حتفل العالم بمرور 70 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن الذكرى هذا العام تأتي على العالم العربي وسط تفاقم كبير ومستمر في انتهاكات حقوق الانسان، وخاصة في السعودية التي بلغت فيها نسبة الانتهاكات في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز حدّاً غير مسبوق، حيث تحمل المملكة سجلاً أسود لجرائم حقوق الإنسان، فضلا عن الإنتهاكات الجسيمة التي ترتكبها ضد حقوق الانسان جراء عدوانها الهمجمي على اليمن منذ نحو 4 سنوات.
يصادف يوم 10 من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان عن رأي الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان المحمية المكفولة لجميع الناس بعيداً عن اعراقهم واجناسهم والوانهم.
وبالرغم من كل البروتوكولات والمعاهدات العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان، المنادية بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة معتبرة اياها أساسا للحرية والعدل والسلام في جميع انحاء العالم، لكننا ما نشهده في بعض البلدان العربية ومنها السعودية، ليس الا استمرار للانتهاكات الجسيمة والممنهجة في مجال حقوق الانسان كحملة الاعتقالات والاعدامات التي تطال النشطاء الحقوقيين والمعارضين.
الحقوق دُهست في عهد الملك سلمان
ونشرت منظمة القسط لحقوق الإنسان في السعودية تقريرا بشأن وضع حقوق الإنسان في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وذلك تزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وعقدت منظمة القسط مؤتمرا صحفيا في لندن لمناقشة التقرير الذي ألقى الضوء على الأوضاع المتدهورة لحقوق الإنسان في السعودية، كحالات الإعدام والاعتقالات في صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان.
وتحدث خلال المؤتمر حقوقيون وباحثون أكدوا وجود فشل ممنهج في النظام القضائي بالسعودية، وأن المملكة رغم كونها عضوا في مجلس حقوق الإنسان إلا أنها لا تسمح بإقامة منظمات لحماية الحريات والحقوق المدنية.
وقال الناشط الحقوقي دروري دايك إن المؤتمر يهدف إلى إعادة تقييم الوضع المتدهور لحقوق الإنسان في السعودية، لا سيما في ظل ولاية محمد بن سلمان، ومنذ العام الماضي بالتحديد.
انتهاكات واسعة على يد بن سلمان
وتشهد السلطات السعودية منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد موجة غير مسبوقة من حملة الاعتقالات في صفوف الدعاة والصحفيين والناشطين الحقوقيين وغيرهم من ابناء الشعب.
ويعتبر حجم الاعتقالات الكبيرة هو الأكبر في تاريخ المملكة، وطالت شخصيات اجتماعية ودعوية؛ أمثال: سلمان العودة وعوض القرني ولجين الهذلول وآخرين.
وفي أوائل عام 2017، ألقت السلطات القبض على الحقوقيين وأحالتهم على “المحكمة الجزائية المتخصصة”، وهي محكمة مكافحة الإرهاب في البلاد، بتهم نابعة فقط من عملهم الحقوقي. كما تواصل السعودية استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لعام 2014 لقمع التعبير والمعارضة السياسيَّين.
فهناك العديد من النشطاء البارزين أُدينوا بتهم متصلة بأنشطتهم السلمية أحكاما طويلة بالسجن. كما بدأ الملك وولي عهده هجوماً كبيراً على الدعاة ونشطاء حقوق الإنسان في المملكة، حيث ألقي نحو 3 آلاف منهم بالسجون، منذ شهر سبتمبر 2017، من تخصّصات شرعية وقانونية وقضاة وإعلاميين وغيرهم.
كما أكد حساب “معتقلي الرأي” – المعنيّ بنشر أخبار المعتقلين السعوديين على “تويتر” – أن هناك عشرات الأطفال داخل السجون السعودية، في خرق لمعاهدات حقوق الطفل العالمية من قبل السلطات السعودية.
وسبق أن وثّق حساب “معتقلي الرأي”، اعتقال السلطات 2613، مع تعرّض عدد منهم للتعذيب، وكشف أن هؤلاء تعرضوا للتعذيب الجسدي “بالصعق، والضرب، والتعليق ساعات من الأذرع، والسحل داخل ساحات السجون”.
وسياق متصل أثار تقرير نشرته منظمة العفو الدولية عن تعذيب السلطات السعودية ناشطات في حقوق الإنسان والتحرش بهن جنسيا؛ اهتمام النشطاء والحقوقيين والصحفيين في مختلف أنحاء العالم وتفاعل المغردون مع وسم التحرش بالمعتقلات جريمة، وعبروا عن غضبهم من الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في السعودية.
وغردت الناشطة السعودية هالة الدوسري “ليس هناك أكثر وجعا من هشاشتنا.. لا ضمانات عدالة، ولا مؤسسات تمنع تغول التوحش، ولا إعلام مستقل.. ومسؤولون من كافة الطبقات يتبعون بلا أي إرادة أوامر القتل والتعذيب والترويع والاختطاف”.
اعتقال الامراء ورجال الاعمال
حتى الأمراء ورجال الأعمال الأثرياء لم ينجوا من سُعار الاعتقالات؛ إذ نفّذ محمد بن سلمان حملة اعتقالات واسعة ضدهم، وزجّ بهم في فندق “الريتز كارلتون” الفاخر في الرياض والذي حوّله إلى سجن خاص بتهم تتعلّق بالفساد.
ومن أبرز الأمراء الذين اعتُقلوا “متعب” و”تركي” نجلي الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، إضافة إلى الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وعشرات المسؤولين الآخرين.
وأفرجت الرياض عن عدد من المعتقلين دون الكشف عن تفاصيل ذلك، مقابل صفقات مالية، تحدّثت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية عن وصولها إلى 100 مليون دولار.
وتعرَّضت السعودية لانتقادات دولية أثّرت على علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الكثير من الدول، كان أبرزها كندا، التي قطعت الرياض علاقتها معها؛ بسبب موقفها الرافض لذلك.
قتل الصحفي جمال خاشقجي
وفي السعودية كانت قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي هي الأبرز حول العالم، وذلك بعد أن أقدم فريق اغتيال سعودي على قتله في قنصلية الرياض بمدينة إسطنبول التركية يوم 2 أكتوبر الماضي.
هذا التاريخ كان الأقوى في سجل الحرب على الرأي المعارض، حيث كشف عورة السعودية التي امتلأت سجونها بمعتقلي الرأي والنشطاء والدعاة، والأمراء أيضاً، وكل من يسير في فلك بعيد عن الملك وحاشيته.
كل تلك الانتهاكات وضعت السعودية في زاوية حرجة زادت حدتها بعد تاريخ 2 أكتوبر، حين تحرك العالم بأسره للمطالبة بكشف ملابسات جريمة خاشقجي والمسؤول عن عملية القتل التي جرت في ظروف تخدش مشاعر الإنسانية.
هذه القضية، إلى جانب الاعتقالات المتفشية للمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الدعاة والصحفيين والباحثين ونشطاء حقوق المرأة، واحتمال فرض عقوبة الإعدام على المتظاهرين، ونتائج تقرير فريق الخبراء البارزين في الأمم المتحدة الذي خلص إلى أن تحالف العداون، بقيادة السعودية، ارتكب أفعالاً قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب في اليمن، كلها ُتظهر سجل المملكة الاسود من الإنتهاكات الجسيمة والمنهجية التي ترتكبها ضد حقوق الإنسان.
ولذلك، فإن 160 منظمة عالمية حثت مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة على تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان، وفقاً لمنطوق الفقرة 8 من القرار 60/251 للجمعية العامة.
انتهاكات السعودية في اليمن
وبسبب جرائم تحالف العدوان الذي تقوده السعودية، أصبح اليمن يعاني وضعاً اقتصادياً واجتماعياً وصحياً سيئاً، فضلاً عن تسجيل مجاعة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
وافادت المنظمات الأممية، أن 9.3 ملايين يمني بحاجة ماسة إلى رعاية صحية، كما ساهم الوضع الصحي المتدهور في تفشّي الكوليرا والدفتيريا.
وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان بشهر أكتوبر الماضي: إن مسحاً عن الأمن الغذائي في اليمن أظهر أن أكثر من 15 مليون نسمة إما يعانون أزمة أو حالة طارئة، وأن العدد قد يزيد إلى 20 مليوناً ما لم تصل إليهم معونات غذائية بشكل ثابت.
وارتكب تحالف العدوان انتهاكات عديدة للقانون الإنساني الدولي، وحتى نوفمبر من العام الماضي، قُتل 5.295 مدنياً وجُرح 8.873 شخصاً على الأقل بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والأرجح أن الحصيلة الحقيقية أعلى بكثير.
وفي 2017 قالت المفوضية إن الغارات الجوية التي يشنها العدوان أكبر سبب منفرد لسقوط الضحايا المدنيين في اليمن. ومنذ مارس 2015، وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” 87 هجوماً لتحالف العدوان يرقى بعضها إلى جرائم حرب، ما ادى الى مقتل عدد هائل من المدنيين وهدم المنازل، والأسواق، والمستشفيات، المدارس، والمساجد.
ونفّذ تحالف العدوان السعودي 6 غارات جوية في اليمن ما بين يونيو وسبتمبر عام 2017، قتل فيها 55 مدنياً من بينهم 33 طفلاً.
كما وثّقت “هيومن رايتس ووتش” مهاجمة التحالف بقيادة السعودية مراراً المصانع والمخازن ومواقع محمية أخرى، في انتهاك لقوانين الحرب.
كما وثقت المنظمة على الأقل 18 هجوماً للتحالف السعودي باستخدام الذخائر العنقودية، ما أدى إلى مقتل أو جرح عشرات المدنيين.
وخلّف العدوان على اليمن أيضاً عشرات الآلاف من المتضررين جسدياً وفق إحصائيات للأمم المتحدة، وتشير التقارير إلى أن هناك أكثر من 21 ألف جريح من المدنيين والعسكريين في مدينة تعز، ثلثهم بحاجه إلى علاج دائم، و292 بحاجة إلى السفر إلى الخارج، و200 إعاقة ما بين شلل رباعي وشلل نصفي، وأكثر من 550 مبتوري الأطراف.
وقالت الأمم المتحدة إنها تحتاج إلى خمسة مليارات دولار لتدبير المساعدات الإنسانية لقرابة 20 مليون يمني العام المقبل، وهو ما يزيد على 70 في المئة من سكان اليمن الذين يعانون ويلات العدوان السعودي الذي دمر أفقر دولة في العالم العربي.
وتحتاج المنظمة الدولية إلى مزيد من المليارات كل عام لهذا الغرض، وفقا لنائب الأمين العام ومنسق الشؤون الإنسانية والإغاثة العاجلة مارك لوكوك.
ومن المقرر أن ينعقد مؤتمر تدعمه السويد وسويسرا والأمم المتحدة في جنيف في 26 فبراير/ شباط المقبل لجمع التبرعات لإغاثة المتضررين من الحرب على اليمن.
وأضاف لوكوك: “لم تتوقف الاعتداءات بعد رغم تراجع حدة العنف في الفترة الأخيرة”، معربا عن أمله في أن تسفر محادثات السلام الجارية في السويد برعاية الأمم المتحدة عن نتائج إيجابية.
وأدان منسق الإغاثة العاجلة، الذي كان في زيارة لليمن في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، المعوقات التي تواجه وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين، مشددا على أهمية إنقاذ الاقتصاد اليمني الذي بات على حافة الهاوية.
وطالبت الأمم المتحدة تحالف العدوان الذي تقوده السعودية في اليمن بوقف اعتداءاته على اليمن. وقال ستيفن أوبراين، وكيل أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، إن “المجتمع الدولي يقف عند نقطة حرجة من التاريخ، حيث يواجه العالم أكبر أزمة إنسانية منذ إنشاء الأمم المتحدة (عام 1945).