الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / العبادة الواعية

العبادة الواعية

الدرس التاسع

أجزاء الصلاة

الركوع:

بعد استعراض سلسلة من المعارف، وطلب أهم الحاجات والمقاصد من الحضرة الأبدية، نتجه عملاً نحو الخضوع، ونؤدي حالة الركوع التي تعبّر ـ على حدّ تعبير الإمام الصادق (ع) ـ عن أدب العبد الخاص إزاء الربّ فنحمده، وننزهه عن كل شيء، حتى عن حاجته إلى صلاتنا وخضوعنا، فنحن نؤدّي هذا الأدب لاستحقاق الربّ له.

فأولياء الله يشعرون بلذة من ذكر الله في حال الركوع والسجود ما لا يمكن لهم ترك تلك الحال بسرعة. يقول أبان بن تغلب: “دخلت على أبي عبد الله (ع) وهو يصلي فعددت في الركوع ستين تسبيحه”[1].

إن الركوع ركن من أركان الصلاة تؤدي الزيادة والنقصان فيه ـ بأي نحو من الأنحاء حصلا ـ إلى بطلان الصلاة[2]، كما أن عدم مراعاة الطمأنينة وعدم إتمام الركوع يؤدّي إلى الخروج عن دين رسول الله (ص)[3].

السجود:

إن أوضح درجات العبودية، واقرب حالات العبد إلى الله سبحانه حالة السجود. وجميع ذرّات الوجود وفقاً لنص القرآن الكريم تسجد لله بنحوٍ ما[4]. ولما كانت هذه الحالة تتسم بالتذلل والخضوع، فإن أهل الباطل يسجدون أمام أصنامهم وآلهتهم، وبحضرة ملوكهم ومدعي الألوهية أيضاً، احتراماً لهم. إن السجود عمل يتكرر فيه تقديس الله وتنزيهه مرّة أخرى وأرضية مناسبة لكل نجوى وحوار مع الله سبحانه. وقد رويت روايات كثيرة في أهمية السجود وفضيلته واستحباب إطالته نعدّد فيما يلي بعضها:

1 ـ طريق بلوغ الجنّة: دخل رجل على رسول الله (ص) فقال له الرسول (ص): “ما تريد؟ فقال: الجنة. فلبث رسول الله (ص) هنيهة ثم قال: يا عبد الله أعنّا بطول السجود”[5].

2 ـ اقرب ما يكون العبد إلى الله: عن الإمام الصادق (ع) قال: “أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد”[6].

3 ـ غفران الذنوب: قال رسول الله (ص):

“من سجد سجدة حط بها خطيئته، ورفع له بها درجة”.

4 ـ سنة أولياء الله: قال الصادق (ع) مخاطباً أحد أصحابه:

“يا أبا محمد! عليك بطول السجود، فإن ذلك من سنن الأوّلين”[7].

وفي القرآن الكريم قال تعالى بعد ذكره اسم جمع من الأنبياء مثل زكريا ويحيى وعيسى وموسى وإبراهيم وإسماعيل وإدريس ونوح وغيرهم:

(وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجداً وبكياً)[8].

5 ـ أقوى العوامل تأثيراً في طهارة القلب: يقول الميرزا جواد الملكي التبريزي (رحمه الله): “أن أكبر العوامل تأثيراً في إصلاح القلب هو المداومة على السجود الطويل. فإذا فعل ذلك في اليوم والليلة مرّة واحدة قائلاً بوعي والتفات إلى ما يحمله هذا الذكر من معاني:

(لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)[9].

6 ـ سبب فخر الله سبحانه: وصى الرسول الأكرم (ص) أحد أنصاره ويدعى اسامة فقال: “عليك بالسجود… فما من عبد يسجد لله سجدة إلاّ كتبَ الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة وباهى به ملائكته (بأنه خضع لعظمة الله بالرغم من كل دوافع الباطل)[10]“.

7 ـ الاعتراف الكنائي بالحياة الدنيا والآخرة: سئل عليّ (ع): عن معنى السجود فقال: “معناه منها خلقتني (يعني من التراب). ورفع رأسك من السجود معناه منها أخرجتني والسجدة الثانية وإليها تعيدني، ورفع رأسك في السجدة الثانية ومنها تخرجني تارة أخرى”[11].

وقد قال الله تعالى: (الذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً)[12].

وفي موضع آخر قال في بيان الممدوحين من أتباع الأديان السماوية: (يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون)[13].

ويصف في آية أخرى السجود بأنه من خصائص رسول الله (ص) وأصحابه، فيقول:

(سيماهم في وجوههم من أثر السجود)[14].

9 ـ مباهاة الأرض: قال رسول الله (ص) لأبي ذر ما معناه: “إن الأرض التي يضع المؤمن قدمه عليها، ويُظللها بوجهه أمام عظمة الحق لتُباهي سائر البقاع”[15].

10 ـ سبيل بلوغ الأماني: كان الإمام الصادق (ع) كلّما ألمت به حاجة، أهوى رأسه إلى السجود، وقال سبع مرّات: “يا أرحم الراحمين” ثم يسأل الله حاجته. وكان يقول: “من قالها سبعاً قال الله: أنا أرحم الراحمين سل حاجتك”[16].

سجدة الشكر:

وردت فيما عدا السجدات التي نأتي بها في صلواتنا الواجبة والمستحبة توصيات عدة حول سجدة الشكر خارج الصلاة، لأن هذه الحال تكون سبب للقرب من الله وفرار الشيطان وضجيجه، وتعكس أسمى حالات الخضوع والتعبُّد. ففي رواية عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قال: “سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها”[17].

وعن الصادق (ع) قال: “إذا ذكرت نعمة الله عليك، وكنت في موضع لا يراك أحد، فألصق خدّك بالأرض. وإذا كنت في ملاء من الناس فضع يدك على أسفل بطنك، وأحنِ ظهرك”[18] وجاء في رواية أخرى أنه قال: “إذا ذكر أحدكم نعمة الله عزّ وجل… فإن لم يقدر فليضع خدّه على كفه، ثمّ ليحمد الله على ما أنعم عليه”[19].

وروي أن رسول الله (ص) كان يمر في طريق إذ أوقف الناقة، وترجّل منها، وسجد خمس مرّات. فسأله أصحابه عن ذلك فقال: “نعم استقبلني جبريل، فبشرني بشارات من الله عزّ وجلّ فسجدت شكراً لله لكل بشرى سجدة”[20].

إن التحلي بروح الشكر فضيلة تستحق الاستحسان، وتستدعي بشكل طبيعي زيادة النعمة عند الله سبحانه والناس.

القنوت والتشهد:

للقنوت والتشهد معاني مختلفة منها الدعاء والطاعة والسكون، والامتناع من الحديث، والقيام، والصلاة والخشوع والعبادة. فالقنوت في الصلاة بمعنى الدعاء والطلب الواقع بهيئة خاصة، حيث يؤدى في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الدعاء بكل لغة وبأي شيء جائز في القنوت، فيمكن للمصلي أن يدعو بالفارسية أو بغيرها.

كما جاء عن النبي (ص) أنه قال: “أطولكم قنوتاً في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف”[21] و”أفضل الصلاة ما طال قنوتها”[22] وعن الإمام الرضا (ع) في رسالته إلى المأمون ذكرّه: “أن القنوت من السنن الواجبة في كل صلاة”[23].

وقد كان أصحاب السير والسلوك وذو المعرفة والفقر إلى الله من أمثال العارف الرباني الملا هادي السبزواري يدعون في الصلاة دعاء الجوشن الكبير الذي يشتمل على أكثر من ألف أسم لله تبارك وتعالى، بينما يدعو آخرون من أصحاب النجوى في الخفاء والخلوة بالمحبوب بدعاء كميل، وأبي حمزة الثمالي في قنوت الصلاة.

والتشهد ما هو إلاّ شهادة بوحدانية الله ورسالة محمد (ص)، ورسول رحمة هدية إلى هادي الأمة ووسيط الرحمة وآله المكرمين حيث يتشهد مرة في كل صلاة ثنائية، ومرتين في كل صلاة رباعية بما يأتي:

“أشهد أن لا إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، اللهُم صل على محمّد وآل محمّد”.

وقد أُشير في الروايات إلى كيفية الصلاة على محمّد. وأيّد أهل السنة أيضاً النحو المذكور من الصلاة إذ يقول البخاري: سئل رسول الله عن الصلاة فقال: قولوا:

“اللهم صل على محمد وعلى…”[24].

وللشافعي أشعار يقول فيها:

يا آل بيت رسول الله حبكمُ

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له[25]

وبعد التشهد من الركعة الأخيرة من الصلاة يسلم على النبي (ص) في السلام الأول وعلى عباد الله الصالحين في السلام الثاني، وعلى الأنبياء والملائكة في السلام الثالث وبذلك تنتهي الصلاة.

[1] وسائل الشيعة، ج4، ص927.

[2] “إذا رفع المأموم في صلاة الجماعة رأسه قبل الإمام وجب عليه العود ومتابعة الإمام، ولا إشكال في زيادة الركن” (توضيح المسائل).

[3] فروع الكافي ج1، ص74.

[4] (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب و…)(الحج/18).

[5] فروع الكافي ج1، ص73.

[6] وسائل الشيعة ج4، ص980.

[7] وسائل الشيعة ج4، ص981.

[8] سورة مريم، الآية:58.

[9] أسرار الصلاة، ص270.

[10] جامع أحاديث الشيعة ج5، ص26.

[11] بحار الأنوار، ج85، ص139.

[12] سورة الفرقان، الآية64.

[13] سورة آل عمران، الآية:113.

[14] سورة الفتح، الآية:9.

[15] جامع أحاديث الشيعة ج5، ص237.

[16] المصدر السابق، ص479.

[17]  جامع أحاديث الشيعة ج5، ص453.

[18]  الوافي ج8، ص820.

[19]  المحجة البيضاء ج1، ص346.

[20]  المحجة البيضاء ج1، ص346.

[21]  بحار الأنوار، ج85، ص199.

[22]  الخصال، ج2، ص103.

[23]  عيون أخبار الرضا (ع) ج2، ص123.

[24]  صحيح البخاري ج8، باب الصلاة على محمد.

[25]  مسند أحمد ابن حنبل، ج6 ص323.

شاهد أيضاً

أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كتب أهل السنّة

أئمة أهل البيت (ع) في كتب أهل السنّة / الصفحات: ٣٢١ – ٣٤٠ الثاني وإن ...