الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / من صحيفة الروح – وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ

من صحيفة الروح – وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ

المقدّمة الأولى: الإنسان مملوكٌ لله تعالى

لا شيء في هذا الوجود خارجٌ عن ملك الله تعالى، ولا يملك أحدٌ شيئاً إلا بإذنه، مهما كان هذا الشَّيء حقيراً أو خطيراً، يقول تعالى:﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ[1]. والإنسان هو أحد الموجودات التي يقع عليها هذا “الملك”، فالإنسان بنفسه مملوك لله تعالى، وكلّ يملكه فإنَّما يملكه على نحو الادِّعاء لا الجدّ، فالله تعالى “يملك عباده ملكاً طلقاً محيطاً بهم لا يستقلّون دونه في أنفسهم، ولا ما يتبع أنفسهم من الصِّفات والأفعال[2]. وهذا يعني أنَّ الإنسان يعيش مملوكيةً كاملةً لله تعالى.

 

المقدّمة الثانية: المملوكية تعني الفقر

إنّ هذا الموجود الذي يعيش المملوكية المطلقة لله تعالى، ولا يستطيع أن يتصرَّفَ أو يقومَ بأيٍّ من الأفعال على نحو الاستقلال، يفتقر دائماً إلى من يوجده في البدء، ويديم عليه النِّعم بعد إيجاده، ويصرف عنه أنواع النقص والحاجة، بل الإنسان ما دام إنساناً فإنَّه يحمل في جبلّته الفقر الذَّاتي إلى الله تعالى، وهو معنى العبودية الحقيقية لله تعالى[3]، و”معنى العبودية أنّ العبد لا يملك مع سيده شيئاً”[4].

ويقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[5].

 

ومن هنا كان الإنسان، وأمام كلّ موقف يستشعر فيه الضعف والنقص والحاجة والفقر، يبحث -بدافع من جبلَّته- عن مصدرٍ غني مترفِّع دائماً عن النّقص، وهو الله تعالى.

 

المقدّمة الثالثة: الدُّعاء أقرب الطّرق لنفي الفقر

فإذا قلنا بأنّ الإنسان مملوكٌ لله، وأنَّه عبدٌ له يعيش النقص، وأنّه إذا أراد أن يجبر نقصه عليه أن يتوجّه إلى مصدر الغنى الذي لا ينفد، فأيُّ الوسائل يستخدم؟

 

يقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[6]. ومفهوم القرب مفهوم قرآنيّ يشمل كلّ أنواع النِّسب، فلو كانت نسبة الشيء إلى الإنسان حقيقيةً كنسبة النَّفس والبدن والسَّمع والبصر إليه، أو نسبةً اعتبارية كالزَّوجة والولد والدَّار والمال، فإنَّ الله تعالى وحده يملك الإذن في استقرار النِّسبة بينه وبين ما يملك، وبالتالي يكون الله تعالى هو الحائل بين الإنسان ونفسه، والحائل بينه وبين ما يملك، وهو ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[7]، وقد قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ[8].

 

إذاً، ملك الله تعالى لعباده ملكٌ حقيقي، وكونهم عبادَه موجبٌ لكونه تعالى قريباً منهم، وهذا “الملك الموجب لجواز كلّ تصرف، شاء كيفما شاء، من غير دافع ولا مانع, يقضي أنَّ لله سبحانه أنْ يُجيب أيّ دعاءٍ دعا به أحدٌ من خلقه، ويرفع بالإعطاء والتصرُّفِ حاجتَه التي سأله فيها”[9].

المقدمة الرابعة: إجابة الدُّعاء مشروطةٌ

قد يحصل وهمٌ ما عند بعض الناس نتيجة الكلام السّابق، فيتوهّم أنّ إجابة الله تعالى للدعاء ينبغي أن تتحقَّق دائماً، فالإنسان دائماً هو مملوك لله، وهو مفتقر إليه حتماً، والله قريب منه دائماً، فمتى ما دعاه أجابه؟

 

يؤكّد القرآن الكريم على “شرط صدق الدُّعاء“، فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[10]، يشتمل على إجابة الدُّعاء، ولكنّه أيضاً يوضح علَّة الإجابة بقوله: “إِذَا دَعَانِ“.

 

فالاستجابة للدعاء، إذاً، مبنيَّةٌ على مقدِّمات: أن يكون الدَّاعي عبداً لله تعالى، وكونه عبداً يعني أنَّه قريبٌ من الله تعالى، والقرب منه هو الموجب للإجابة. فكلُّ قريبٍ عابدٌ لله داعٍ له،  دعوتُه مستجابة. وكلُّ عبدٍ لا يكون قريباً لله فإنَّ دعوتَه غيرُ مستجابة.

 

يقول العلامة الطباطبائي قدس سره: “وعد الإجابة المطلقة، إنَّما هو إذا كان الدَّاعي داعياً بحسب الحقيقة مريداً بحسب العلم الفطري والغريزي، مواطئاً لسانُه قلبَه، فإنَّ حقيقةَ الدُّعاء والسُّؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أُديرَ صدقاً أو كذباً، جدّاً أو هزلاً، حقيقةً أو مجازاً[11].

 

المقدّمة الخامسة: الدُّعاء عبادَةٌ

يؤكّد القرآن الكريم على أنّ الدُّعاء في حقيقته هو أجلى صور العبادة، وأنقى أسلوب يعتمل به كيان الإنسان في إبراز العبودية لله تعالى. وهذا الأمر – أي الدُّعاء – يعدُّ ميزاناً حقيقياً لقياس عبودية الإنسان لله تعالى، فالإنسان الذي يأتي بالدُّعاء على وجهه وشروطه وتتحقّق له الاستجابة هو إنسانٌ بلغ في العبودية مداها الأوسع.

يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[12]، نلاحظ أنّ الآية الكريمة قد دعت إلى الدُّعاء بالمعنى الذي تقدَّمَ شرحُه، ثمَّ جعلت الذين يرفضون هذا الدُّعاء خارجين عن معنى العبودية لله تعالى، فالدُّعاء هنا هو العبادة، والعبادة هي الدُّعاء[13]. وهذه الآية تؤكّد التّرابط الشّديد الذي بيّناه حول العلاقة بين العبوديّة والمملوكيّة والفقر والقرب، وأثر ذلك في تحقيق التَّواصُل الأسمى بين الله وعباده.

 

ولا يخفى أنَّ غايةَ الإنسان في وجوده هي تحقيق العبادة لله تعالى، وذلك مؤدَّى قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[14]، فالدُّعاء بمعناه المتقدّم, هو المحرِّك الأساس في حركة العبوديَّة اتّجاه الله جلّ وعلا.

 

وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “الدُّعاء هو العبادة التي قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[15]“.

 

[1] سورة المائدة، الآية 120.

[2] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج10، ص32.

[3] م.ن، يقول العلامة الطباطبائي قدس سره:”إنَّ العبودية (..) هي المملوكية”. 

[4] مغنية، الشيخ محمد جواد: في ظلال نهج البلاغة، ج4، ص324، قم، ستار، 1427هـ، ط1.

 

[5] سورة فاطر، الآية 15.

[6]  سورة البقرة، الآية 186.

[7] سورة ق، الآية 16.

[8] سورة الأنفال، الآية 24.

[9] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص32.

 

[10] سورة البقرة، الآية 186.

[11]  الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص33.

 

[12]  سورة غافر، الآية 60.

[13] وهو ما ذهب إليه صاحب الميزان قدس سره، راجع: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص34.

[14] سورة الذاريات، الآية 56.

[15] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص467.

 

 

https://t.me/wilayahinfo

https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...