Home / الاسلام والحياة / التقوى مفتاح البصيرة في كلمات الإمام الخامنئي (حفظه الله)

التقوى مفتاح البصيرة في كلمات الإمام الخامنئي (حفظه الله)

إشارة
﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾(البقرة 282)
يرى الإمام الخميني أنّ المعنوية هي أساسُ رشد المجتمع وصلاحه، وما لم تقترن الحياة الماديّة بالمعنوية ويقترن العلم بالمعنوية فلا صلاح له.
من أهم أركان ازدهار المعنوية “حضور التقوى” في المجتمع؛ وخاصة في دوائر الخواص والمقرّبين من الإدارة والقرار، وأوساط النخب وأهل المنبر والكلمة؛ على اختلاف ساحاتهم وتشعّب أعمالهم؛ فكلما ثَقُلت المسؤوليّة صارت التقوى أكثر لزومًا، وأصبح الانزلاق في المنحدرات أكثر خطورة على الفرد نفسه وعلى محيطه؛ فلكلّ ساحةٍ تقوى؛ فالتقوى التي شرحها الإمام الخامنئي ممزوجة بالبصيرة والمعرفة والقوة والشجاعة والرأفة والصبر في مواجهة المحن والعقد؛ الموانع الداخلية والخارجية؛ ومنجية من المنزلقات. ولمحوريّة دورها في رسم المصير كُرّرت الوصية بها وجُعلت ميزانًا للفلاح. .
سيلاحظ القارئ أسلوب الإمام الخامنئي السهل في تناول مواضيعها، وشرحه المبسّط لمعانيها ورسمه: لميادينها وآثارها؛ موانعها ومقاصدها؛ وشمولية دائرتها؛ فتتسع لتعمّ كل شؤون الحياة، وبالتالي ظهور بُعدها الاجتماعي كقيمة لا تُنافس.
فإذا كانت “التقوى الفردية” تغلّ أيدي الشياطين وتلجم النفوس الأمّارة وتعبّد طُرُق الروحانية وتشدّ حبل السماء إلى الأرض، فالتقوى الجماعيّة (تقوى المجتمع) إذا ما ازدهرت؛

سادت المحبة والرأفة وقلّت المنازعات وتقيّدَ الظلم والاستبداد واضمحلّ النزوع إلى الدنيا وطلب الدعة، وعمُرت البلاد وتفتّحت طاقات أبنائها وانتظمت إدارتها، واقتدرت في مواجهة الطاغوت المستكبر وأوليائه؛ وتفجرت كنوزها ونزلت بركات السماء ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ (الأعراف 96). هكذا تكون التقوى سبيلا للحياة الطيبة.
يرى الإمام القائد والعالِم؛ الذي استلهم من روح القرآن وحديث المعصوم (عليهم السلام)، والذي تتلمذ على يدي الإمام الخميني ونهل من روحه ومعين فكره مختبِرًا ميادين الحياة بأشكالها: تحديات الثورة والحرب والانتصار والسلم؛ والرئاسة والفتن؛ العلم والدرس؛ الاجتهاد والفتيا. . منزلة التقوى في الأمّة واقتدارها قائلًا: إنّ الأمّة التقيّة لا تغلبها أي قوة في العالم. ونترك للقارئ دخول أبواب التقوى التي شرّعها أو أشار إليها؛ بابًا تلو باب. .
يسرّنا أن نقدّم للقرّاء هذا الكتاب “حياة التقوى” أو “عيش التقوى”؛ ولا يسعنا إلا أن نشكر كل من ساهم في إعداده وترجمته ونشره، لا سيما: الجهة المعدّة التي نظمت فصوله، مؤسسة الثورة الاسلامية للثقافة والأبحاث(مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي)؛ فريق الترجمة، ونخصّ السيدتين مريم صفي الدين وتيسير نبيل، حيث ترجمتا القسم الأكبر من الكتاب؛ فريق المراجعة والتحرير في مركز المعارف الذي راقب النصوص وراجعها ووضع هوامش توضيحيّة واستخرج الخطابات المترجمة من مصادرها؛ والمدقق اللغوي الاستاذ عدنان حمود؛ والمخرج الفني الاخ علي عليق ولا ننسى دار المعارف الإسلاميّة الثقافية ناشر النسخة العربيّة.
ربيع الأول 1440هـ.
مركز المعارف للترجمة

مقدمة الكتاب
إنّ الهدف النهائي من خلق الإنسان هو الوصول إلى منزلة القرب الإلهي، وسبيل ذلك يكون باجتياز مختلف الامتحانات والاختبارات. لقد كان الأنبياء العظام والأئمة الكرام عليهم السلام، يسعون أيضاً لإيصال الإنسان إلى هذا المقصود. لكن، لم يؤدِ اهتمامهم بالآخرة والمقامات المعنوية إلى الغفلة عن الحياة الدنيا. فالإنسان الكامل في المنظار الإلهي، يعمر دنياه ويعمر آخرته، وتكون النتيجة بسبب هذا الإعمار الوصول إلى الحياة التي عبّر عنها القرآن الكريم بـ “الحياة الطيبة”. ويمكن أن نحصل على “الحياة الطيبة” في ظل الرشد الأخلاقي الفردي والتقدم المعنوي، والعلمي، والثقافي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وكذلك بالوصول إلى (مرحلة) العدالة الاجتماعية.
فقد عُدّت الحياة الطيبة في المعارف الإسلامية واستناداً إلى الآية 97 من سورة النحل جزاءً من الله تعالى على الأعمال الصالحة لعباده المؤمنين من الرجال والنساء. إذاً، لا يمكن الحصول على الحياة الطيبة إلا بتطبيق أحكام وتكاليف دين الإسلام المقدس. ومن جهة أخرى، فإن التقوى هي أحد مفاهيم الثقافة الإسلامية التي تتمتع بقيمة عالية، بحيث عُدّت هدفاً وغاية العديد من العبادات والتكاليف الدينية، وشرطاً لقبول العبادات، وشرطاً للتّمكن من الاستفادة من هدي القرآن. ففي الثقافة الإسلامية، لا تقدّر قيمة الناس بالمال، والمنزلة،

والمكانة الاجتماعية، والأنساب، بل إن التقوى هي معيار التقويم. فإذا جُعلت التقوى معيار الأفعال على صعيد الحياة الفردية والاجتماعية سيرى المجتمع الصلاح والنجاح والفلاح.
إن التقوى تعني المراقبة الدائمة والمستمرة للأفعال والأقوال، وأبرز مصاديقها هو القيام بالواجبات وترك المحرمات. وكما سيلاحظ القارئ المحترم، فإن قائد الثورة دام ظله يعرّف التقوى استناداً إلى الآيات الكريمة وأحاديث المعصومين بأنّها “تعني تلك الشدة من المراقبة بحيث لا يحيد الإنسان عن جادة الحق في ممارساته الشخصية” . وقد ذكر لها بعض المصاديق كالتالي: “وهذا ما تعنيه التقوى؛ أي أن يراقب المرء نفسه مراقبة تامّة في تداوله للأموال، في معاملة الناس وكراماتهم؛ في الاستخدام والتّوظيف، أو في الصّرف والاستغناء، وكذلك في الكلام حتى لا ينطق بما يخالف الحق” . “التقوى ليست سوى مراقبة النفس، مراقبة القول، والفعل، والمعاشرة، والقرارات، أي نحذر بأن لا يكون للإرادة الشيطانية مدخلية في قراراتنا وأفعالنا وفي أفكارنا وأقوالنا. وإنّ هذه هي التقوى” .
يضمّ الكتاب الموجود بين أيديكم باقة من خطابات القائد المفدّى التي تدور حول موضوع التقوى. فقد تناول سماحته الحديث عن التقوى في محاضراته المختلفة خاصة في خطبه في صلاة الجمعة، أو في لقاءاته بمسؤولي النظام، وأيضاً في لقاءات شهر رمضان المبارك. فأوصى سماحته مخاطبيه بمراعاة التقوى

والالتزام بها من خلال تعريفه لهذا المفهوم الأخلاقي، وتبيين أهميته، وكذلك آثاره وعواقب تركه. ويتضمّن القسم الآخر من توصيات سماحته شرح أقسام التقوى، وميادينها، وطرق تحصيلها. وبالرغم من أن مراعاة التقوى واجبة على كافة أفراد المجتمع، إلا أنه وبنظر سماحته فإن المراعاة والالتزام بها من قبل الخواص تمتاز بأهمية أكبر.
بذلنا وُسعنا في هذا الكتاب في اجتناب ذكر المواضيع المتشابهة، وكذلك سعينا في تصنيف محاضرات سماحته، إلى تقديم بناء منظّم لهذا البحث، ووضعه في متناول القارئ. لكن امتنعنا في بعض الموارد عن تفكيك أقسام المحاضرة نظراً إلى أن سماحته كان في معظم محاضراته (عندما يتحدث عن التقوى) يذكر تعريفاً للتقوى وآثارها وأهميتها جنباً إلى جنب.
نأمل بالوصول إلى المجتمع الإسلامي المنشود بمراعاة التقوى الفردية والاجتماعية، وأن يستطيع كافة أفراد المجتمع الاقتراب من تحقيق الحياة الطيبة، إن شاء الله.
ومن الله التوفيق


الفصل الأول: مفهوم التقوى
أ _ ماهيّة التقوى:
ما هي التّقوى؟ وكيف يمكن الاتّصاف بالتّقوى في مختلف شؤون الحياة؟ إن التقوى تعني الابتعاد عن الخطأ والمعصية والإثم والفساد، وعن الانحراف عن الطّريق الصحيح واتّباع الأهواء، وهي تسليم النّفس لسبيل التّكاليف والواجبات. ينبغي على الجميع في مختلف المجالات الاتّصاف بالتّقوى لتحقيق النّجاح. فهي شرط التّوفيق في كل مسلك وطريق، ولا تختصّ بالدّين فقط، إلّا أن التّقوى الدّينية واضحة وبيّنة، وحلوة المذاق، ومحمودة العاقبة.
فعلى كل إنسان التّحلّي بالتّقوى ليستطيع سلوك الطريق الصّحيح والوصول إلى المقصد المرجو، سواءٌ كان صبياً صغيراً أو فتىً يتابع دراسته، أو ربّة منزل، أو أي إنسان آخر لديه وظيفته وعمله في بيئة معيّنة. فلا يمكن للحَدَث (الشاب) أن يصل إلى الهدف المرجو من الدّراسة من دون وجود التّقوى الخاصّة ببيئة دراسته ومجال عمله، فعليه أن يتجنب الوقوع في الأخطاء واللعب والشّغب والانشغال بما يمنعه من مزاولة نشاطه المدرسي المطلوب، وهذه هي تقواه. وكذلك المرأة داخل منزلها أو الرجل في بيئة عمله.
وأيّما مؤمن أراد السّير في الطريق إلى الله والسير على الصراط المستقيم الحقّ، عليه أن يتحلّى بالتقوى ليكسب رضى

الله، وليستفيد من النّورانية الإلهيّة ويصل إلى المراتب المعنوية العليا، وإلى تمكين حاكمية الدين الإلهي. مفهوم التّقوى لمن يسير في سبيل الدين والإيمان، يعني الالتزام بالتكاليف الدّينيّة وعدم الرضوخ للأهواء والشّهوات والانحراف عن سبيل الله.
يجب أن يكون جلّ اهتمامكم مصبوباً لإحراز رضى الله والقيام بالواجبات الإلهيّة أينما كنتم، مهما كان عملكم، ومهما كانت المسؤولية الملقاة على عاتقكم، أو مهما كان مركزكم الاجتماعي. وهذه هي التّقوى. فالتّقوى هي السّعي للقيام بالواجبات وتجنّب الانحراف عن المسار. فإذا ما ظهر هذا الشعور لديكم وقمتم بهذه المساعي، وخطوتم الخطوة الأولى، فإن الله تعالى سوف يساعدكم في الخطوة الثانية.
وكلّما كانت المسؤولية الملقاة على عاتقنا أكبر احتجنا إلى درجة أعلى من التقوى. فالتقوى هي التي تجعل الإنسان منتصراً في ميادين الجهاد. فهي التي نصرتكم في ميادين مواجهة الاستكبار التي خضتموها -أنتم الشعب- لسنوات، وانتصرتم في مثل هذه الأيام في عام 79. تقوى ذلك القائد الذي لم يكن همّه سوى الأوامر الإلهيّة والواجبات الشّرعيّة، وتقواكم أنتم أفراد الشعب الذين ضحّيتم بأهوائكم ومصالحكم الشخصية من أجل الله.
هل تذكرون كيف كان الجميع في تلك الأيام مسلّمين قلوبهم لهدفهم المقدّس (يسعون لتحقيق هدفهم المقدس)، فلا أحد يهتمّ بنفسه أو في جمع المال أو كنز الثروات، لم يكن أحد ليهتمّ بالوظيفة والمنصب، لم يكن همّ أحد التّقدم على الآخرين وسبقهم، فكلّ شخص كان يشعر بالواجب الشّرعي والإسلاميّ والثّوري ويقوم به. علينا اليوم أن نفعل كذلك.

إذا وُجدَ اليوم في مجتمعنا أشخاصٌ يريدون استغلال مناصبهم أو نفوذهم بأن تكون رفاهية أنفسهم نصب أعينهم بدلاً من الاهتمام برفاهية المجتمع والشعب، وأن يهملوا مصالح الشعب، يكونوا قد جانبوا التقوى وخالفوها. هناك بين الناس أشخاص يحملون على عاتقهم مسؤوليات كبرى، فإن صرفوا أعمارهم في غير طريق الحفاظ على الثورة ومسؤولياتهم الثوريّة الملقاة على عاتقهم، يكونوا قد جانبوا التقوى وخالفوها.
وكذلك فإن الاستسلام للأهواء وملذّات الحياة الفانية، واتباعها مع منافاتها للأهداف السامية هو مجانبةٌ للتقوى، وإن هذا الأمر (العمل خلاف التقوى) هو ما ينهك الأمة، ويذلّها، والتقوى هي ما يرفع رأس الأمة عالياً. نحن بحاجةٍ إلى التقوى.

Check Also

الدرس الخامس: الموت وسكراته

الدرس الخامس: الموت وسكراته       أهداف الدرس: على الطالب مع نهاية هذا الدرس ...