إلى وَلَدِيْ
شرح وصيّة العلامة الحلي رحمه الله
لولده فخر المحققين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطّيبين الطاهرين.
رويَ عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم: “.. من أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا، ومن أراد به الدنيا فهي حظّه“1.
إذا كان العلم إنّما يُطلب في حقيقته لأجل الوصول إلى العبادة والمعرفة الحقيقيّة بالله تعالى وأسمائه وصفاته، والّتي بها يتحقّق كمال الإنسان الّذي خُلق لأجله، فإنّه يغدو عنصراً أساساً ومهمّاً لا بدّ
1-الكليني، الكافي، ج1، ص46.
أن يتفحّصه ليكون غذاءً لجسده لا أن يتحوّل إلى مادّة سامّة تضرّ بالجسد وتحرفه عن مزاجه الصحيح والسليم… ولذا ورد عن زيد الشحّام عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾2 قال: قلت: ما طعامه؟ قال: “علمه الّذي يأخذه عمّن يأخذه“3.
ومن هنا تأتي أهميّة التدقيق في المناهج السلوكيّة والأخلاقيّة، فإنّها في الوقت الّذي يحتاج إليها الإنسان لتحديد الطريق الموصل إلى الهدف، تشكّل خطورة تتمثّل في الانحراف والابتعاد عن تعاليم الدِّين والشريعة الغرّاء.
2-عبس: 24.
3-الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص43، باب 7 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.
ويستطيع الإنسان تحصين نفسه من التيه والضلال والانحراف، بالمحافظة على الموازين العامّة، كأحكام العقل القطعيّة، وتعاليم الثقلين: الكتاب والعترة الطاهرة اللّذَين من تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما غرق وهوى.
وحيث كان لهذا العلم أهله وأربابه، وهم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بالأصالة، والعلماء العاملين والسائرين على نهجهم بالتبع؛ فإنّ أخذ العلم عن أهله يشكّل حصانة للنجاة تضاف لما سبق ذكره، كما أشير إليه في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم: “من أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا”…
وقد وجدنا العديد من علمائنا الكبار الّذين هم أهل العلم وفرسان ساحته في ميدان العمل، قد كتبوا بعضاً من الوصايا أو الرسائل الأخلاقيّة والسلوكيّة، أو ضمّنوها مصنّفاتهم، أو أفادوها
في بعض مجالسهم، وقد استندوا فيها إلى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الواردة عن النبيّ وعترته الطاهرة عليهم السلام.
فأحببنا أن نجمع ما يتسنّى لنا جمعه منها ونضعه بين يدي القارئ العزيز لما فيه من الموعظة والعبرة والفائدة حيث إنّهم يمثلون القدوة بعد الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، عسى أن يكون ذكرى نافعة لنا وله، وجهداً متواضعاً في طريق التذكير النافع للمؤمنين ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾4.
عَمَلُنا في هذا الكتاب
أخذنا هذه الوصيّة مع شرحها من كتابه المذكور:”كشف اللثام عن قواعد الأحكام”، والمطبوع من قبل مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.
4-الذاريات: 55.
وضعنا وصيّة العلّامة بين قوسين بالخطّ البنّي الغامق، ليتمّ تمييزها عن الشرح.
قمنا بنقل المصادر المخرّجة في الهامش كما وردت في هامش الكتاب المذكور.
قمنا بترجمة مختصرة لحياة كلّ من صاحب الوصيّة وهو العلّامة الحلّي، وولده فخر المحقّقين، وشارحها الفاضل الهندي، في الفصل الأخير من هذا الكتاب، تحت “عنوان في رحاب الوصيّة”.
قمنا بوضع عنوان لهذه الوصيّة “إلى ولدي” لأسباب فنيّة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منّا هذا العمل بأحسن القبول.
مركز نون للتاليف والترجمة