الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 16

الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 16

النبي الكريم (ص) يشبه هذا تشبيهاً لطيفاً، فيقول:
(مثل القلب مثل ريشة في الغلاة، تعلقت في أصل شجرة، يقلبها الريح ظهراً لبطن)[7].

أو قوله (ص):
(لقلب ابن آدم اشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً)[8].

ولكن هل الإنسان مضطراً اضطراراً ومحكوم أبدياً بالبقاء تحت حكم الفكر الذي يحط كالعصفور القلق كل لحظة على غصن، مع أن الإستسلام لحكم الخيال دليل على الضعف وعدم النضج؟ أم أن أهل الولاية الكاملين قادرون على إخضاع هذه القوة المخزونة لمشيئتهم؟

إنّ الشق الثاني من السؤال هو الصحيح. فواحد من واجبات الإنسان هو التحكم في أهوائه وتخيلاته، وإلا فإن هذه القوة الشيطانية الصفات, لن تترك لأحد مجالاً للإرتقاء بنفسه والسير على صراط التقرب من الله، وتبطل عمل جميع المواهب والقدرات الأخرى في الإنسان، كما جاء في الحديث الشريف.
(تنام عيناي ولا ينام قلبي).

إن السالكين طريق العبودية لله يصلون في المرحلة الثانية إلى حيث ينالون الولاية والربوبية على قواهم التخيلية، ويجعلونها في أسارهم وفي طاعتهم، فيكون من أثر هذا الترويض أن الروح تستطيع أن تسمو بدافعها الفطري الإلهي بغير أن تتدخل هذه القوة في ذلك بألاعيبها.

إننا إذا تجاوزنا عن أشخاص مثل علي(ع) وزين العابدين(ع) ممن تستغرقهم الصلاة، بحيث إنهم يستخرجون شوكة من قدم علي(ع) بغير أن يحس بذلك، أو أن طفل زين العابدين(ع) يسقط من مرتفع وتكسر يده، فيرتفع صراخ الطفل والنسوة في البيت، ويأتي المجبر ويجبر الكسر ويلف يد الطفل، وأثناء ذلك كله يكون الإمام زين العابدين(ع) مستغرقاً في الصلاة إلى درجة لا يسمع معها كل ذلك الصراخ والهرج والمرج. وعندما ينتهي من صلاته ويرى يد الطفل مشدودة، يتساءل عما جرى للطفل وما الذي حدث.

أقول إذا تخطينا أمثال هؤلاء العظام، فإننا نرى بين ظهرانينا أناساً إذا وقفوا للصلاة تجمعت خواطرهم وتركزت أفكارهم في الصلاة بحيث أنهم يغفلون عن كل ما هو بعيد عن ذكر الله. لقد كان أستاذنا الكبير الجليل المرحوم الحاج ميرزا علي آقا الشيرازي الأصفهاني أعلى الله مقامه من هؤلاء.

ليس من العبادة ـ وهي التوجه إلى الله أساساً ـ ما يوصل الإنسان إلى هذا الانتصار. أما المرتاضون فيدخلون من طرق أخرى ومعظمهم يتوصل لذلك بإهمال الحياة وتعذيب الجسم. ولكن الإسلام يتوصل إلى ذلك عن طريق العبادة، بغير حاجة للتوسل بطرق غير سليمة. إن توجه القلب إلى الله، وتذكر المرء أنه يقف بين يدي رب الأرباب وخالق المخلوقات ومدبرها، يهيأ له حالة تركيز الذهن وتجميع الخواطر.

خليق بنا في هذا المقام أن نستشهد بشيخ فلاسفة الإسلام وأعجوبة الدهر الذي أوصل الآراء الفلسفية، ببركة تعاليم الإسلام، إلى حيث لم يصل إليه القدامى من اليونانيين والفرس والهنود.

يتناول هذا الرجل العظيم في النمط التاسع من الإشارات ـ بعد شرحه العبادات التي يؤديها العامة، والتي تكون لمجرد الحصول على الجزاء, وهي لذلك لا قيمة كبيرة لها ـ العبادات المقرونة بالمعرفة، فيقول:

(والعبادة عند العارف رياضة ما لهممه وقوى نفسه المتوهمة والمتخيلة ليجرها بالتعويد عن جانب الغرور إلى جانب الحق فتصير مسالمة للسر الباطن حينما يستجلي الحق لا تنازعه فيخلص السر إلى الشروق الباطن).

والمرحلة الثالثة هي أن الروح في مراحل القوة والقدرة والربوبية والولاية تصل إلى مرحلة تكون فيها في كثير من الحالات غنية عن الجسد، في الوقت الذي يكون فيه الجسد محتاجاً للروح مائة بالمائة.

إنّ الروح والجسد لا يستغني أحدهما عن الآخر عادة. فحياة الجسد بالروح، والروح صورة الجسد وحافظة له، وإن سلب العلاقة التدبيرية بين الروح والجسد تستوجب خراب الجسد فساده والروح، من جهة أخرى لا تستغني عن الجسد في القيام بفعالياتها، لأنها لا تكون قادرة على العمل بغير أن تستخدم الأعضاء والجوارح في الجسد. أما استغناء الروح عن الجسد فيكون في بعض الحالات التي لا تحتاج فيها الروح إلى الجسد.

وهذا الإستغناء قد يكون للحظة، وقد يتكرر، وقد يكون دائمياً، وهذا ما يعرف باسم (التجرد).
يقول السهروردي، الحكيم الإشراقي المعروف: إننا لا نتعرف بحكمة الحكيم إلا إذا استطاع (التجرد).

ويقول ميرداماد: لا يكون الحكيم حكيماً إلا إذا أصبح (التجرد) عنده ملكة وطوع إرادته. يقول المحققون أن (التجرد) ليس دليلاً كبيراً على الكمال. أي أن الذين لم يعبروا بعد عالم (المثال) إلى عالم الغيب المعقول يمكن أن يبلغوا تلك المرحلة أيضاً.

المرحلة الرابعة هي أن يقع الجسد تحت إرادة الشخص وأوامره من جميع الوجوه، بحيث أنه يحقق أعمالاً خارقة للعادة في جسده. وهذا موضوع بحثه طويل.

يقول الإمام الصادق(ع):
( ما ضعف بدن عما قويت عليه النية).
المرحلة الخامسة التي هي أعلا المراحل تكون عندما تصبح الطبيعة الخارجية تحت نفوذ الإنسان وإرادته وطوع أمره. ومن هذه المقولة تأتي معاجز الأنبياء وكرامات أولياء الله.

إنّ مسألة المعاجز والكرامات بحد ذاتها قابلة للبحث بصورة مستقلة لتفسيرها. إنّ الإيمان بأحد الأديان السماوية يستلزم الإيمان بحوادث خرق العادة والمعاجز. فالمسلم، مثلاً، لا يمكن أن يكون مسلماً وبالقرآن مؤمناً، ثم ينكر المعجزة وخرق العادة.

إنّ مشكلة المعجزة من المشاكل المحلولة في نظر الحكمة الإلهية الإسلامية، غير أن بحث هذا الموضوع يستوجب البحث في مقدمات كثيرة. إلا إننا هنا نبحث الأمر من حيث علاقته بموضوع(ولاية التصرف) وبديهي إننا نخاطب الذين يؤمنون بالقرآن ويعتقدون بحدوث المعجزات. لهؤلاء نقول إن المعجزة ليست إلا مظهراً من مظاهر ولاية التصرف والولاية التكوينية. فإذا تجاوزنا القرآن، الذي فضلاً عن كونه معجزة بحد ذاته، فإنه كلام الله، وليس كلام رسول الله(ص)، وهو حالة استثنائية بين جميع المعجزات، فإن المعجزة تتحقق عندما يهب الله صاحبها نوعاً من القدرة والإرادة تجعله قادراً في التصرف في الكائنات بإذن الله، فيجعل من العصا حية تسعى، أو يجعل الأعمى بصيراً، بل يستطيع أن يحيي الموتى بإذن الله، وأن يطلع على الخفايا.

شاهد أيضاً

20-21-22-23-24 صلوات الليالي ودعوات الايّام في شهر رمضان

صلوات اللّيلة العشرين والحادِية والعشرين والثّانِيَة والعِشرين والثّالِثَة والعِشرين والرّابعة والعِشرين: في كُل مِن هذه ...