ولاء الإمامة
2ـ إنّ ولاية الإمامة والقيادة، أو بعبارة أخرى، ولاية المرجعية الدينية، هو مقام من ينبغي على الآخرين أن يتبعوه, وأن يعتبروه قدوة لهم في أعمالهم وسلوكهم، وأن يأخذوا عنه تعاليمهم الدينية، أي مقام الزعامة الدينية. إنّ مقاماً كهذا يستلزم العصمة، ما دامت أقواله وأعماله سنداً وحجة على الآخرين: وهذا هو المقام الذي يضع الله الرسول الكريم فيه.
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[21] كذلك:
{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[22].
الرسول الكريم (ص) في هذه الآيات قدوة، وعلى الناس أن يجعلوا سلوكهم وأخلاقهم متطابقة مع سلوك الرسول وأخلاقه وأن يقتدوا به. وهذا بذاته دليل على عصمة رسول الله عن الخطأ والذنب، إذ لو أمكن أن يصدر عنه خطأ أو ذنب، لما كان هناك ما يدعو لأن يجعله الله قدوة نقتدي به.
هذا المقام قد انتقل بعد رسول الله(ص) إلى أهل البيت. وبموجب روايات أكثر علماء أهل السنة التي ذكروها في كتب السيرة والتاريخ على نحو ثلاثين من الصحابة[23]، فإنه يختار أهل البيت للقيادة والإمامة:
(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تتقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم)[24].
هنا يرى رسول الله (ص) أهل بيته وكتاب الله توأمين مقترنين معاً. والله يقول عن كتابه:
{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}[25]
فلو كان أهل البيت ممن يعتورهم الباطل لما قورنوا بكتاب الله، ولو لم يكن النبي (ص) معصوماً عن الخطأ ومنزهاً عن الإثم، لما كان لأهل بيته أن يكونوا لنا قدوة وقيادة. إن مضمون الحديث يوحي بأنه يدور حول أشخاص معصومين عن الخطأ والإثم، وأن غير أولئك ـ كما يقول الخواجة نصير الدين الطوسي ـ ليسوا معصومين ولا يدعون العصمة لأحد. فعليه، لا ينطبق الحديث إلا على الأئمة الأطهار.
يقول ابن حجر: إنّ قول رسول الله: (فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) إنما هو دليل على أن من يصل أهل البيت إلى أعلى مراتب العلم وكان لائقاً للقيام بالمهمات الدينية، يكون مقدماً على الآخرين)[26].
يروي الحافظ أبو نعيم عن ابن عباس أن رسول الله(ص) قال: من أحب أن يحيا حياتي ويموت موتي, وأن يخلد في الجنة فليوال علياً من بعدي[27]، وأن يوالي من والاه وأن يقتدي بالأئمة من بعدي وهم عترتي خلقوا من طينتي. والويل لمن أنكر فضلهم وقطع رحمي بهم، فلن ينال شفاعتي[28]؟
إنّ الإمامة والقيادة والقدوة الدينية بما يقوله القائد, وبما يعمله ويكون سنداً وحجة، يعتبر نوعاً من الولاية، لأنه ضرب من حق الهيمنة وتدبير شؤون الناس والتصرف فيها.
فعلى وجه العموم، يكون كل معلم ومرب ـ من حيث كونه معلماً ومربياً ـ ولياً على شؤون المتعلم والمربي وتصرف فيها، فكيف بالمعلم أو المربي الذي جاءه هذا الحق من الله. تقول الآية:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[29].
وهي إشارة إلى هذا الضرب من الولاية. بديهي أن هذا لا يعني أن هذه الآية لا تشمل أنواعاً أخرى من الولاء مما سوف نتطرق إليه قريباً، بل يعني أن هذا الولاء يشمل ولاء الإمامة والقيادة والمرجعية الدينية، كما أن هناك أحاديث أخرى استعملت فيها كلمة (ولاء) بمعنى ولاء الإمامة.
إنّ هذا الولاء إذا نسبناه إلى الإمام كان بمعنى حق القيادة. والمرجعية الدينية، وإذا نسبناه إلى عامة الناس فيعني القبول بهذا الحق.