Home / الاسلام والحياة / التقوى مفتاح البصيرة في كلمات الإمام الخامنئي (حفظه الله)3

التقوى مفتاح البصيرة في كلمات الإمام الخامنئي (حفظه الله)3

المعنى الدقيق للتقوى
عندما نقول التقوى، فهي مختلفة ومغايرة لمفردة الاجتناب التي تترجم عملياً بالإحجام والامتناع عن تناول الطعام أو الذهاب أو الامتناع عن القيام بعمل. فالتقوى هي أن يكون الإنسان في حالة حذر، وتحرّز، وتوقٍّ، يحترز من أن تزلّ قدمه، ويحترز من أن ينقلب وضعه رأساً على عقب. فلو افترضنا أنكم تمارسون رياضة تسلق الجبال في درب جبلي، فستكون كل خطوة تخطونها مصيرية. فإن تجاهلتم خطوة ما تعرّضون بذلك أنفسكم للخطر،

لذا أنتم مضطرون بأن تخطوا كل خطوة بحذر، أي أن تنظروا إلى موضع أقدامكم قبل المسير، وهذا هو معنى التقوى، وهي تجري في كافة شؤون الحياة.
التقوى تعني الالتفات إلى كل فعل يصدر منا. فتراقبون وتنتبهون لكل عمل تريدون القيام به؛ ماذا تفعلون. وكذلك في كل قول تقولونه، أو عملٍ تقدمون عليه، أو قرار تتخذونه، بأن لا يعود هذا القول والعمل والقرار بالضرر على الإنسانية، أو على المجتمع، أو على آخرتكم، أو دينكم.
الانتباه لأنفسنا والآخرين في كل منزل ومقام
التقوى معناها أن يتحرّز على نفسه من ليس له سلطان إلا على نفسه، وأن يتحرّز على نفسه وعلى غيره من له سلطان على غيره أيضًا. أما الذين يقفون على رأس السلطة فيجب عليهم التحرّز على أنفسهم وعلى المجتمع كلّه لكي لا ينزلق نحو التهافت على الدنيا والتعلّق بزخارفها، وحتى لا يسقط في هاوية حب الذات. ولا نقصد بذلك عدم إعمار المجتمع، فليعمروا المجتمع وليفجّروا ثرواته وطاقاته، لكن لا يكون ذلك بهدف إرضاء أشخاصهم هم، فهذا هو السيّئ.
السير بدقة
التقوى لا تعنى كثرة العبادة، نعم من الممكن أن تنجم كثرة العبادة عن التقوى، إلا أنها ليست معنى التقوى. التقوى تعني

بأن لا يغفل الإنسان عن نفسه في أي عمل، وقرار، وفعل. فيراقب نفسه ويدرس قراراته وخطواته ويدقق فيها (قبل القيام بها). فتارةً يقدم الإنسان على أعماله، ويتّخذ قراراته، ويتلفّظ بأقواله، ويقوم بأفعاله أو يتركها، وكل ذلك وهو في طيشٍ وعدم إدراك ووعي لما يقوم به. وتارةً ينجزها جميعاً مع علم بما يقوم به، والأخيرة هي التقوى.
يُكرّر في كلمات عظمائنا هذا المثال، والبعض يقول إنّه حديث، لكن آخرين يقولون إنّه منقول عن أحد عظمائنا، بأن سئل أحدهم: ما التقوى؟ فأجاب: “أما سلكت طريقاً ذا شوك؟”.
فأحياناً يسير الإنسان في طريق معبّدة، ولهذا الطريق كيفيةُ سيرٍ مختلفة عن غيرها، ولكن أحياناً يجد الإنسان في كل خطوة يخطوها أشواكاً يمنةً ويسرة، فاحذر عندما تمرّ بصحراء مليئة بالأشواك أن يصيب الشّوك رداءك أو يجرح قدمك، هذه هي التقوى: السير بدقة. لذلك يصل الإنسان إلى الإيمان إذا ما اتّصف بالتقوى، ولن يكون مؤمناً ما لم يكن تقيًّا. إن من لا يراعي التقوى يقول إذا ما سُئل أو طُلب منه التّفكير في الوجود، أو الخلق، أو هدف الوجود: “دعك من هذا!” هذا مجانب للتقوى وترك لها. إن المتقي هو الذي يغوص في التّفكير ليجد الطّريق الصّحيح إذا ما سئل عن هدف الوجود، أو عن الله، والمعاد، أو إذا ما طُرح بحثٌ في هذا المجال. إن التّفكّر في هذا الموضوع تقوى. أحياناً عندما يصل الإنسان إلى الإيمان (عندما يصبح مؤمنًا) يعتمد على إيمانه ويعلّق آماله عليه، هذا خلاف التقوى. وأحياناً يراقب إيمانه، فهذه تقوى .

السير بأعين مفتحة
علينا توخّي الحذر: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ؛ فقد قلنا مراراً إنّ التقوى تعني مراقبة النفس؛ أيّ مراقبة النفس بأعين مفتّحة؛ حتّى لا نخطئ.
إنّ أعيننا مفتوحة في أحيان كثيرة تجاه أخطاء الآخرين، حيث نقوم بالبحث عن مواطن الخطأ والعيب عندهم، وما صدر عنهم من خطأ أو شبه خطأ -لنحمله على الخطأ أيضًا- مع أنّ عيوننا تغضّ النظر عن أخطائنا، وهذا أمر قبيح.
يجب على كل واحد منّا باعتباره شخصاً أو مسؤولاً أو مديراً -في أي مجال من المجالات- أن يلتفت إلى أخطائه، وطبعًا فإنّ ذلك أمرٌ عسير، فليس من السهل على الإنسان الإقرار بأخطائه والبحث عنها وإدانة نفسه، لكن عليه النزول عند هذا الأمر العسير والقيام به.
اليقظة والفطنة
وإن الله سبحانه لا يرتضي للمؤمن أن تستحوذ عليه الغفلة فيما يتعلق بشؤونه الحياتية، بل على المؤمن أن يتحلّى باليقظة والوعي، وفائدة هذه اليقظة والوعي والحذر على صعيد شؤون الحياة بالنسبة للإنسان تتمثّل في احترازه بأن لا يكون العمل الذي يقوم به مخالفًا للإرادة الإلهية ومنهجية الدين ومبتغاه (شريعته)، وإذا ما تبلورت لدى الإنسان هذه الحالة من المراقبة

بحيث ينسجم قوله وفعله وسكناته وقيامه وقعوده وكل خطوة يخطوها وتصرف يُقدم عليه مع الخط الذي رسمه الله تعالى؛ فإن تلك الحالة من التيقّظْ والحيطة والنباهة عند الإنسان تسمى التقوى؛ والمراد من التقوى أن يعيش الإنسان حالة دائمة من الحذر والخشية.
الوعي وحسن الاختيار عند مفترقات الطرق
كثيراً ما نصادفُ في مسير حياتنا مفترقات طرق، كأن نتفوه بالكلام أو نعرض عن ذلك، نتّخذ القرار أو نمتنع عن ذلك، نتكلّم بهذه الطّريقة أو بتلك. إذاً نحن دائماً بحاجة إلى الهداية الإلهية. فالتّقوى تعني بأن ننتبه بأن لهذا الطريق المستقيم تشعّبات عديدة، فحذارِ أن نضلّ الطّريق ونسير في أحدها.
عندما يريد أحدهم رسم صورة للتّقوى، يتبادر إلى ذهنه الصّلاة، والصوم، والعبادات، والأذكار، والأدعية. من الممكن أن تتضمّن التّقوى جميعها، لكنها لا تعني التّقوى. فالتّقوى تعني الاحتراز والمراقبة. التّقوى تعني أن يعي الإنسان أعماله التي يقوم بها، وأن يختار خطواته بإرادة وعزم وفكر. ومثل ذلك كمن يمتطي صهوة جواد مطيع يمسك لجامه بيده يعرف وجهة السير. هذه هي التقوى. فالإنسان الذي لا تقوى له، لا يتحكّم بتصرّفاته، وقراراته، ومستقبله. وكما يعبّر نهج البلاغة عن ذلك: “وإن الخطايا خيل شُمُس حُمل عليها أهلها وخُلعت لجمها

فتقحَّمت بهم في النار . . . . ” .
فإن أخذنا هذا المعنى للتقوى بعين الاعتبار، يمكننا حينها عبور الطريق بسهولة. طبعاً الأمر ليس بهذه السهولة. على كل حال، فمن الممكن أن يجد الشّاب النّمط الإسلامي للحياة وهو قابل للتّطبيق فعلاً. فليراقب نفسه إن كان متديناً. هل هذا العمل، هذا الكلام، هذه الصّداقة، هذا الدّرس، والفعل والإدراك، صحيح أم لا؟ هذه هي التقوى. وإن لم يكن متديناً فإن اتبع هذا الطريق، سيكون كفيلًا بهدايته إلى الدين.
ورد في القرآن الكريم: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ ، ولم يرد: “هدىً للمؤمنين”. تعني آية “هدىً للمتقين” أنه إذا اتّقى أحدهم الله بالطريقة التي ذُكرت، وإن لم يكن مؤمناً، سيهتدي بالقرآن وسيصبح مؤمناً. لكن إن لم يكن المؤمن متقيًا، فلربما لن يكون ثابت الإيمان أيضاً. وهذا مرتبط بحظّه ونصيبه: فإذا حظي ببيئة سليمة، يثبت على الإيمان. وأما إذا لم يحظَ ببيئة سليمة لا يثبت على الإيمان.
تقوى الإيمان: القيام بالواجبات الدّينية وعدم الرّضوخ والتّسليم للشّهوات
أيّما مؤمن أراد السّير في الطريق إلى الله والسير في الصراط المستقيم الحقّ، عليه أن يتحلّى بالتقوى ليكسب رضى الله

وليستفيد من النّورانية الإلهيّة، ويصل إلى المراتب المعنوية العليا، وإلى تمكين حاكمية الدين الإلهي. مفهوم التّقوى لمن يسير في سبيل الدين والإيمان، يعني الالتزام بالتكاليف الدّينيّة وعدم الرضوخ للأهواء والشّهوات والانحراف عن سبيل الله.
فعليكم أنتم أن يكون جلّ اهتمامكم إحراز رضى الله والقيام بالواجبات الإلهيّة أينما كنتم، مهما كان عملكم، ومهما كانت المسؤولية الملقاة على عاتقكم، أو مهما كان مركزكم الاجتماعي. وهذه هي التّقوى. فالتّقوى هي السّعي للقيام بالواجبات وتجنّب الانحراف عن المسار. فإذا ما ظهر هذا الشعور لديكم وقمتم بهذه المساعي، فمتى ما خطوتم الخطوة الأولى، فالله تعالى سوف يساعدكم في الخطوة الثانية. التقوى تعني أن نحترز من أن نخطو خطوة خلاف المراد الإلهيّ.
التقوى هي العامل الذي يصوننا في طريق الإسلام، التقوى تعني أن نراقب أنفسنا، وهذا لا يختص بفئة دون أخرى، بل يشمل كافة الأفراد باختلاف حيثيّاتهم، سواء كانوا من ذوي الرّتب العليا في جهاز الدولة، أو من الموظّفين العاديّين. على كل فرد من الشعب في أي بقعة من هذا البلد، أن يحذر الانحراف عن طريق الإسلام. لقد وعد الإسلام بالنصرة، ووعد القرآن بالتطوّر والنجاح في كافة مجالات الحياة، وبإعمار الدنيا والآخرة.

Check Also

الدرس الخامس: الموت وسكراته

الدرس الخامس: الموت وسكراته       أهداف الدرس: على الطالب مع نهاية هذا الدرس ...