الرئيسية / تقاريـــر / الحريري وعرقلة تشكيل الحكومة

الحريري وعرقلة تشكيل الحكومة

الوقت- قبل أكثر من 3 أشهر أعطى الرئيس اللبناني ميشال عون الأمر لرئيس الوزراء سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة للمرة الثالثة في تاريخه، وكان قد سبق ذلك أزمة دبلوماسية بين لبنان والسعودية على خلفية احتجاز الأخيرة للحريري وإجباره على الاستقالة ما اضطر دولاً خارجية للتدخل وإنهاء الأزمة، وبالرغم من حلّ أزمة الحريري إلا أن أزمة لبنان لم تجد طريقها للحل، علماً أن لبنان أجرى انتخابات نيابية لأول مرة على أساس قانون الانتخاب النسبي ولم يعارض أحد نتائجها ومع ذلك لم يتمكّن الحريري من تشكيل الحكومة.

أسباب التعطيل

الجميع في لبنان يريد تشكيل حكومة وطنية تساهم في تخليص البلاد من مشكلاتها الاقتصادية والسياسية والجميع متفق على ذلك، هذا نظرياً، أما عملياً فالأمور أعقد من ذلك، حيث إن كل طرف يتّهم الأطراف الأخرى بالتعطيل دون الوصول حتى اللحظة إلى أي حل مُرضٍ للجميع، لدرجة أن سعد الحريري وصل إلى حدّ أكّد فيه مراراً وتكراراً أنه لا يستطيع أن يقدّم أكثر مما قدمه حتى الآن.

وبالتالي ستبقى البلاد على هذا النحو إلى أجل غير مسمى، وبحسب مصادر دبلوماسية فإن المشكلات اليوم تتنوع بين صراع خفي على الصلاحيات وصراع على حصة “القوات اللبنانية” الوزارية، وقالت المصادر إن الرئيس المكلف سعد الحريري صارح الرئيس عون بأنه لا يمكنه السير في حكومة لا تلبي طلبات “القوات اللبنانية”، وإن الحريري سمع جواباً مفاده أنه يجب أن يتحمّل مسؤوليته، وأن يبادر إلى طرح تشكيلة ويعرضها على المجلس النيابي لنيل الثقة، وقالت المصادر إن الرئيس عون شدّد أمام الحريري على عدم إمكانية ربط حاجات ومصالح البلاد بمطلب قوة سياسية معينة، وإنه لا يمكن للبلاد الانتظار وقتاً طويلاً.

وهنا يجب أن نشير إلى صراع خفي يعاني منه الحريري أكثر من غيره لكونه المكلف في تشكيل حكومة لا تلبي مطالب كتلة “تيار المستقبل” الذي ينتمي إليه ولا تلبي مصالح السعودية الحليف الرئيسي للحريري في لبنان، وفي نفس الوقت لا يستطيع سعد الحريري الخروج عن النتائج الرسمية التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية والتي لم تكن لمصلحة “تيار المستقبل”، ومن هنا بدأ الضغط السعودي يتكرر على لبنان لعرقلة جميع الجهود الرامية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة لا تملك السعودية اليد الطولى فيها، والشعب اللبناني الوحيد الذي يدفع ثمن هذه المناكفة السياسية.

موقف السعودية

أرادت السعودية معاقبة الحريري على طريقتها بعد فشلها في تشكيل حكومة لبنانية على المقاس السعودي، لذلك عمدت بدايةً إلى تجميد عمل شركة “سعودي أوجيه” التي تمثل المورد الرئيسي لتمويل تيار المستقبل وحلفائه في لبنان، ومع ذلك لم يبدِ الحريري أي ردة فعل تجاه المملكة تجنّباً لتأزيم الأوضاع أكثر مما هي عليه.

اليوم تراقب السعودية ما يجري من بعيد دون أن تقدّم أي مساندة لحليفها الحريري وتصرّ على أن تتركه وحيداً حتى تحقيق مطالبها بأن يكون لحلفائها في لبنان تمثيلاً قويّاً في الحكومة حتى لو خالف ذلك النتائج البرلمانية ولا يبدو أن سعد الحريري يستطيع مخالفتها في هذا الطرح حتى اللحظة، ربما امتصاصاً لغضب المملكة وتجنيب لبنان مزيداً من المشكلات والفتن، خاصةً أن السعودية خسرت جميع أوراقها السياسية في دول الجوار وبالتالي فإن التمسك بعرقلة الأوضاع في لبنان قد يشعرها بأنها لا تزال قادرة على التأثير وأن ورقة لبنان لا تزال تحت عباءتها، لذلك نجدها اليوم تبحث عن تمثيل قوي لكل من “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” في الحكومة اللبنانية.

السعودية لم تبدِ أي حسن نية تجاه لبنان وشعبها، وتريد أن تُبقيها دولة تابعة غير قادرة على الخروج من تحت عباءتها مهما كلّف الثمن، وما أغضب السعودية النصر الذي حققه “حزب الله” وأنصاره في الانتخابات البرلمانية على حساب حلفائها وبالتالي أصبح الأمر معقّداً أكثر بالنسبة للمملكة لذلك لا حلّ اليوم سوى معاقبة لبنان اقتصادياً وهذا ما لا يستطيع سعد الحريري تحمّل نتائجه.

تدخّل الرياض في الشؤون الداخلية اللبنانية ليس بالأمر الجديد وقد رأينا ذلك مراراً وتكراراً خاصة خلال الفترة التي طردت فيها الخارجية العراقية السفير السعودي ثامر السبهان من على أراضيها لتدخّله بشؤونها الداخلية، ولكونه عرّاب المشكلات في كل مكان يحل به أرادت السعودية استثمار موهبة السبهان في لبنان لتعيينه بعد عودته من العراق وزيراً للشؤون الخليجية، ومع ذلك كنا نجده يفتن بين اللبنانيين بداية بنشره تغريدات محرّضة على حسابه على تويتر مروراً بالزيارات المكوكية التي كان يقوم بها وصولاً إلى احتجاز الحريري في السعودية.

وتم رفع أكثر من دعوة بحقه فقبل 6 أشهر قرر قاضي التحقيق الأول في بيروت، غسان عويدات، قبول الشكوى المقدّمة من الأسير المحرّر نبيه عواضة، بواسطة وكيله المحامي حسن بزي، ضد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج الفارسي، ثامر السبهان، بجرم “إثارة النعرات بين اللبنانيين ودعوتهم إلى الاقتتال وتعكير علاقات لبنان بدولة أجنبية”، أفادت بذلك “الوكالة الوطنية للإعلام” في لبنان، وقد قبِل القاضي عويدات السير بالدعوى، على أن يحدّد في وقت قريب موعداً لاستجواب الوزير السعودي.

في الختام.. معاقبة لبنان اقتصادياً قد تأزّم الأوضاع الاقتصادية في لبنان وتعقّدها أكثر ولكنها لن تستطيع شلّ لبنان ومؤسساتها الوطنية التي تحرص على أن تكون صاحبة القرار الوطني في أي ملف داخلي أو خارجي يخصّ شؤون البلاد، ولا شك بأن البلبلة التي تتعمّد السعودية صنعها في لبنان لها تأثير على عدم استقرار لبنان، ولكن هل ستستطيع فرض شروطها عبر الحريري أم سيكون القرار الوطني أكبر من تحريض السعودية؟!.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...