الرئيسية / الاسلام والحياة / أنا والكتاب (باقة من كلمات الإمام الخامنئي دام ظله في المطالعة والكتاب)

أنا والكتاب (باقة من كلمات الإمام الخامنئي دام ظله في المطالعة والكتاب)

إنّني أشعر أنّ الإنسان إذا أراد أن يبقى على الصعيدين المعنوي والثقافي غضّاً ومتجدّداً ، فلا مناص له من الارتباط بالكتاب. الإمام الخامنئي دام ظله.

 

جعبتنا خالية من القصّة
إذا كان نصف ما تنشرونه قصصاً فقط, وكانت قصصاً جيّدة، فلا إشكال في ذلك. إنّنا وللأسف من هذه الناحية، متأخّرون جدّاً جدّاً. من الأشياء الّتي أتحسّر عليها دوماً هي أنّنا لأسباب معيّنة، وبالطبع هذه الأسباب واضحة بالنسبة لي، بقينا محرومين إلى حدّ كبير من استخدام الفنّ في إبلاغ رسالات الثورة وقيمها, أي أنّ ذلك القدر اللائق لم يتحقّق. والشيوعيون كانوا من هذه الناحية متقدّمين علينا… هكذا زيّن (الأعداء) قيمهم الكاذبة والزائفة من خلال الفنّ الأصيل والرفيع، وقاموا بعرضها. لماذا نحرم – نحن – قيمنا الحقيقية الصادقة من هذا الأمر الهامّ؟ في الواقع, ينبغي العمل على هذا الصعيد .

القصّة أكثر جاذبية من الموسيقى
التفتوا، إنّ الرواية الّتي يُطبع منها مائتا ألف نسخة على عدّة دفعات، إنّما ذلك بسبب الفراغ الحاصل في مجال الرواية. للميول النفسانية والشهوانية، الّتي

تجذب القلوب والأرواح، علاج في مكان ما، وهو في مقولة الفنّ. إذا عملتم عملاً فنّياً مقابلاً تماماً لتلك الميول، فهذا هو المورد الاستثنائي الوحيد الّذي يمكنه أن يجذب القلوب. لمَ؟ لأن للفنّ نفسه جاذبية… القصّة أيضاً من الأطر الفنّية الجيّدة، وهي أكثر جاذبيّة من الموسيقى. الموسيقى تتعب الإنسان، أمّا القصّة، فهي الشيء الّذي لا يتعب الإنسان في أيّ وقت من الأوقات .

أيكون مجتمع من دون كتابة القصّة؟
انطلاقاً من هذا الرأسمال الّذي صنعته لنا الحرب، …تعالوا الآن نعيد إحياء فنّ كتابة القصّة في إيران. وبالنهاية، لقد أوجبت الحرب على من يريد كتابة ذكرياته، أن يذهب – على حدّ تعبيركم – ويقرأ عدّة روايات ليتعلّم كيفية كتابة الوقائع والأحداث. لو لم يشهد الحرب لربّما لم يفكّر في الكتابة على الإطلاق, لكن، بما أنّ هذا الاستعداد قد تحقّق الآن، حسناً، فلنستفد منه. هذا الاستعداد الجيّاش الّذي نراه، يصف الحرب ويصوّرها جيّداً. واقعاً، إنّ الصور الموجودة في كتابات هؤلاء السادة، …قد بُيّنت بشكل جيّد جدّاً بحيث يلتذّ الإنسان بها، وهذا يشير إلى أنّ استعداداً يتأجّج هنا. فلنوظّف نحن الآن هذا الاستعداد في خدمة كتابة قصّة مجتمعنا. هذا البلد بحاجة إلى كتابة القصّة. أيمكن أن يكون هناك مجتمع من دون كتابة القصّة؟ .

القصّة من أجل بيان التاريخ
لا يمكن لأيّ بيان أن يضاهي القصّة في عرض التاريخ. عندما نتكلّم

عن التاريخ بلغة غير فنّية، فكأنما نلتقط صورةً لمدينة من ارتفاع 10 آلاف قدم. من الطبيعي أن تظهر أبعاد المدينة وشوارعها الرئيسة، لكن ماذا يصنع الناس هناك؟ هل أنّ أوضاعهم جيّدة؟ سيّئة؟ فقراء؟ أغنياء؟ مرتاحون؟ نائمون؟ يتخاصّمون؟ لا شيء معلوم على الإطلاق. التاريخ يصوّر مدينةً من ذلك الارتفاع، من عشرة آلاف قدم، ويرينا إيّاها! قد تدخل مدينةً يوماً ما. بالطبع لن تستطيع رؤية جميع طرقات المدينة, لكنّك تقصد زقاقين أو ثلاثة من أزقّتها، تتكلّم مع أهلها، تلتقط صوراً للبيوت، وللغرف، ولألعاب الأطفال، ولأمّ تطبع قبلةً على وجنة ابنها… تصوّر كلّ هذه الأمور وتضعها في صورة أمامنا. بالطبع هو زقاق واحد وشارعان، ليس كلّ المدينة، لكن يمكن التعميم. هذه هي لغة الفنّ حول التاريخ, القصّة هي هذه. لا بيان كبيان كتاب شولوخوف المعروف “الدون الهادئ” يمكنه أن يُعرِّف بثورة أكتوبر. فقد ذهب إلى منطقة واحدة من مناطق القوقاز، ومن هناك شرح لنا أموراً، لكنّ جميع القرى هي مناطق قوقازية لا فرق بينها. في “سيبيريا” أيضاً، القضية نفسها. إنّه ينقل إلينا الأحداث، فنرى الثورة عن قرب. كتاب “درب الآلام” أيضاً كذلك… هذه الكتب تُبيّن جزئيات الأمور .

القصّة وسيلة لترويج الثورة
إحدى وسائل الإعلام في الثورات والنهضات التحرّرية الكبرى في العالم، هي الرواية والقصّة نفسها… لهذه الثورات قصصٌ جيّدة جدّاً… لقد بيّنوا الجماليات بأفضل وجه… وفي قوالب راقية جدّاً. … عندما أقرأ هذه الكتب… وأقارنها بثورتنا، أرى أنّ ثورتنا تحوي مشاهد أكثر رقيّاً، وعظمةً، وحماسةً،

وجمالاً يمكن بيانها وعرضها. في الحقيقة، إنّ فنّانينا مسؤولون، وينبغي أن يلبّوا هذه الحاجة. عليهم أن يفتّشوا عن هذه الجماليات الّتي يمكنهم رؤيتها أكثر من الناس العاديّين، أن يشاهدوها ويظهروها للناس .

الرواية جامعة لكلّ مواصفات البيان الفنّي
من بين أساليب البيان الفنّي، نجد الرواية إجمالاً، هي الأسلوب الّذي يجمع المواصفات المتنوّعة أكثر من غيرها، حتّى أكثر من السينما على سبيل المثال. …في الوقت نفسه، الاستنتاج من الفيلم يتفاوت مع الاستنتاج من الرواية. للفيلم محدودية لا يمكن معها بيان كلّ الأمور.

انظروا، كم فيلماً أُنتج حتّى الآن حول كتاب فيكتور هيغو “البؤساء”. في بلدنا إيران، عرض التلفزيون إلى الآن فيلمين أو ثلاثةً عنه. لقد قرأت رواية “البؤساء” عدّة مرّات، وشاهدت أيضاً هذه الأفلام بشوق, لكن شتّان ما بين الرواية وهذه الأفلام؟! لا مجال للمقارنة بينها على الإطلاق .

الرواية تبقى
لا تزال روايات القرن التاسع عشر إلى الآن، أفضل روايات عصرنا. لقد أُلّفت في القرن التاسع عشر روايات لم تشهد لها نظيراً. وقد كُتبت روايات في فرنسا، وروسيا، وحتّى في إنكلترا، لم يُؤتَ بمثلها إلى الآن. إذاً، الرواية تبقى، ولها امتدادها، ولها أيضاً بيانٌ وتوصيف استثنائي ودقيق. أخبروني، في أيّ فنّ من

الفنون الأخرى يمكنكم أن تجدوا هذه الخصائص؟ هذه الخصائص غير موجودة في الموسيقى، ولا في السينما، ولا في المسرح، ولا في الشعر. لا يمكن إيجاد شيء مماثل للرواية على الإطلاق, تُتَرجم، وتنتشر في كلّ مكان، وتبقى، ولا تبور .

هذه الأسباب، مدعاة وجود الرواية
لقد ذكرت أمامكم مراراً مثال روايات ثورة أكتوبر. أحدها كتاب “درب الآلام” لـ “ألكسي تولستوي” الّذي يعتبر كتاباً استثنائياً. هناك أيضاً “الدون الهادئ” لـ “شولوخوف”. هذه كتب ثورية، وكتاب “قلب الكلب” وهو كتاب معارض لثورة أكتوبر.

انتقوا عدّة أشخاص وضعوا أمامهم هذه النماذج وقولوا: نريد أن نكتب مثل هذه القصص عن الثورة, على أن يتم التعريف بالثورة والإمام بشكل حقيقي. ضعوا أمامهم ذكريات الحرب هذه الّتي كتبها المجاهدون. برأيي, يمكن أن تُستخرج منها رواية مطوّلة وجذّابة. أمهلوهم مدّة ثلاث سنوات. وتعهّدوا كلّ نفقاتهم. تابعوهم وانظروا إلى أين تصلون، ربّما تحقّقون نتيجة. في النهاية، هل سنرى في بلدنا روايتين أو ثلاث روايات طويلة ومقبولة، يمكن أن تصدر وتسدّ الفراغ؟

من غير المقبول لإيران مع كلّ هذه الدواعي وهذه الثقافة والنتاج الثقافي أن تبقى من دون رواية, وهذا العمل لا بدّ أن يتحقّق. ما زالت الساحة خالية إلى الآن، ولقد قام بعض الناس من التافهين ومثيري القلاقل… وقدّموا أنفسهم كروائيّين كبار، وقد روّج لهم أيضاً أعداء الثورة. ذلك الشخص، بمجرّد أن

صدر كتابه، أُرسلت إليه الرسائل من مئات الأماكن بأنهم قرؤوا كتابه وقالوا: “بَخ، بخ! لقد استمتعنا بقراءته”، في حين أنّ كلّ هذه الإشكالات من الناحية الفنيّة وغيرها ترد على هذا الكتاب! بالمحصّلة، عليكم أنتم القيام بهذا العمل .

ترجمة الروايات الجيّدة
بين يديّ رواية كنت أنظر فيها وأطالعها في الأيّام الأخيرة. كتابٌ سميك من ستّمائة صفحة، مسلٍّ جدّاً وجذّاب وغاية في الأهمّية من الناحية الفنّية, لكنّه مخالف تماماً لما نعمل عليه في معارفنا! إنّني قطعاً لا أجوّز للشباب قراءة هذا الكتاب، لكنّه يُطبع، وتُباع منه نسخٌ كثيرة! ما الضير في أن نعثر على رواية جيّدة، فنترجمها ونطبعها؟ رواية جذّابة، وخالية من الإشكال، فيقرؤها شبابنا .

ترجمة الكتب إلى اللغات الأخرى
إنّ الترجمة أمرٌ هامّ جدّاً، بيد أنه ينبغي أن تتمّ بذكاء. عندما كنت أقرأ أحياناً هذه الكتب (إصدارات مكتب أدب وفن المقاومة التابع للدائرة الفنّية) كان يخطر ببالي: لو أردنا مثلاً أن نعدّ ترتيباً لإرسال الكتب المترجمة الخاصّّة بالحرب، علينا أوّلاً أن نرسل كتاباً صغيراً، بمسحة لا تُبرز الجانب الإيراني كثيراً، وبأسلوب وكتابة جيّدين قد روعيت الجودة في طباعته، فنرسله، وننشره للقراءة. بعدها، إذا ألِفت الأذهان هذا العمل، نرسل كتاباً آخر … وكلّ كتاب … يفتح طريقاً للكتاب التالي، حتّى يصل الدور إلى الكتب المفصّلة والذكريات الأطول .

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...