إذا توضّأ تغيّر لون وجهه وارتعدت مفاصله، فسُئل عن ذلك، فقال: “حقٌّ لمن وقف بين يديّ ذي العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله”[23].
كانت هذه نبذة يسيرة من عبادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت العصمة عليهم السلام بقدر ما تتّسع لها هذه الأوراق، والمصادر التاريخية زاخرةٌ بشواهد على عباداتهم الزاكية والراقية لله تعالى…
التمارين
ضع إشارة û أو ü في المكان المناسب:
1 – إنّ للعبادات أحكاماً وآداباً ينبغي مراعاتها لكي تتحقّق الثمرة من فرضها وجعلها هدفاً سامياً للخلقة الإنسانية
2 – إنّ مراعاة الآداب الظاهرية والمعنوية للعبادة ليست شرطاً أساسياً لقبول العبادة وكمالها
3 – الأحكام الشرعية للعبادات هي الأحكام الفقهية والقواعد المذكورة في الكتب الفقهية فقط
4 – ليس واجباً على كل مكلّف تعلّم كافة الأحكام الفقهية وأداء عباداته الشرعية وفقها بل يكفي تعلّم المسائل الفقهية الضرورية فقط
5 – افتقار العبادة إلى الحدّ الأدنى من مراعاة الآداب المعنوية للعبادة يؤدّي إلى بطلانها
6 – إنّ القيام بآداب العبادة الباطنية والظاهرية لا يرتبط بالنية، بل يكفي العمل بتلك الآداب ولو ظاهرياً
7 – العبادة التي يأتي بها الإنسان عارفاً بأسرارها سوف تختلف حتماً على مستوى النية الباطنية عن تلك التي يأتي بها آخر وهو غير ملتفت حتى إلى وجود حقيقةٍ وأسرارٍ للعبادة
8 – الإرادة والنية في العبادة يعيّنان ظاهر العبادة ويعطيانها قيمتها الحقيقية والواقعية
9 – يُمثّل المعصومون المثال الأتم الذي تجلّت العبودية الحقيقية في وجودهم بأجلى وأعلى مراتبها
10 – من صفات المؤمن أن يكون جوّال الفكر جوهريّ الذّكر كثيراً علمه عظيماً حلمه
المفاهيم الرئيسة
-
إن للعبادات أحكاماً وآداباً ينبغي مراعاتها لكي تتحقق الثمرة من فرضها وجعلها هدفاً سامياً للخلقة الإنسانية.
-
الأحكام الشرعية للعبادات هي الأحكام الفقهية والقواعد المذكورة في الكتب الفقهية. ويجب على كل مكلّف تعلّم هذه الأحكام وأداء عباداته الشرعية وفقها فهي المعيار في الحكم على صحّتها من عدمها.
-
آداب العبادة نوعان: ظاهرية وباطنية: الآداب الظاهرية ذُكرت في الكتب الفقهية وكتب الأخلاق بعنوان المستحبات، والآداب الباطنية أو الآداب المعنوية أو أسرار العبادة فإنها تذكر في الكتب الأخلاقية والعرفانية وهي أمور روحية باطنية مرتبطة بروح الإنسان.
-
إن مراعاة الآداب الظاهرية والآداب المعنوية للعبادة هي شرطٌ لقبول العبادة وكمالها.
-
صحّة الأعمال هو أمرٌ مختلفٌ عن مقبوليّتها من جانب الله عزّ وجل، فكم من عبادةٍ صحيحةٍ بحسب الظاهر والأحكام الشرعية ولكنها لا تساوي شيئاً عند ربّ العالمين، وليس ذلك سوى لأنها تفتقر إلى الحدّ الأدنى من مراعاة الآداب المعنوية للعبادة.
-
إن الدور الأساسي لمعرفة الآداب الباطنية للعبادات أي أسرارها إنّما يرتبط بحقيقة النيّة التي يؤدّي الإنسان عباداته وفقها، فإن العبادة التي يأتي بها إنسانٌ عارفاً بأسرارها سوف تختلف حتماً على مستوى النية الباطنية عن تلك التي يأتي بها آخر وهو غير ملتفت حتى إلى وجود حقيقةٍ وأسرارٍ للعبادة.
-
لو بحثنا عن النموذج الأمثل الأتم لأناسٍ تجلّت العبودية في وجودهم بأجلى وأعلى مراتبها لما وجدنا غير محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
للمطالعة
أثر العبادة
كل عبادة من العبادات وكل منسكٍ من المناسك الشرعية، فضلاً عن أن لها صورة أخروية وملكوتية، وبها يتم عمارة الجنة الجسمانية وقصورها، وتهيئة الغلمان والحور – طبقاً للبراهين والأحاديث – فإن لكل عبادة من العبادات أيضاً أثراً يحصل في النفس، مما يقوّي الإِرادة شيئاً فشيئاً ويصل بقدرتها إلى حد الكمال.
لذلك كلّما كانت العبادات أشق كانت أرغب: “أَفْضَلُ الأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا”. فالتنازل عن النوم اللذيذ في ليل الشتاء البارد، والانصراف إلى عبادة الحق المتعال، يزيد من قوة الروح وتغلبها على قوى الجسم، ويقوّي الإرادة. وإذا كان هذا في أول الأمر على شيءٍ من المشقة والعناء، فإن ذلك يخفّ تدريجاً كلّما واصل العبادة، وازدادت طاعة الجسم للنفس. إذ أننا نلاحظ أن أهل العبادة يقومون بالأعمال دون مشقة وتكلف. أما نحن فشعورنا بالكسل وبالمشقة ناشئ من أننا لا نبدأ بالعمل. فلو إننا بدأنا العمل وكررناه عدة مرات، لتبدلت مشقته إلى راحة، بل إن أهلها يلتذّون بها أكثر مما نلتذّ نحن بمشتهيات الدنيا. إذاً، الأمر يصبح عادياً بالتكرار. ولهذه العبادة ثمرات، منها: أنّ صورة العمل نفسه تصبح على قدر من الجمال في ذلك العالم لا يكون له نظير في هذا العالم، ونكون عاجزين عن تصوّر مثلها. ومنها: أن النفس تصبح ذات عزمٍ واقتدار، فتكون لها نتائج كثيرة، وقد سمعت واحدة منها. ومنها: أيضاً أنها تجعل الإِنسان يأنس بالذكر والفكر والعبادة، فإن المجاز قد يقرّب الإنسان إلى الحقيقة، فيتوجّه القلب إلى مالك الملوك، وتحلّ المحبة لجمال المحبوب الحقيقي، ويخفّ تعلق القلب وحبه للدنيا والآخرة[24].
[1] الدروس التي اخترنا تناولها في هذا الكتاب هي: الصلاة والصيام وقراءة القرآن والدعاء وزيارة مشاهد الأولياء والتوسّل والحج. نظراً لأهمية هذه العبادات في حياة الإنسان المؤمن. وقد استثنينا العبادات ذات الطابع المالي البحت حيث تُطلب في مواردها الخاصة.
[2] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج11، ص179.
[3] سورة الواقعة، الآية 79.
[4] سورة الأحزاب، الآية 33.
[5] سورة الواقعة، الآيتان 77 ـ 78.
[6] العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج19، ص137 و141، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1417هـ، ط5.
[7] سورة الأحزاب، الآية 21.
[8] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج10، ص423.
[9] سورة طه، الآية 2.
[10] سورة طه، الآيتان 1 ـ 2.
[11] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج17، ص286.
[12] م. ن، ج74، ص79.
[13] سورة المزمل، الآيتان 1-2.
[14] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 503.
[15] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج10، ص437.
[16] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص75.
[17] الحسن بن محمد الديلمي، إرشاد القلوب،ج2، ص21 ،انتشارات الشريف الرضي، 1415 – 1374ش، ط 2.
[18] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج41، ص11.
[19] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج28، ص37.
[20] م. ن، ج81، ص 258.
[21] م. ن، ج81، ص 258.
[22] السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص54، أنوار الهدى – قم – ايران، 1417، ط 1.
[23] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص 346.
[24] الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، الحديث السَادِس: من أصبح وأمسى والدنيا أو الآخِرة أكبر همّه.
2019-04-03