الرئيسية / من / قصص وعبر / قصص من مركز الأبحاث العقائدية 03

قصص من مركز الأبحاث العقائدية 03

( 3 ) إبراهيم وترى
( مالكي / ساحل العاج )
ولد بقرية ” سوكو ” التابعة لمدينة ” بوندوكو ” في ساحل العاج ( 1 ) عام 1980 م ، من عائلة تعتنق المذهب المالكي .

تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1993 م في بلاده ، بعد أن تجلت له الحقائق من خلال البحث والتتبع .

بداية الالتفات إلى الحقيقة :
يقول إبراهيم : ” لا زلت أتذكر ذلك اليوم الذي طرق سمعي فيه كلمة الشيعة ، إذ كنت أنذاك طالباً في مدرسة التربية والتعليم الإسلامي ، وكنت أحبّ مادة التاريخ ، وفي أحد الأيام كان الدرس يرتبط بالعهد الأُموي ، فتطرّق الأستاذ في الدرس حول أهم الأحداث التي وقعت خلال فترة حكم الأمويين ، ومنها واقعة
الطفّ ! فأشار الأستاذ بشكل عابر إلى مجريات واقعة الطفّ ، وذكر أنّ الخليفة يزيد بن معاوية قتل الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته بصورة فجيعة وبادر إلى إبادة الشيعة في هذه الواقعة ، ثم أشار الأستاذ إلى بعض الأفعال المروّعة التي ارتكبها معسكر يزيد ضدّ الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه .

التعرف على الشيعة :
فتأثرت من أعماق كياني بواقعة الطفّ الدامية التي كان ضحيتها إبن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ، وتداعى في ذهني كيف تجرأ يزيد بارتكاب هذه الأفعال الشنيعة وهو الخليفة يوم ذاك !
ثم وقع تساؤل في نفسي : يا ترى من هم الشيعة الذين ذكرهم الأستاذ وقال : إنّ يزيد أبادهم ؟ وما هي صلتهم بالحسين ( عليه السلام ) ؟
فلما انتهى الدرس توجهت إلى الأستاذ لأستفسر منه حول الشيعة الذين ذكرهم ، فقلت له : من هم هؤلاء وما هي صلتهم بالحسين ( عليه السلام ) ، ولماذا أمر الخليفة يزيد بقتلهم وقتل إبن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
فأجابني الأستاذ : إنّ الشيعة طائفة إسلامية تعتقد بإمامة عليّ بن أبي طالب وولده ، وتقول بأنّه الأحق بالخلافة بعد النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما أنّ لهؤلاء معتقدات تغاير ما عليه المسلمون وهي عقائد ضالة ومنحرفة ، وهم أناس خرافيون لا يستندون إلى دليل منطقي أو برهان عقلي فيما يذهبون إليه .
ثم أضاف الأستاذ قائلاً : ويمكن تمييز هؤلاء عن غيرهم بكيفية أدائهم للصلاة ، فهم يسجدون على التربة ، ثم قال لي : ويمكنك للمزيد من التعرف عليهم أن تذهب إلى ( آدم وترى ) لأنّه أصبح منهم وانتمى إلى التشيع ، فأحبذ أن تلتقي به لتجد الانحراف الفكري عنده بصورة مباشرة وتلمس أفكاره الضالة بوضوح .

المفاجأة باستبصار أحد أقربائي :
استغربت من كلام الأستاذ عندما أنبأني بأنّ آدم قد انتمى إلى التشيع ! ، فقلت في نفسي : إنّه خير من أستفسر منه حقيقة هؤلاء الناس الذين لا قوا ما لاقوا يوم عاشوراء .
فقصدته وأخبرته بما جرى بيني وبين أستاذي حول واقعة الطفّ ، وطلبت منه أن يبيّن لي ما عنده ويذكر لي أسباب انتمائه لهؤلاء الناس ؟ ، فقبل مني ذلك واتفقنا معاً على موعد معيّن لنتحدث في هذا الموضوع .

وفي الموعد المقرّر ، بدأ الأخ آدم الحديث قائلا : إنّ الأحداث التي تلت وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كثيرة ، ويحتار الباحث في تعيين الانطلاقة في البحث .
فقلت له : الأفضل أن نشرع من البداية كي تتضح الأمور ، فبدأ آدم بالحديث عن مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتجرؤ بعض الصحابة عليه واتهامهم له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالهجر والهذيان ، وما جرى بعد وفاة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أحداث في السقيفة ، وانتهاك القوم لحرمة بيت فاطمة ( عليها السلام ) و . . . ، ثم تدرّج في الأحداث التي وقعت بعد تولي يزيد لأمر الخلافة ” .

شخصية يزيد بن معاوية :
إنّ شخصية يزيد معروفة وواضحة لمن له أدنى مراجعة لكتب التاريخ ، لأنّ الإنسان مخبوء تحت لسانه ، والأقوال المنقولة عن لسان يزيد تكشف بوضوح حقيقة أمره ، كما أنّ يزيد لم يكن من أمثال المنافقين ليخفي سريرته ، بل كان يجهر بالفسق والفجور قولاً وعملاً منذ نشأته حتى تنصيبه للخلافة ، وورد أنّه قال بعد موت أبيه معاوية وإفضاء الأمر إليه : ” قد وليت الأمر بعده ، ولست أعتذر عن
جهل ، ولا أشتغل بطلب علم ” ( 1 ) .

فهو يقرّ بعنجهيته ولهوه وجهله ، ويفرض على أُمة الإسلام وجوده ويهدّد من يخالفه بالإرهاب والقتل ، ولم يكن ما صدر من يزيد إلاّ لأنّ الترف باعد بيّنه وبين الدين ، فجعله شخصية دكتاتورية لا يهمها سوى اشباع غرائزها وتحقيق نزواتها مهما كلف الأمر .

كما أنّ معاوية كان قد مهّد له الأجواء والأرضية ليعبث بها كيف ما شاء ، فاستغل يزيد هذا الأمر وارتكب ما تهواه نفسه ، فكان يزيد يفتقد الحدّ الأدنى من المقومات التي تجعله مؤهلاً لمنصب الخلافة ، بحيث أقرّ بذلك الدعي زياد بن أبيه – وهو من عُرف ببغيه وسوء سريرته – وكتب إلى معاوية بشأن البيعة ليزيد : ” ويزيد صاحب رَسْلَة وتهاون ، مع ما قد أولع به من الصيد ” ( 2 ) ، ويزيد معروفاً بالتهوّر وعدم الاتزان ، حيث قال عنه البلاذري : ” لا يهم بشيء إلاّ ركبه ” ( 3 ) .

وبمراجعة ما ذكره المؤرخون عن مقاطع حياته تنكشف بوضوح شخصية يزيد المستهترة ، ويعود السبب الكبير في ضعف صلة يزيد بالدين هو ترعّرعه – كما يسأتي في الأجواء المسيحية التي نشأ فيها – وهذه الأجواء هي التي جعلته عاجزاً عن النفاق والتظاهر بالورع والتقوى ، والتلبس بلباس الدين ، وجعلته مجاهراً بارتكاب المحرمات واقتراف الآثام ( 4 ) .

وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يعلم أنّ تولي يزيد للخلافة سوف يؤدي إلى اضمحلال الدين ، وتفشي الضلال في أوساط الأمة ، فلهذا كتب إلى معاوية جواباً على رسالته ووصف فيها يزيد بدقة وبصراحة : ” . . . وفهمت ما ذكرت عن يزيد ، من اكتماله وسياسته لأمة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تريد أن توهم الناس في يزيد ! كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موضع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه ، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السّبق لأترابهن ، والقيان ذوات المعازف ، وضرب الملاهي تجده باصراً ” ( 1 ) .

ولكن معاوية كان يريد أن يحول الخلافة إلى ملكيّة فلم يبالي بما قيل له ، بل حاول تمهيد أرضية الحكم لابنه وبذل قصارى جهده لتحقيق ذلك ، حتى وصل به الحدّ أن أمر بوضع أحاديث تروّض الناس على الخضوع والذل ، وترسّخ عقيدة الجبر في أوساط الأمة ، ليؤهل بذلك الأرضية لرضوخها في قبول ابنه كخليفة لله يجب السكوت على تصرفاته مهما كانت ، كما في حديث : ” من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه ، فإنّه من فارق الجماعة شبراً ، فمات إلاّ مات ميتة جاهلية ” ( 2 ) .

وكان هذا الأسلوب إحدى طرق التضليل الديني الذي ابتدعه معاوية لتثبيت ملكه وملك بني أُمية ! حيث قال له يزيد بعد أن تمّت له البيعة بولاية العهد : ” والله ما ندري أنخدع الناس أم يخدعوننا ؟ ! فقال له معاوية : كل من أردت خديعته فتخادع لك حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته ” ( 3 ) .

جرائم يزيد بن معاوية :
عند تولي يزيد الخلافة لم يجد الإمام الحسين ( عليه السلام ) بدّاً من رفض بيعته وتوعيت الناس وتنبيههم بالخطر الذي كان يهدّد جذور الإسلام ، فقال ( عليه السلام ) لمّا بلغه ذلك : ” وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأُمة براع مثل يزيد ” ( 1 ) .

فقابله يزيد بعنف حتى حدثت مجزرة كربلاء الرهيبة ، فذبح الحسين ( عليه السلام ) وقتل آل رسول الله ( عليهم السلام ) ومن شايعهم ، ومثّل بهم أبشع تمثيل ، وسبيت نساءهم وذراريهم ، ونهب رحلهم ، ثم لم يكتف يزيد بهذه الجريمة ، بل أمر بالهجوم على مدينة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمعارضتهم لحكمه ، فاستباحها وقتل أهلها وهتك الأعراض فيها ، فافتض عساكره في هذه الواقعة ألف بكر ! وقتل الآلاف من المسلمين فيهم جمع من الصحابة ! ، وجريمته المنكرة هدمه للكعبة المشرفة وحرقها وترويع أهل الحرم المكي ! ! ، وكل هذا ذكره المؤرخون وأصحاب السير وغيرهم .

وقد ذكر المؤرخ الأُموي إبن عبد ربه الأَندلسي أخبار عجيبة ، ومثالب كثيرة ، من شربه الخمر ، وقتل إبن الرسول ، ولعن الوصي ، وهدم البيت وإحراقه ، وسفك الدماء ، والفسق والفجور ، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله ( 2 ) .

كما أنّ يزيد بن معاوية اعتمد في ارتكابه لهذه الجرائم على أعوان لا يؤمنون بشيء من القيم الإنسانية ، بل كانوا مزيجاً من المسوخ البشرية وذوي العاهات النفسية الغريبة التركيب ، فكانوا يمتلكون نفوساً مليئة بالحقد والتدمير
للأمة الإسلامية ورموزها المقدسة .

فكان من هؤلاء : مستشاره ونديمه المرافق له كظله ( سرجون النصراني ) الذي لعب دوراً هدّاماً في الكيان الإسلامي ، فقرّبه يزيد ومنحه المكانة العالية وبسط يده في الدولة ، لأنّ يزيد عاش فترة طفولته وشبابه المبكر مع أُمه ميسون وأخواله بني كلب النصارى ; وكان من شعراء يزيد ( الأخطل ) وهو نصراني لئيم أيضاً ، تمادى في هجوه للأنصار ! ولم يكتف يزيد بذلك ، بل عهد بتربية أحد أبنائه إلى مرّب نصراني ! .

واعتمد أيضاً على الأدعياء وأبناء الأدعياء ، ك‍ ( عبيد الله بن زياد ) المعروف ببغضه لآل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، والمشهور بفتكه وقسوته ، كما اعتمد على ( عمر بن سعد بن أبي وقاص ) المعروف بطمعه وحبّه للمناصب ، وهو الذي وجّه لحرب الحسين ( عليه السلام ) ، وكان أوّل من شنّ الحرب في أرض كربلاء ضدّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) ليرضي بذلك إبن زياد فيوليه بلاد الري وجرجان ، فرمى بسهم نحو معسكر أبي عبد الله ( عليه السلام ) وقال : ” اشهدوا لي عند الأمير أني أوّل من رمى ، ثم رمى الناس ” ( 1 ) !
واعتمد يزيد على الخارجي ( شمر بن ذي الجوشن ) الذي عرف عنه النَصب والعداوة لآل عليّ ( عليه السلام ) ، تلك العداوة التي جسدها بكل خسة عند توليه لذبح سيد الشهداء ( عليه السلام ) !

وغير هؤلاء كثير ، فكانت تصرفاتهم مطابقة لتصرفات يزيد بحيث غلب على أصحابه وعماله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب ! .

وإنّ التاريخ بالرغم من كتابة أكثر فصوله بأقلام كانت تداري حكام الجور الذين كانوا يبغضون علياً وبنيه ( عليهم السلام ) قد ذكر أفعال يزيد وشخصيته ، ولكن مع ذلك نجد هناك بعض ممن في قلبه مرض حاول الدفاع عن يزيد ولم يجوّز لعنه ! ! .

فقد قال إبن كثير بعد ما نقل عن أبي الفرج الحنبلي تجويز لعنه : ” ومنع من ذلك آخرون ، وصنفوا في ذلك أيضاً لئلاً يجعل لعنه وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة ، وحملوا ما صدر منه من سوء التصرفات على أنّه تأوّل ذلك وأخطأ ، وقالوا : إنّه مع ذلك كان إماماً فاسقاً ، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء ، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة ، ووقوع الهرج وسفك الدم الحرام . . . وأمّا ما ذكره بعض الناس من أنّ يزيد لمّا بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرّة من مسلم بن عقبة وجيشه ، فرح بذلك فرحاً شديداً ، فإنّه يرى أنّه الإمام وقد خرجوا عن طاعته ، وأمرّوا عليه غيره ، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة ” ( 1 ) .

” وإن عشت أراك الدهر عجباً ” فالخروج على السلطان الجائر المستحل لحرام الله المؤدي إلى وقوع الهرج وسفك الدم الحرام غير جائز ! ! وبقاء الحاكم الذي عمّ بظله الهرج والمرج ، وسفك بأمره دم آل رسول الله ( عليهم السلام ) وهدم بأمره بيت الله و . . . كل هذا جائز ( ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ! ( 2 ) .

وقال الذّهبي عن لعنه : ” ويزيد ممن لا نسبّه ولا نحبّه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شرّ منه ، وإنّما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة
موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجدّه ” ( 1 ) .

فالذّهبي لا يسبّه لوجود نظراء سوء مثله ، ولا يحبّه لأنّ إبن عمر أولى بالأمر منه ! ، ولهذا عظم الخطب عنده ، لا لقتله سيد شباب الجنّة وريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا لقتله المسلمين وهتكه للأعراض في المدينة المنورة ، ولا لهدمه الكعبة المشرفة ! ! .
وزعم أبو بكر إبن العربي المالكي ( عليه لعنة الله ) أنّ الحسين قتل بسيف جدّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلا يجوز لعن يزيد لذلك ( 2 ) ! ! .

واستحسن إبن حجر الهيثمي ما ذهب إليه الغزالي والمتولي بعد أن نقل قولهما في كتابه الصواعق : ” لا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره ، فإنّه من جملة المؤمنين ، وأمره إلى مشيئة الله إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ” ( 3 ) ! .

ويا ترى من أين جاء له الإيمان ؟ ! وهو الذي وضع رأس الحسين ( عليه السلام ) ورؤوس آل عبد المطلب بين يديه وتمثّل بأبيات المشرك إبن الزبعري – التي افتخر فيها بانتصار قريش على المسلمين يوم أحد – فجعل يزيد ينشد :
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
كما أنّه نكث رأس الحسين ( عليه السلام ) بخيزرانته وأنشد يقول بمرأى ومسمع من المسلمين :
لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل ( 1 )
وأقواله هذه توحي أنّه كان من الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعدواناً ( فَإِنَّها لا تَعْمَى اْلأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ( 2 ) .

العلماء المصرحين بكفر يزيد وجواز لعنه :
ومما يستنتج من أفعال يزيد بن معاوية ، أنّه كان لا يؤمن بالله عزّ وجلّ في قرارة نفسه ، وكان جانحاً ميّالاً للعبث في تصرفاته ، وحاقداً على النبيّ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وآله ، ولهذا جزم بعض علماء العامة بكفره وجواز لعنه ، كابن الجوزي ، والقاضي أبي يعلى ، والتفتازاني ، وجلال الدين السيوطي ، وأحمد بن حنبل ( 3 ) ، وغيرهم .

وقد ألّف إبن الجوزي كتاباً أسماه ” الرد على المتعصب العنيد ، المانع من ذم يزيد ” ، وقال فيه : ” سألني سائل في بعض مجالس الوعظ عن يزيد بن معاوية وما فعل في حقّ الحسين ( عليه السلام ) ، فقلت : يكفيه ما فيه ! . . . قال : تجوّز لعنه ؟ فقلت : قد أجازها العلماء الورعون ، منهم الإمام أحمد بن حنبل [ فإنّه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة ] ” ( 4 ) .

وروى عن القاضي أبي يعلى بن الفراء ، أنّه روى في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل ، قال : ” قلت لأبي : إنّ قوماً
ينسبوننا إلى توالي يزيد ؟ ! فقال : يا بني ، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله ؟ [ فقلت : فلم لا تلعنه ؟ ! فقال : ومتى رأيتني لعنت شيئاً يا بني ] ، لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه ؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟ فقال : في قوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اْلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) ( 1 ) فهل يكون فساداً أعظم من القتل ؟ ” ( 2 ) .

وقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان من يستحق اللعن ، ومنهم يزيد ، وقال : ” الممتنع من ذلك إمّا أن يكون غير عالم بجواز ذلك ، أو منافقاً . . . ” ( 3 ) .
وقال سعد الدين التفتازاني : ” وبعضهم أطلق اللعن عليه ، لما أنّه كفر حين أمر بقتل الحسين ( رضي الله عنه ) ، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو رضي به .
والحق : إنّ رضى يزيد – لعنه الله – بقتل الحسين ( عليه السلام ) واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مما تواتر معناه ، وإن كانت تفاصيله آحاداً ، فنحن لا نتوقف في شأنه ، بل في إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه ” ( 4 ) .

وقال الآلوسي في تفسيره بعد أن ذكر كلام إبن الجوزي في يزيد : ” وأنا أقول : الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدّقاً برسالة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . ولو سلم أن الخبيث كان مسلماً فهو مسلمٌ جمع من الكبائر مالا يحيط به نطاق البيان ، وأنا أذهب إلى لعن مثله على التعيين ، ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين ،
والظاهر أنّه لم يتب ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه ” ( 1 ) .

وواقعة الحرّة تشهد على فعل يزيد بالمدينة وأهلها ، وخصوصاً بعد ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . . . ” ( 2 ) .

فيزيد بن معاوية ملعون آيس من رحمة الله ، وقد دعى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو لم يولد بعد ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” يزيد لا بارك الله بيزيد ، نُعي إلي الحسين ، وأُوتيت بتربته ، وأُخبرت بقاتله . . . واهاً لفراخ آل محمّد من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف ” ( 3 ) .

كما لعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالوصف أيضاً ، فقال : ” سبعة [ ستة ] لعنتهم وكل نبيّ مجاب الدعوة . . . والمستحل من عترتي ما حرّم الله ” ( 4 ) .
وأخرج إبن أبي شيبة ، وأبي يعلى ، والروياني ، والحافظ السلمي والنيسابوري ، والبيهقي ، وإبن عساكر ، والضياء ، عن أبي ذر رضي الله عنه : إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ” أوّل من يبدّل سنتي رجل من بني أمية – وزاد الروياني – يقال له يزيد ” ( 5 ) .
وقد تبرء بعض بني أُمية من سوء فعاله ، وأدانوا سيرته ، حتى أنّ ابنه معاوية قال عنه عندما هلك يزيد : ” إنّ من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئيس منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الخمر ، وخرّب الكعبة . . . ” ( 1 ) .

ومن كلام ابنه هذا يحكم بكفره لا محال ، لأنّه غيّر حكم الله وبدّل شريعة الإسلام بإباحته للخمر – وتحليل الخمر يعني الحكم بأنّها حلال ومباح – وفاعل ذلك كافرٌ شرعاً لا خلاف فيه ، وإذا قيل : أنّه ولد من مسلم ، يكون مرتدّاً مليّاً يجب قتله !
كما أكد عمر بن عبد العزيز إدانته لأفعال يزيد ، عندما ذكره رجل في بلاطه فقال : أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فقال : ” تقول أمير المؤمنين ؟ ! فأمر به فضرب عشرين سوطاً ” ( 2 ) .
وقد ارتكب يزيد من الجرائم حتى خشي الناس غضب الله عليهم ! ، فعن عبد الله بن حنظلة – غسيل الملائكة – قال : ” والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء ، إنّه رجل ينكح أُمهات الأولاد والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ” ( 3 ) .

نقطة التحول والاستبصار :
يقول إبراهيم وترى : ” جعلني كلام قريبي آدم مذهولاً مندهشاً بعدما
كشف لي الستار عن هذه الحقائق التاريخية ! فتجلى لي بوضوح أنّ من يحمل هذه الصفات المذمومة والرذائل الموبقة لا يجوز له أن يقود أمة ترعرعت في أوساطها أقدس رسالات الله تعالى ، ولا يستحق أن يلقّب خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لأنّه يفقد جميع مقومات الخلافة .

فمن ذلك الحين وجدت يزيد رجلاً على حدّ تعبير الذهبي : ناصبياً ، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرّة ، فمقته الناس ( 1 ) .
فاتفقت مع الأخ آدم على عقد لقاءات أُخرى لأتعرف على الشيعة أكثر فأكثر ، وتكررت اللقاءات وتعدّدت البحوث حول مواضيع الإمامة والخلافة ، وكان آدم يدعم أقواله بالأدلّة والبراهين ، ويرشدني إلى الكتب ، لا سيما كتب أبناء العامة لأحقق في الأمر بنفسي ، وهكذا بقيت أستفسر وأطالع و . . . .

ومن جانب آخر كنت أناقش أستاذي – الذي أرشدني لآدم – في هذه المسائل ، فبدأ الأستاذ يمتعض مني ، وخشي أن أتحوّل إلى مذهب الشيعة ، فزودني بعناوين بعض المؤسسات الثقافية لترفدني بالكتب والإصدارات التي قد توقف وتحدّ من تأملاتي في سلوك خلفاء الإسلام الذين كنت أجهل عنهم كل شئ تقريباً .

ولكنني بمرور الزمان تعرّفت على حقائق واجهت في الأذعان بها صعوبة بالغة ، نتيجة الترسبات الفكرية السابقة ، وكنت أقول في نفسي : كيف أترك مذهبي ؟ ! كيف أهجر معتقداتي ؟ ! كيف كيف . . . ؟ ، ودارت الأيام حتى إلتقيت بأحد أصدقائي السابقين – وكان أحد طلاب مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في غانا – فتحاورت
معه في هذا المجال ، فأعطاني كتاب ( ثم اهتديت ) و ( لأكون مع الصادقين ) و ( مؤتمر علماء بغداد ) ، فوجدت فيها حقائق أُخرى تؤيد ما ذكر لي آدم من قبل .

وشيئاً فشيئاً بدأت سحب الظلام تنقشع من أمامي ونور الهداية يجذبني ، فقرّرت الالتحاق بسفينة النجاة والاهتداء بنجوم الأمان والانتماء إلى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فأعلنت استبصاري عام 1993 م في ساحل العاج ” .

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...