فالأئمة الاثنا عشر المعروفون بين المسلمين ، والذين ينادي بإمامتهم الشيعة
الإمامية ، والذين أولهم علي أمير المؤمنين وآخرهم المهدي تنطبق عليهم تلك
العلائم ، ومن وقف على حياتهم العلمية والاجتماعية والسياسية يقف على أنهم هم
المثل الأعلى في الأخلاق ، والقمة السامقة في العلم والعمل والتقوى والإحاطة
بالقرآن والسنة ، وبهم حفظ الله تعالى دينه وأعز رسالته .
وأما ما ورد في بعض هذه الطرق أن : ” كلهم تجتمع عليهم الأمة ” فهو على
فرض الصحة ، فالمراد منه تجتمع على الإقرار بإمامتهم جميعا وقت ظهور آخرهم ،
و – على فرض الإبهام – لا تمنع عن الأخذ بمضامين الحديث .
هلم معي نقرأ ماذا يقول غير الشيعة في حق هذه الأحاديث ، وكيف يؤولونها
بالخلفاء القائمين بالأمر بعد النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وإليك نصوص كلامهم :
1 – إن قوله اثنا عشر إشارة إلى عدد خلفاء بني أمية ! ! وأول بني أمية يزيد بن
معاوية وآخرهم مروان الحمار وعدتهم اثنا عشر ، ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن
الزبير ، لكونهم صحابة ، ولا مروان بن الحكم لكونه صحابيا أو لأنه كان متغلبا بعد
أن اجتمع الناس على عبد الله بن الزبير ، وليس على المدح بل على استقامة
السلطنة ، وهم يزيد بن معاوية وابنه معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر
ابن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد ثم
يزيد بن الوليد ثم إبراهيم بن الوليد ثم مروان بن محمد ( 1 ) .
وجوابه : أنه لو كان الرسول أراد هذا ولم يكن في مقام مدحهم فأي فائدة
في الإخبار بذلك . ثم كيف يقول : إنها صدرت على غير سبيل المدح مع ما
عرفت من السمات الواردة الصريحة في المدح مثل : ” لا يزال هذا الدين عزيزا
منيعا قائما ” ، أو ” أمر أمتي صالحا ” . والعجب أنه جعل أول الخلفاء يزيد بن معاوية
بحجة أنه استقامت له السلطنة ، مع أنه كيف استتبت له السلطنة وقد ثار عليه
العراق في السنة الأولى ، وثار عليه أهل المدينة في السنة الثانية ، وكان مجموع أيامه
مؤلفة من حروب دامية وقتل ونهب وتدمير لا يقر بها صاحب ذرة من الشرف
والإيمان .
2 – ” إن المراد أنه يملك اثنا عشر خليفة بهذه السمات بعد وفاة المهدي ” ( 1 ) وهذا
من أغرب التفاسير ، لأن الأخبار ظاهرة في اتصال خلافتهم بعصر النبي
الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، ولأجل تبادر ذلك في أذهان الناس سألوا عبد الله بن مسعود عن عدد
من يملك أمر هذه الأمة .
3 – ما نقله ابن حجر في فتح الباري عن القاضي عياض : أن المراد بهم الخلفاء
الذين اجتمع عليهم الناس ، وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية ، ويزيد ،
وعبد الملك ، وأولاده الأربعة ، الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام ، وعمر بن عبد
العزيز بن سليمان ويزيد ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين ، والثاني عشر هو
الوليد بن يزيد بن عبد الملك ( 2 ) .
ولا يكاد ينقضي تعجبي من القاضي عياض وابن حجر كيف يعرفان هؤلاء
بمن عز بهم الإسلام والدين وصار منيعا وفيهم يزيد بن معاوية ذلك السكير
المستهتر الذي كان يشرب الخمر ويدع الصلاة ، ولم يكتف بذلك بل ضرب الكعبة
بالمنجنيق ، وأباح المدينة ثلاثة أيام بأعراضها وأموالها وأنفسها بعد قتله لابن بنت
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحسين بن علي ( عليه السلام ) وأخوانه وأبنائه وخيرة أصحابه ، وسير بنات
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سبايا دون حرمة لجدهم إلى الشام من أرض كربلاء ، فليت شعري
ما هو ميزان القوم في تفسيرهم للسنة النبوية وتعاملهم معها ؟ وكل الحقائق تكذب
ما ذهبوا إليه وما صرحوا به .
وهل اعتز الإسلام بعبد الملك الذي يكفي في ذكر مساوئه تنصيبه الحجاج على
العراق فقتل من الصحابة والتابعين ما لا يخفى ( 1 ) ؟ !
وكيف اعتز الدين بالوليد بن يزيد بن عبد الملك المنتهك لحرمات الله حاول أن
يشرب الخمر فوق ظهر الكعبة ففتح المصحف فإذا بالآية الكريمة : { واستفتحوا
وخاب كل جبار عنيد } ( 2 ) فألقاه ورماه بالسهام وأنشد :
تهددني بجبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل يا رب مزقني الوليد
ومن أراد أن يقف على جنايات الرجل وأقربائه وأجداده فليقرأ التاريخ الذي
اسودت صفحاته بأفعالهم الشنيعة التي لا يسترها شئ ولا يغفل عنها إلا السذج
والبلهاء .
أقول : إن للكاتب القدير السيد محمد تقي الحكيم كلاما في هذه الأحاديث
يطيب لي نقله . قال : والذي يستفاد من هذه الروايات :
1 – أن عدد الأمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر وكلهم من قريش .
2 – أن هؤلاء الأمراء معينون بالنص ، كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء
بني إسرائيل ، لقوله تعالى : { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني
عشر نقيبا } ( 1 ) .
3 – أن هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الإسلامي أو حتى تقوم
الساعة كما هو مقتضى رواية مسلم : ” إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم
اثنا عشر خليفة ” وأصرح من ذلك روايته الأخرى في نفس الباب : ” لا يزال هذا
الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ” .
إذا صحت هذه الاستفادة فهي لا تلتئم إلا مع مبنى الإمامية في عدد الأئمة
وبقائهم وكونهم من المنصوص عليهم من قبله ( صلى الله عليه وآله ) وهي منسجمة جدا مع حديث
الثقلين وبقاؤهما حتى يردا عليه الحوض .
وصحة هذه الاستفادة موقوفة على أن يكون المراد من بقاء الأمر فيهم بقاء
الإمامة والخلافة بالاستحقاق لا بالسلطة الظاهرية ، لأن الخليفة الشرعي خليفة
يستمد سلطته من الله ، وهي في حدود السلطة التشريعية لا التكوينية ، لأن هذا
النوع من السلطة هو الذي تقتضيه وظيفته باعتباره مشرعا ، ولا ينافي ذلك ذهاب
السلطة منهم في واقعها الخارجي وتسلط الآخرين عليهم ، على أن الروايات تبقى
بلا تفسير لو تخلينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة أن السلطة الظاهرية قد
تولاها من قريش أضعاف أضعاف هذا العدد ، فضلا عن انقراض دولهم وعدم
النص على أحد منهم – أمويين وعباسيين – باتفاق المسلمين .
ومن الجدير بالذكر أن هذه الروايات كانت مأثورة في بعض الصحاح
والمسانيد قبل أن يكتمل عدد الأئمة ، فلا تحتمل أن تكون من الموضوعات بعد
اكتمال العدد المذكور ، على أن جميع رواتها من أهل السنة ومن الموثوقين لديهم ،
ولعل حيرة كثير من العلماء في توجيه هذه الأحاديث ، ومحاولة ملائمتها للواقع
التاريخي كان منشؤها عدم تمكنهم من تكذيبها ، ومن هنا تضاربت الأقوال في
توجيهها وبيان المراد منها .
والسيوطي – بعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة – خرج
برأي غريب وهو أنه وجد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة ، والحسن ، ومعاوية ،
وابن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز في بني أمية ، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل ،
وبقي اثنان منتظران ، أحدهما المهدي ، لأنه من أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) . ولم يبين المنتظر
الثاني ، ورحم الله من قال في السيوطي : إنه حاطب ليل .
الإمام الأول : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
إن الإمام علي بن أبي طالب أشهر من أن يعرف ، ولقد قام لفيف من السنة
والشيعة بتأليف كتب وموسوعات عن حياته ، ومناقبه ، وفضائله ، وجهاده ،
وعلومه ، وخطبه ، وقصار كلماته ، وسياسته ، وحروبه مع الناكثين والقاسطين
والمارقين ، فالأولى لنا الاكتفاء بالميسور في هذا المجال ، وإحالة القارئ إلى تلك
الموسوعات ، بيد أننا نكتفي هنا بذكر أوصافه الواردة في السنة فنقول :
هو أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين ،
وأول القوم إيمانا ، وأوفاهم بعهد الله ، وأعظمهم مزية ، وأقومهم بأمر الله ، وأعلمهم
بالقضية ، وراية الهدى ، ومنار الإيمان ، وباب الحكمة ، والممسوس في ذات الله ،
خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، الهاشمي ، وليد الكعبة المشرفة ، ومطهرها من كل صنم ووثن ،
الشهيد في البيت الإلهي ( مسجد الكوفة ) في محرابه حال الصلاة سنة 40 ه .
وكل جملة من هذه الجمل ، وعبارة من هذه العبارات ، كلمة قدسية نبوية
أخرجها الحفاظ من أهل السنة ( 1 ) .
مكونات الشخصية الإنسانية
تعود شخصية كل إنسان – حسب ما يرى علماء النفس – إلى ثلاثة عوامل
هامة لكل منها نصيب وافر في تكوين الشخصية وأثر عميق في بناء كيانها .
وكأن الشخصية الإنسانية لدى كل إنسان أشبه بمثلث يتألف من اتصال هذه
الأضلاع الثلاثة بعضها ببعض ، وهذه العوامل الثلاثة هي :
1 – الوراثة .
2 – التعليم والثقافة .
3 – البيئة والمحيط .
إن كل ما يتصف به المرء من صفات حسنة أو قبيحة ، عالية أو وضيعة تنتقل
إلى الإنسان عبر هذه القنوات الثلاث ، وتنمو فيه من خلال هذه الطرق .
وإن الأبناء لا يرثون منا المال والثروة والأوصاف الظاهرية فقط كملامح
الوجه ولون العيون وكيفيات الجسم ، بل يرثون كل ما يتمتع به الآباء من
خصائص روحية وصفات أخلاقية عن طريق الوراثة كذلك .
فالأبوان – بانفصال جزئي ” الحويمن ” و ” البويضة ” المكونين للطفل منهما – إنما
ينقلان – في الحقيقة – صفاتهما ملخصة إلى الخلية الأولى المكونة من ذينك
الجزأين ، تلك الخلية الجنينية التي تنمو مع ما تحمل من الصفات والخصوصيات
الموروثة .
ويشكل تأثير الثقافة والمحيط ، الضلعين الآخرين في مثلث الشخصية
الإنسانية ، فإن لهذين الأمرين أثرا مهما وعميقا في تنمية السجايا الرفيعة المودعة
في باطن كل إنسان بصورة فطرية جبلية أو الموجودة في كيانه بسبب الوراثة من
الأبوين .
فإن في مقدور كل معلم أن يرسم مصير الطفل ومستقبله من خلال ما يلقي إليه
من تعليمات وتوصيات وما يعطيه من سيرة وسلوك ومن آراء وأفكار ، فكم من
بيئة حولت أفرادا صالحين إلى فاسدين ، أو فاسدين إلى صالحين .
وإن تأثير هذين العاملين المهمين من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى المزيد من
البيان والتوضيح . على أننا يجب أن لا ننسى دور إرادة الإنسان نفسه وراء هذه العوامل الثلاثة .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...