الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / من ضحايا الظلم الصدامي ـ قصة الدكتورة رجاء يوحنا سابيوس

من ضحايا الظلم الصدامي ـ قصة الدكتورة رجاء يوحنا سابيوس

إلى أولادي وإخواني في الحركة الشعبية لاجتثاث البعث أرجوكم ان تنشروا قصتي، لكي يفهم الذين يدافعون عن صدام إلى أي مدى وصل الاستخفاف بكرامة الإنسان في هذا البلد الذي حكمه البعث بالحديد والنار.

القصة:
انا من مواليد 1943 اعمل دكتورة نسائية ولي عيادة معروفة في بغداد ساحة النصر لم أكن اهتم بالسياسة وألاعيبها، ولا اهتم بالعلاقات الاجتماعية وبالخصوص النسوية منها (أعني صداقات نسائية خارج اطار الأقرباء) وقد تعودت على هذه الحياة التي هي أشبه بالروتين وصرت أعيش حياة مريضاتي وآلامهن إضافة إلى سفراتي إلى خارج البلد للمؤتمرات العلمية.

وفي إحدى ليالي الشتاء من عام 1983 جاءت لي ثلاث نسوة مبعوثات من السيدة زوجة رئيس الجمهورية (المجرم المعدوم) وطلبن مني ان اذهب إلى زوجة الرئيس لأمر هام، لم أكن احلم في يوم من الأيام ان تستدعيني زوجة رئيس جمهورية ويا ليتني مت قبل ان تستدعيني هذه الجاهلة الرعناء، وكالعادة في استدعاءات الرؤساء لا يمكن لك أن ترفض ولا لك الحق بأن تسأل لماذا، ولا يعطوك الوقت بل يجب ان تذهب، وفورا وهذا الذي حصل معي بالضبط.

ذهبت إلى منزل حرم الرئيس وانتظرت في قاعة كبيرة جميلة بمنتهى الجمال حتى يحسب الداخل إليها كأنه يعيش لحظات من الخيال وأيام ألف ليلة وليلة.

بعد عشرة دقائق تقريبا جاءت حرم الرئيس ومعها بنت صغيرة عمرها يقارب الـ16 عام وامرأتين من المرافقات لها، جلسنا وبدأت تسألني عن عملي وعن الأمراض الشائعة لدى النساء وتكلمت هي أيضا عن بعض الأمور الصحية الخاصة بها، ثم قالت لي بأنها أرسلت لي لوضع حل لمشكلة هذه الفتاة، فقلت لها وما مشكلتها؟…قالت نرجو ان تعملين لها عملية لإعادة عذريتها، فقلت لها ان هذه العمليات ممنوع إجراءها في العراق، قالت ومن هو وضع الممنوع! أليست الدولة التي زوجي رئيسها؟!

قلت، لم اقصد شيء سيدتي ولكن ارجوا ان تكون هناك ترخيصات لكي لا أقع في محذور قانوني.

قالت: أنا أقول لكي تعملين العملية وأنت تناقشيني؟… من أنت حتى تتكلمين معي بالقانون؟….. العملية تجرى غدا ورجلج فوك رقبتك. ياله… انتهت المقابلة.

وعدت إلى بيتي متعبة نفسيا للمقابلة الغير مؤدبة التي قسم الله لي مع هذه المرأة الرعناء، حتى اني لم اذهب إلى العيادة، وأخبرت زوجي بتفاصيل ماحدث ونصحني بأن أقوم بالعملية وانهي الموضوع.

وفي صباح اليوم التالي، جاء لي ثلاث رجال إلى البيت وأمروني بأن أتهيئ للذهاب فورا إلى حرم الرئيس وما هي إلا عشرة دقائق قضيتها في التهيء، وخرجت معهم في سيارتهم حيث رفضوا ان اصعد في سيارتي الخاصة، وذهبنا إلى حيث حرم الرئيس وهذه المرة لم يدخلوني إلى القاعة بل وقفت في الممر الخارجي وانتظرت واقفة على قدمي لأكثر من ساعة ونصف، ولما خرجت حرم الرئيس ومعها البنت وامرأة أخرى كبيرة بالسن واثنين من مرافقاتها، ونقلونا إلى مستشفى خيري تقع في الكرادة.

وهناك دخلنا إلى غرفة العمليات التي كانت قد جهزها احد العاملين من المستشفى وهو الدكتور (ب. ح) وقد هيئ لي كل مستلزمات العملية بحسب خبرته الطبية، قبل ذلك سألني السائق في ما لو كنت احتاج ممرضين، فقلت له فقط احتاج ممرضتين، وفي غرفة العمليات أجريت بعض الفحوصات وسألت المريضة عن أسمها فذكرت لي اسمها الكامل، عندها علمت أنها ابنة احد الرجال المهمين في قيادة الدولة، ولما أتممت العملية، اخذوا المريضة إلى غرفة لترتاح، وبقيت في المستشفى إلى اليوم التالي للاطمئنان على صحة المريضة وفي هذا اليوم قضيت وقتي في غرفة المريضة ولم اتصل بأي احد في المستشفى وكانت المرأة العجوز موجودة معي طول الوقت وحراس خارج الغرفة وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي قلت لهم يمكنكم الذهاب إلى البيت، فذهبوا وأنا ذهبت إلى بيتي.

وفي الساعة الخامسة من عصر نفس اليوم جاءت لي نفس السيارة وأمروني بالذهاب معهم فنقلوني إلى سجن النساء في الكاظمية، وهناك كانت تنتظرني إحدى النساء التي رأيتها مع حرم الرئيس وأخذتني الى غرفة.

وقالت لي: بأي حق تسألين البنت عن اسمها عند إجراء العملية؟ فقلت لها هذا عمل روتيني لأكمل الورقة التي تحتوي على حقل الاسم لكل مريض نجري له عملية جراحية.

فقالت أنا من الأول قلت لأم عدي ان ترى غيرك لما رأيتك تجادلين بالقانون والموافقات الرسمية، لكن شسوي لعنادهه.

فقلت لها ما صار شيء الآن، أنا اعتذر عن هذا الذي سبب انزعاجكم.

قالت ساخرة موبهاي السهولة يا دكتورة.

بعدها دخلن علي ثلاث نساء شرطيات وعلقوني من قدمي الى السقف، وأنا أصيح واستنجي بسكرتيرة حرم الرئيس لكن دون فائدة حيث قالت اسكتي هذه أوامر أم عدي، وتعرضت إلى ضرب، فقط الله يعلم شدته على نفسيتي أكثر من شدته على جسمي وصاروا يعلقوني إلى السقف كل جلسة تعذيب، تعرضت إلى الضرب أربعة مرات باليوم ولا يتركوني ألا ان يغمى علي، فصرت أتظاهر بالإغماء في اليوم الثالث بعد عدة ضربات لأنجو من تعذيبهن لي.

بعدها أنزلوني ونقلوني إلى غرفة التوقيف الانفرادية بقيت فيها سبعة أيام كانت جارتي في الغرفة الانفرادية المجاورة هي زوجة احد الوزراء الذين عدمهم صدام حيث أخبرتني إنها موقوفة في هذا المكان منذ أكثر من سنتين إضافة إلى ابنها الذي لأتعلم عنه شيئا وفي الغرفة المجاورة لي من جهة اليمين كانت أستاذة جامعية من جامعة البصرة تلك المسكينة كانت تتعرض للاهانة والضرب باستمرار وكانت قد أخبرتني عن ممثلة عراقية كانت موقوفة في نفس مكاني وقد خرجت بعد ثلاث أشهر من التوقيف الانفرادي وأيضاً أخبرتني عن إعدام سيدة من بيت النوري أو النور على ما اذكر حيث قتلوها بمنع الطعام والشراب عنها لمدة شهر فماتت المسكينة جوعا وسيدة أخرى من عشيرة الجبور هي زوجة لأحد القادة العسكريين المتمردين على صدام حكم عليها بالإعدام شنقا.

كانوا يأتون لنا بالطعام من تحت الباب وبقيت في تلك الغرفة الباردة في ذلك الشتاء القارص لأسبوع كامل، بعدها أخرجوني إلى التحقيق، وهناك وجدت سكرتيرة حرم الرئيس تنتظرني.

حيث أخبرتني بأن أم عدي قد عفت عني والآن سوف يعيدوني إلى البيت، بعدها خرجنا بالسيارة وجلست بجانبي امرأة من حاشية حرم الرئيس وكانت مسيحية من كركوك ولما علمت أني مسيحية

قالت لي بصوت خافت: إياك ان تذكري الذي حصل، وحاولي ان تنسي كل شيئ، لان ذكر أي شيء مما رأيتي ممكن أن يؤدي إلى إعدامك لان الموضوع سببه قصي والبنت كما عرفتي هي ابنة من؟!…. فإياك ان تذكري شيء حتى نصيحتي هذه إياك ان تقوليها لأحد.

بعد هذا أخبرت زوجي وإخواني وأخواتي بأني أريد السفر إلى خارج العراق ولن ابقي في هذا البلد أبداً.

ولما عجزت ان احصل على طريقه اخرج بها من العراق اخبرني زوجي بأن اصبر الى ان تتهيئ فرصة مؤتمر علمي أو إيفاد ومنها لا ارجع وفعلا بقيت إلى بعد عشرة أشهر تهيأت الفرصة من خلال زيارتي إلى دولة ألمانيا الغربية حيث جئت إيفاد لشراء أجهزة طبية حديثة، وفي اليوم الأول من وصولي إلى مدينة منشن (ميونخ) حاولت الهرب لكن لم استطع فعدت إلى العراق وانتقلت إلى مدينة بعيدة عن بغداد وتابعت عملي إلى هذا اليوم.

هذه هي ممارسات البعث ونظامه المقبور في العراق أضعها أمام العالم ليعذرنا….

إننا لا نستطيع نسيان جرائم هؤلاء المتوحشين ولن نرضى عودتهم أو التصالح معهم وليفهم أصحاب القرار ان هذا هو كلام الملايين من المعذبين…

 

بقلم الدكتورة : رجاء يوحنا سابيوس

 

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...